مذكرات

قراءة تحليلية لنص “عقد قراني” لـ”أحمد سيف حاشد”

برلماني يمني

تأتي هذه القراءات التحليلية لنص “عقد قراني” للكاتب والبرلماني اليمني أحمد سيف حاشد، والمنشور في كتابه “فضاء لا يتسع لطائر” بوصفها مقاربات متعددة الزوايا أنجزت بالاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي، بهدف تقديم رؤية شاملة تجمع بين التحليل النفسي والاجتماعي والسردي والجمالي.

أتاح هذا التوظيف التقني مقاربة النص من مستويات مختلفة، مع الحفاظ على منهجية نقدية تتوخى الدقة والموضوعية، دون المساس بروح التجربة الإنسانية العميقة التي يجسدها النص.

مقدمة
بين دفتي هذا النص، تُشرق حكايةٌ رُويت بصدقٍ جارحٍ، مُخلّدةً اللحظة الفاصلة في حياة بطلها: عقد القِران. إنها ليست مجرّد وثيقة، بل ميلادُ مرحلةٍ كبرى تختلط فيها بهجةُ الوصال بـوَطأة التحدي المادي والنفسي.

يستهلُّ السرد رحلته بإيقاعٍ مُحمَّلٍ بالتوتر والتردد، ليُصارع بعدها تيار الشكوك وعواصف القلق، ولا يختتم إلا بـبارقةِ رجاءٍ يبعثها دِفء حنان الأم وسخاء الأب. إنه، بحق، سجلٌّ عميقٌ يُعرّي أعماق التجربة الإنسانية وهي تجابهُ قيود التقاليد وثِقل الأعباء المالية.

ملخص الأحداث والسرد
يستعرض النصّ تفاصيل يوم عقد قران السارد (الكاتب) على شقيقة “خالد”، الشخصية التي تُبدي تنافراً صريحاً معه. يصل السارد متفائلاً ليُفاجأ بغياب خالد الغامض، مما يثير لديه موجة من الشكوك والارتياب حول إتمام العقد. تتولى أم الفتاة إدارة الموقف بـحكمة وقوة، مُسندةً إتمام العقد لخال الفتاة وابنها الأكبر غير الشقيق.

يزول القلق الأولي ليحل محله صدمة مادية حين يُحدّد الخال مبلغ المهر بدقة غريبة ومطابقة تمامًا لكل مدخرات السارد (13,000) شلن. يشعر السارد بالإحراج والعجز، لكن تدخل ابن عمه ينقذ الموقف بالموافقة السريعة. يتم العقد، وتنتشر زغاريد الفرح الممزوجة في نفس السارد بهمّ ثقيل حول كيفية جمع المال لإتمام الزفاف. ينتهي به المطاف بالاستعانة بـأمه الحنونة التي لا تتردد في تقديم كل ما تملكه من ذهب ومدخرات، وبمساعدة من أبيه، ليبدأ الأمل في إتمام الحلم يلوح في الأفق.

التصنيف والخصائص الفنية
ينتمي النص إلى السرد الذاتي (سيرة ذاتية مجزوءة) ضمن فن المذكرات الشخصية، يمزج بين طبيعة القصة القصيرة من حيث التكثيف، وأسلوب أدب الاعتراف الذي يسمح بالانكشاف الوجداني.
اعتمد النص أسلوباً واقعياً في رصد التفاصيل اليومية، ممزوجاً بمسحة شعرية قوية ولغة سردية شاعرية تمزج بين البساطة والعمق، حيث وظف صوراً بلاغية حية واستعارات (“صخرة هوت على رأسي” أو “كشجرة الدر”).

يُعد النص أدباً اجتماعياً واقعياً محوره الأساسي هو قضية الزواج والمهور، والصراع الأزلي بين المشاعر المُثلى (الحب والأمل) والقيود المادية والاجتماعية (ثقل الأعباء والتوترات الأسرية).

عناصر القوة والجمال الأدبي
تكمُنُ القوة الحقيقية للنص في صدقِ العاطفة ورهافةِ الوصف، حيث ينجح في تعرية المشاعر الصادقة للبطل (من القلق، الحياء، الامتنان). النصُّ ينبضُ بـإنسانيةٍ عميقة ولغةٍ سرديةٍ شفيفة تلامس شغاف القلب.

ويُعدّ العمقُ النفسي هو العلامة الفارقة؛ فالنص يصور ببراعة التناقضات المعقدة، كالتضاد بين فرحة الزواج ووطأة التكاليف المجتمعية، بالإضافة إلى تميزه بـسلاسة ووضوح الأسلوب، وقدرته الفائقة على التصوير الحي للمشاهد.

ملاحظات نقدية
على الرغم من هذه الجماليات، يظهر ضعف النص في بعض النقاط المتعلقة بالإيقاع والتماسك. فقد يلاحظ القارئ إطالة متكررة في وصف حالة التردد والقلق الداخلي، مما قد يثقل السرد ويبطئ إيقاعه أحياناً. كما يوجد انتقال سريع بين المشكلة النفسية ومشكلة المهر المادية، الأمر الذي يفتقر أحياناً إلى رابط سردي قوي يُبرر هذا التغير المفاجئ في بؤرة الأحداث.

التحليل الفلسفي والنفسي
يُشكل النص غوصاً عميقاً في أعماق النفس البشرية، مطروحاً على خلفية إشكاليات وجودية كبرى. يركز السرد على تيمة القدر والصدفة، متسائلاً حول التطابق المذهل بين المبلغ المدّخر ومبلغ المهر، مما يُشير إلى تداخل الغيبي بالواقعي في لحظات المصير.

النصُّ ساحةٌ لصراع الذات الداخلي؛ حيث يواجه الراوي قلقه الوجودي المتمثل في شعوره بالعجز الذكوري وعدم المساعدة. يظهر صراع المادة والمعنى الأبدي، لكنه يجد ملاذه الأخير والأمان في الأم، التي تمثل القوة التي تعيد التوازن وتُذلّل عقبات المجتمع. وتتعزز رمزية القدر من خلال “الإنقاذ” الذي مثّله تدخل ابن العم والأم، مُسلّطاً الضوء على فلسفة التسليم والاعتراف بالضعف البشري.

التحليل الاجتماعي وثقل العادات
النصُّ مرآةٌ صافيةٌ تعكسُ تناقضات المجتمع وتكشفُ عن توزيع القوى والسلطات داخله:
* سلطة العادات وثقل المهور: يصور النص المهر كـاختبار قاسٍ يهدد الوجود، مُحوِّلاً الفرح إلى همٍّ ثقيل وحيرة خانقة، مما ينتقد سلطة التقاليد القاسية على الشباب.

* الصراع الطبقي والمناطقي: يكشف النص عن تأثير التقسيمات المناطقية (شمالي/ريفي) والتعالي الاجتماعي، حتى داخل بنية العائلة الواحدة، مما يُفسر الرفض أو النفور من بعض الشخصيات.

* قوة السلطة الأنثوية: تُمثّل الأم نموذجاً لـسلطة الأمومة الحكيمة والقوية، وهي حجر الزاوية ومحور القرار، تتجاوز سلطة الذكور المتخاذلين لتُجبر على الإذعان لرغبتها، مُبرزةً بذلك الدور المحوري والقوي للمرأة.

مقاربة أدبية
يتقاطع النص مع أدب الاعترافات الذاتية ونصوص السيرة الذاتية في عمقها الشخصي. ويشابه قصص الزواج التقليدي في المجتمعات الشرقية، حيث تصبح عُقدة المهر هي العقبة الكبرى، كما يشبه في نقده الاجتماعي أعمال توفيق الحكيم، وفي صدقه العاطفي أعمال عبد الوهاب مطاوع.

مسك الختام
وهكذا، يُسدَل الستار على “عقد القِران” ليكون شاهداً على أن أغلى العقود هي تلك التي تُبنى على صمود الروح وتضحية الأهل.

إن هذا السرد الشخصي يثبت أن لحظة الزواج ليست مجرد وثيقة، بل هي عبور شاق من غربة النفس إلى دفء الوصال.

النص، بكل ما حمل من توترات وصراعات، يكشف أن القدر لا يستقر إلا بـالإرادة التي تجتاز الحيرة وتعتمد على رحمة أمّ تُعطي من جمرها لتضيء درب ابنها.

قصة الكاتب هي همسةٌ خالدة تُردّد: “إنّ الحُبّ وإن أثقلته المادّة، فإنّ سُفن النجاة تصله دائمًا على أجنحة البرّ والرحمة”، ليصبح العقد بذلك رباطاً لا ينحل بين زغاريد الفرح وغُمضة القلق.

نص” عقد قراني”

أحمد سيف حاشد
خالد شقيقها الأكبر كان يبدو لي نزقاً وحاداً.. كلما وجدته رأيت وجهه متجهماً وغضوباً.. لم نتحدث إلى بعض حتى من باب المجاملة.. اسمي الأول ظل فترة طويلة لم يحفظه.. كنت أشعر أنه لا يطيقني.. يستكثر عليّ حتى سلاماً عابراً في ممشى أو طريق.

لا توجد بيننا أي كيمياء أو انسجام.. أشعر بغربة إن وجدته، وهو أيضا يشعر إن وجدني بغربة مضاعفة.. تنافر جم يحول دون أن نجتمع على حال.. لا ابتسامات بيننا تجعل من الحال ألطف.. كنت أشعر أن بيننا حاجزاً نفسياً عميقاً ومتسعاً يحول دون انسجامنا.

ربما رآني قد أفشلت رغبته في إعادة محاولة تزويج شقيقته على من كان يألفه من أبناء مدينته، ومن جانب أخر عرفت أن شماليتي وريفيتي لا تروقاه، رغم أن والده الطيب قدم من شمال الشمال، ومن ريفه أيضاً. والمفارقة أن بيتهم معروف ومشهور باسم “بيت الزيدي”، بل هو نفسه معروف أيضا باسم “خالد الزيدي”، وبعيداً عن هذا وذاك كان خالد هو المعني بوضع يده في يدي لإبرام عقد قران شقيقته.

في الموعد المحدد للعقد جئتهم بوجه بشوش ومشرق.. متدفق بالحياة والأمل.. كنت مغموراً بالسعادة والمحبة، وفي أول اطلاله لم أرَ خالد بينهم.. خالد الذي أبحث عنه ظناً مني أن المناسبة أكبّر منّا، وتحملنا على فتح صفحة جديدة بيننا.. فاتحة خير تجعلنا أرقى مما نحن عليه من حال.. كان يفترض أن يكون خالد في طليعة من يستقبلني بقدر من الحفاوة، حتى وإن كانت متصنّعة من أجل شقيقته، لاسيما وقد صرنا على أعتاب أن نكون عائلة واحدة، أو يستقبلني حتى بالوجه الذي كنت قد تعودت عليه، ولكن تفاجأت أنه غير موجود في البيت من الأساس.

حدثت نفسي: يا ترى ما الذي استجد..؟! نحن على اتفاق أن اليوم هو موعد العقد، ومن يفترض أن أضع يدي بيده غير موجود.. هذا لن يحدث إلاّ لأمر طارئ ومهم.. يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها.. يا ترى ما سبب غيابه..؟! أستبعد أن يكون في هذا الغياب المريب خيراَ أو بعض خير.

شعرتُ بارتياب جم يجتاحني.. يدعوني إلى قلق شديد ومخاوف أشد.. أحسست بفراغٍ يخنقني، وربما يقوّض ما أتيت لأجله.. ارتباك وربكة تستغرقني، وأسئلة كثيرة تبعثرني، فيما شرودي يذهب إلى البعيد لافتراض ما يدعو للخوف والقلق.

كان مستهل الحديث في المجلس مُستثقلاً لدي، ويتخلله بعض الصمت، الذي لم أكن أعرف كيف أكسره.. احتملتُ وجود خلاف أسري تفاقم، وكنت السبب فيه.. خلاف ربما أدّى إلى تأجيل العقد ريثما يتم حل هذا الخلاف في إطار الأسرة وحدها، وفي غيابي تحديداً.. ثم تداعت أفكاري لتداهمني بافتراضات واحتمالات أشد وطأة.

ساورني خوف شديد يؤدّي ليس فقط إلى تأجيل موعد العقد، وإنما لطلب استمهال مؤقت يكون عبوراً إلى التنصل من الأمر كله.. شعرت بتهديد حقيقي يستهدف ما أريده برمّته ساساً برأس.

غير أن ما حدث بعد ذلك وجدته في جله على غير ما توقعت.. تفاجأتُ به أنه على غير ما ظننت.

وجدت أن أم الفتاة قد حسمت قرارها بحزم لصالحي، ورتبت أمور العقد على نحو لا يؤثر فيه غياب ابنها الذي كان يفترض أن يتولى أمر العقد.. بدت الأم وهي تدير الأمور من خلف جدار كأنها شجرة الدر.

أسندت لأخيها عبدالله إدارة جلسة العقد، وكان خلف الزمام زمام تمسك به سلطة الأم القوية، فيما أسندت لابنها الأكبر غير الشقيق للفتاة بإتمام العقد، بدلاً من خالد الذي ربما خرج باكرا يشتاط غضباً وضجراً ولم يعد.

بدا لي أن الأم قد حققت إجماعاً من الرضى والقبول لدى كل أفراد الأسرة، باستثناء ابنها النافر والغضوب.. هكذا خمنتُ الأمور، أو بدت لي على ذلك النحو.. كنتُ أريد إجماعاً ولكن كان الإجماع مخروماً بخالد.

*​*​*

بدأ خال الفتاة يدير جلسة العقد، وحدد ما يتعين دفعه بثلاثة عشر ألف “شلن”.. كان اطلاق هذا الرقم أشبه بمن نصع النصع.. إنه كل المبلغ الذي أملكه بعد أن راكمته في حساب توفير بريدي خلال فترة ليست بالقصيرة..

استغربت على تحديد هذا المبلغ بالذات، وكيف تطابق مع رقم المبلغ الذي أملكه ولم أبح به لأحدٍ غيري!! هل هي الصدفة، فيما الصدفة نادرة وتصير أحياناً مثل المعجزة؟! لماذا هذا الرقم بالتحديد وليس غيره؟! هل لديهم شياطين أخبروهم بما أذخره على وجه الدقة والتحديد؟! هل قرأوا أفكاري؟! ما قصة هذا الرقم؟! رقم 13 هذا يحيرني فضلا أنه يثير قلقي وتوجسي، وزائد على هذا هو رقم معروف بشؤمه لدى عدد من الشعوب والمجتمعات.

كان إطلاق هذا الرقم أشبه بصخرة هوت على رأسي.. حاولت أن أبدو متماسكاً دون فائدة.. بدوت لبرهة أشبه بمصعوق، ثم صرتُ شارد الوعي في تيه بعيد.. ظهر على وجهي كل شيء أردت مداراته عن العيون.. حتى الطفل الذي ما زال حديث عهد في النطق والتهجّي صار بإمكانه أن يقرأ اللحظة في وجهي بسهولة ويسر.

حاولت بصوت خفيض مثقلا بالحياء أن أطلب إعادة النظر في المبلغ، فبدا لي الأمر غير قابل للنقاش.. لا توجد مساحة أو هامش لمن يدير الجلسة.. “رفعت الأقلام وجفت الصحف”.. قُضي الأمر وانتهى.. حتى القانون العسكري “نفذ ثم ناقش” لا يتم العمل به هنا.. كلما فعله خال الفتاه الطيب هو شرح التفاصيل التي لا تغير من واقع الأمر غير اضافة ما كان محسوباً أيضاً أن تكون عليّ تكاليف حفلة “الصبحية” وعليهم تكاليف حفلة الدخلة أو ليلة العرس.

كنت أريد أن أضيف جملة في مجلس العقد وهي: “لستُ بخيلاً ولكن الحيل مهدود” وهو قول بدا لي لاحقاً أنه مجازف وربما تكون كُلفته فادحة.. ربما انقلب الأمر رأساً على عقب، وربما أتي على رأسي بضربة قاضية لا أفوق بعدها أبداً، وبالتالي تضع نهاية للأمر كله.

التقط اللحظة الحرجة ابن عمي عبده فريد وكان محقاً.. وافق سريعاً، ولملم الأمر بحنكة، ولم يترك فسحة للشيطان يهدد كل شيء، وربما يهدمه وينثره نثرة واحدة، والحقيقة لا أريد أن أتهم الشيطان الذي أفتريه، وأحمله مسؤولية غبائي وحماقتي.. إن مضيتُ فيما فكرتُ فيه لكان كل شيء انتهي إلى زوال، وآل إلى حزن وخيم.. لو حدث مثل هذا كنت سأنزل على نفسي عقاباً جماً، وندماً يرافقني إلى آخر العمر، ولن أسمح لنفسي بالحديث حتى صباح يوم العيد.

*​*​*

تم الأمر على هذا الإنقاذ المتدخل كقدر، وتم العقد على المعتاد في عصر ذلك اليوم العاشر من إبريل 1990.. سمعتُ زغردة الفرح تنتشر من أمكنة وأروقة البيت، وكانت أول زغردة فرح في حياتي أفسدها هم ثقيل وحيرة خانقة، وغصة سؤال تقول: من أين؟!! ما العمل لإكمال مشوار الزفاف؟!! أحتاج إلى سحر وساحر، أو قدر يقول للشيء كن فيكون؟! أحتاج إلى رحلة مضنية أخرى لأتمكن من جمع مبلغ يقارب المبلغ المدفوع أو حتى دونه بقليل لأتم الزفاف، والانتقال إلى بيت الزوجية.

بدوت في لحظة أكثر من مربكة أعتب فيها على نفسي وأقرّعها:

– أنا طالب فاشل جداً في الحساب.. ضعيف جدا في الاقتصاد.. حديث عهد وتجربة في شؤون الحياة.. عديم الخبرة في شؤون المقبلين على الزواج.. استصعب مراكمة النقود على نحو يفوق التصوّر.. لا أدري كيف ستكون النتيجة!! هل سأصل إلى يوم الزفاف أم إن الخيبة القاتلة ستحل محلها، ومحل من أحب؟!!

صرتُ أرزح تحت واقع ثقيل، ومُرغما على التعاطي معه.. أحسست أني والقانون نعيش مأساة واحدة.. يومها كانت الوحدة اليمنية تطرق الأبواب، فيما كثير من الحقوق باتت أكثر من أي وقت مضى مهددة بالانتقاص والنيل منها بجرأة.

طلبتُ عند العقد مهلة ثلاثة أشهر، غير أن هذه المهلة وجدتها في الواقع لا تكفي بأن أكون جاهزاً لأصل إلى ليلة الزفاف، وإن ضربتُ على تبذير اليدين قيداً من حديد.

*​*​*

تذكرتُ أن لي أماً حنونة في القرية تحبِّني إلى درجة لا تصدّق.. لن تبخل من أجلي بروحها إن طلبتها منها.. أمي التي فدتني بعمرها في كل مرّة.. أمي التي صبرت لأجلي وتحملت ما لا تطيقه أثقال الجبال.. فكانت وجهتي الأولى إليها.

أمي التي لطالما ألحّت هي عليّ بإتمام نصف ديني، فجاء الوقت لأطلب غرمها في الدين.. نصف ديني الذي ظننته أيسر من اليسر كان ثقيلاً يفوق الاحتمال.. ليس آية من القرآن أو خاتم من الحديد، فالواقع كان أكثر ثقلاً وجهماً وشراسة في وجه خيالي الحالم، والشاطح في البعيد.

أمي التي ظلت تهتم لأمري ونصف ديني سنوات طوال آن لها أن تساهم، ناولتني ما كانت تملكه وتحتاط به للزمن العبوس.. ثلاثون جرام من الذهب “شعيرية”.. مهرها ومكسبها الذي خزنته لفرحة كهذه أو لأيام الشدة التي قد تداهمنا دون إنذار.. فرحت أمي لفرحتي حتى كادت تطير.. الحلم الذي ظلت تنشده أكثر من عشر سنوات صار ممكناً ويقترب.

أمي أيضاً بثت في أبي روح التعاطف والمساعدة؛ فساندني أيضاً بسخاء.. أقبل إلى بيت أهل الفتاة التي عقدتُ عليها.. بدا كريماً ولطيفاً، بل وقالوا عنه أيضاً أنه أجمل منّي..!!

بعد هذا وذاك بدأ تحقيق حلمي يطرق باب الممكن والقريب، وعلى إثر هذا أهديت حبيبتي أغنية الفنان نهاد طربية (بدنا نتجوز عالعيد) وكنت أقصد الزفاف لا سواه.

*​*​*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى