مذكرات

(4) سالمين وفتاح وخيبتنا الدامية! .. أحمد سيف حاشد

مذكراتي .. من تفاصيل حياتي.. سالمين وفتاح وخيبتنا الدامية!

(4)

سالمين وفتاح وخيبتنا الدامية!

أحمد سيف حاشد

في سنة ثاني إعدادي على الأرجح تم إخراجنا من المدرسة لاستقبال الرئيس سالمين، وأمين عام التنظيم السياسي عبد الفتاح اسماعيل الذي كان لا يقل أهمية عنه، مع فارق شعبية الأول ونخبوية الثاني.. خرجنا من المدرسة لاستقبالهما ونحن سعداء، ومغمورين بالفرح، وملتاعين بالاشتياق، في يوم بدا لنا استثنائيا، وللمركز الذي أستنفر جنوده وضباطه ومسؤوليه، وجمع غفير من المواطنين، وذلك لاستقبال كبار رجال الدولة وكبار الضيوف.. خرجنا نحن الطلاب بصفوف منتظمة، ثم صرنا منتظمين في صفين على جانبي الطريق الممتد من بوابة المركز وحتى مسافة تزيد عن الكيلو متر باتجاه طريق قدومهما..

 

كان مكاني في الصف بالجهة المحاذية للمستشفى الذي كان لا يزال حديث العهد، والمقدم هدية من دولة الكويت، وتم تسميته باسم طيار عسكري من منطقة معبق في الشمال، درس وتخرج واستشهد في الجنوب، لم أعد أتذكر اسمه، ولكني أتذكر أن لقبه “الجليدي” وكان أخويه زميلين لي في نفس المدرسة..

 

كنت أتحيّن بصبر وأتشوق بلهفة لأرى سالمين وعبد الفتاح إسماعيل.. كنت أحدّث نفسي: إن هكذا حدث أو فرصة لن تتكرر في حياتي مرتين.. غير أن ما حدث، كان هو الأكثر سوءا.. لقد تم افساد هذه الفرصة، ولم تتأت أخرى غيرها..

 

أردتُ أن أشطح وأنتمي وأفاخر أمام أقراني في القرية ـ التي لا تعرف الرؤساء ولا الزيارات ـ انني شاهدت وجها لوجه الرئيس المحبوب سالمين، والمنظّر الفذ عبد الفتاح إسماعيل.. كان وقع سماع الاسماء على المسامع داهش وجاذب، فما بال وأنا أروي أنهم مروا من أمامي على مسافة  أمتار قليلة، وهما يلوحان لنا بالتحية والسلام..

 

وفيما أنا انتظر قدومهما، بديت وكأن التاريخ سيكرمني بمشاهدة رجلين هما من صانعيه.. أردت أن أقول لأقراني في قريتي: لقد حملقت وجالت عيوني بمن تتوق له العيون.. لقد رأيت ما لم ترون.. لقد طلت من المعرفة ما هو عصيا عن جمعكم.. لقد أردت أن أرد لأقراني الصاع صاعين متذكرا زمن الطفولة، وهم يتفاخرون بزيارة موالد الخضر واليأس وسعيد ابن عبدان، وكأنهم يتحدثون عن غزو الفضاء، فيما أنا حاسرا وبائس أمضغ جراحي وحسرتي بصمت ثقيل وحزن أكثر كثافة..

 

كنت أتحين مرور الرئيس والأمين العام من مسافة قريبة أمامي، وأتمنى مرورهما ببطيء شديد؛ لأغرف النظر منهما قدر ما أستطيع، وأكتنز في الذاكرة وجوههما وهيئتهما وكثير من التفاصيل، أو على الأقل ما قدرت على التقاطه وحفظه في الذاكرة.. إنها المرة الأولى في حياتي التي سأرى فيها مباشرة الرئيس والأمين العام، ولكن طال الانتظار الثقيل تحت هجير الشمس الحارقة، وتأخر وصولهما عن الوقت والموعد المحدد..

 

كان في الاصطفاف المقابل في الجهة الأخرى مجموعة من أبناء منطقة طور الباحة، سبق أن تعاركت معهم أكثر من مرة، ولطالما استفزوني مرات عديدة.. كان بيني وبينهم بُغض صبيان وتحدّي معاند، وكانوا أشبه بعصابة متربصة.. كنت عندما أراهم أشعر بغربتي، وأنني لست من أهل تلك الديار، وربما هم شعروا أيضا أنني دخيلا وغريبا أثير استفزازهم..

 

ظلوا يرمقونني ويسخرون مني ويستهزئون بي ويضحكون عليّ ويتحدونني.. وأنا في المقابل استنهضت التحدي، وقلت لهم اختاروا واحداً منكم لنتعارك أنا وهو، رأس برأس، فنزل أحدهم وكان ممتلأ البدن، وبصحة ينبض بريقها كالشمس.. كان معتبي الجسد، كثيف وأشقر الشعر والبشرة، يشبه أولاد الإنجليز، فيما كنت أنا نحيفا ومنهكا، وضعيف البنية، وأعاني من سوءٍ في التغذية.. قلت لنفسي وأنا أرى الاختلال الكبير في المعادلة: ربما السكين تصنع تعادل في التفوق بيننا، أو ترجح الأمر لصالحي..

 

قلت لهم ننزل نتبارز خلف تلة الرمل القريبة على بعد 200 متر، حتى نأمن من أي تدخل يساعدني أو يساعده، وكان رفقائه واثقين أن الانتصار صار بالنسبة لهم حليف وأكيد، ومن دون جدل أو احتمال مغاير، فلا مقارنة بيننا، فإن كان لا بد من المقارنة، فهي لصالح خصمي كاملة..

 

صعد رفقاؤه رأس تلة الرمل أو بالأحرى اعتلوا نتوء الرمل القريب، ليرون مشهد العراك، وكنت أخفي سكينا صغيرة ورفيعة ـ تستخدم لتقطيع الروتي ـ اشتريتها قبل بضعة أيام، تحسبا دفاعياً لموقف طارئ أو محتمل، ولاسيما أنهم كانوا يتربصون بي كعصابة في الأيام القليلة التي خلت..

 

وصلنا مفردان المكان الذي اخترناه للمبارزة، ربما كنت جبانا وماكرا، وربما أردت دحر هزيمة مريرة باتت بحكم الأكيد.. تملكه الارباك وأنا استل السكين بمباغته وسرعة، وأباشره بطعنة في البطن؛ فهرب مذعورا وصارخا “سكين.. سكين”.. فيما كنت ألاحقه، وأحاول طعنه في أكثر من مكان، وكان قد أصاب العوج نصلها الرفيع إثر طعنة وجهتها إلى رأسه القوي وهو هارب.. كنت أشعر أن أي تراخي أو تمهُّل عن ملاحقته قد يقلب معادلة العراك بالكامل لصالحة، وبالتالي سيكون انتقامه أكبر، فلم اعطه فرصة كتلك، فيما أصاب أصحابه تشتت في الذهن وإرباك في ردة الفعل..

 

 هرع مدرسان لنجدته، وانتزعا مني السكين، ومسكا بي بشدة وقوة كما تمسك الشرطة المجرمين، وعندما رمقت من اعتركت معه، وكان يصرخ متوعدا بقتلي، تفاجأتُ برؤية كمية الدم وغزارته على قميصه الأبيض.. لم أكن أعلم أن كل هذا الدم سينبجس من البطن، وبتلك السرعة والغزارة..

 

لقد كان الدم ينزف على نحو لم أكن أتوقعه.. بدأت أشعر بفداحة ما فعلت، وشعرت بالندم والحسرة، بل والحزن عليه.. أحسست بالقلق من أن يصل الأمر حد الفاجعة.. شعرت أنني كنت متهورا وأحمقا وإن المقامرة والتحدّي الذي في غير محله ممكن أن تحوِّل الإنسان من سوي إلى مجرم وقاتل..  لقد كان بإمكاني الاكتفاء بإشهار السكين في وجهه للحيلولة دون أن يحدث ما حدث حتى وإن بديت أكثر جبنا..

 

نقلوه إلى المستشفى، ونقلوني إلى السجن وكان الأسف كبيرا.. أسفت لفعلي وأسفت للمصاب، وأسفت أكثر لفوات فرصة أن أرى الرئيس سالمين والأمين عبدالفتاح اسماعيل، اللذان وصلا وقد وصلتُ إلى السجن قبل مجيئهم.. فاتت الفرصة التي تحينتها ولم تعد مرة أخرى وإلى الأبد..

 

 ومثلما كانت خيبتي يومها حمقاء ودامية، حزنتُ كثيرا عندما خيّب الدم تاريخ الرفاق الكبار، وكأن ما حدث لي في ذلك اليوم نذير شؤم حاكى نهايات كان يفترض أن تكون مديدة ومشرقة، ولكن كان للقدر كلمته التي كان بوسعنا أن نحسب حسابها من قبل، ولكننا جميعنا أخطأنا الحساب، وكانت تلك النهايات دامية ومؤسفة، ولا تخلوا من مراهقة وطيش..

***

يتبع.. 

  • الصورة من موقع “عدن الغد”

 

موقع يمنات الاخباري

موقع برلماني يمني

صفحة احمد سيف حاشد على تويتر

صفحة احمد سيف حاشد على تويتر 2

حساب احمد سيف حاشد على الفيسبوك

صفحة احمد سيف حاشد على الفيسبوك

قناة احمد سيف حاشد على التليجرام

مجموعة احمد سيف حاشد على التليجرام

“Yemenat” news site

MP Ahmed Seif Hashed’s websit

Ahmed Seif Hashed “Twitter”

Ahmed Seif Hashed “Twitter”

Ahmed Seif Hashed “Facebook”

Ahmed Seif Hashed’s Facebook page

Ahmed Seif Hashed

Ahmed Seif Hashed channel on telegram

Ahmed Seif Hashed group on telegram

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى