قراءة تحليلية لنص” بعد الخطوبة وقبل القران” لـ”أحمد سيف حاشد”

برلماني يمني
تأتي هذه القراءة بوصفها معالجة تحليلية مكثفة أنجزت بالاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي، بهدف تقديم فهم أعمق لنص “بعد الخطوبة وقبل القِران” للكاتب والبرلماني أحمد سيف حاشد، والمنشورة في كتابه “فضاء لا يتسع لطائر”.
تعتمد هذه المقاربة على تفكيك البنية الوجدانية والسردية للنص، ورصد التحولات النفسية والجمالية والفلسفية التي يبنيها الكاتب عبر لغته الشفيفة وتجربته الذاتية.
وقد سعت القراءة إلى إبراز جوهر النص وتصنيفه، وتقديم صورة مركّزة عن شخصية الكاتب وتحولاته، إضافة إلى الوقوف عند جماليات السرد ونقاط القوة والضعف، بما يمنح القارئ تصورًا شاملًا عن العالم العاطفي والفلسفي الذي ينسجه النص.
جوهر النص وتصنيفه
النص شذرة وجدانية آسرة، تتخذ من اللحظة الفاصلة بين الوعد والعهد محورًا، وتجري محكومةً بـتيار داخلي من الدهشة الشفيفة، والرّهبة الكاتمة، والرغبة الملحّة.
إنه نص سردي روائي بأسلوب شبه شعري، يمزج بين السيرة الذاتية والتأمل الفلسفي، وتغلفه لغةٌ روحانية قادرة على استحضار الواقعي والوجدانيّ معاً.
يُصنّف النص كـوثيقة وجدانية تكشف هشاشة العاشق أمام سلطة الجمال وضغط الأعراف، ويذكّر في حساسيته ببعض فصول «أيام معه» لتوفيق الحكيم أو «الحب في المنفى» لبهاء طاهر.
الكاتب والتحوّل النفسي
يرسم النص صورة لكاتب هو أحمد سيف حاشد، يظهر كناقل أحداث بقدر ما هو مُحلّل نفسي مُرهف يُعطي الأولوية للتأمل الذاتي. الكاتب هنا شاعر حالم يكشف عن شخصية وجدانية ذات ذاكرة عاطفية قوية تختزن اللحظات بقدسية.
الصراع النفسي: يتميز الراوي بـدافع داخلي متشابك بين الحب العميق والاضطراب الإدراكي الناتج عن هذيان الدهشة. يعاني من قلق وجودي يشكّك في الواقع، وقلق اجتماعي من سلطة الأهل (خاصة الشقيق “الغضوب”.
نبوءة التحوّل: يكشف النص عن شباب الكاتب الرومانسي قبل أن يصير السياسي المعروف، فالدهشة أمام جمال الحبيبة ستُترجم لاحقاً إلى شغفٍ أمام جمال الحرية والكرامة؛ إنه رجل يميل إلى الحب بكليته، سواء أكان المُحبوب امرأة أم وطنًا.
القراءة الجمالية والفلسفية
يُقدّم النص عالماً لغوياً مشبعاً بالحسّ، حيث تعمل المفردات اللامعة كموجات انفعالية، وتتحوّل العيون إلى مركز الجاذبية والجمال إلى حدثٍ دراميّ يخلق “انقلاباً” في وعي العاشق.
فلسفة الإدراك: يتعامل النص مع الجمال كـ”حادث إدراكيّ” يتشكّل في عين العاشق لا صفة للموضوع، مما يضع القارئ أمام صراع وجوديّ حول صدام الواقع والخيال؛ أيّهما أقوى: الواقع أم صورته في وعينا؟ (سؤال نيتشوي وهيراقليطي).
تقنية السرد: يعتمد على تيار الوعي، فالحوار الأكبر بين الراوي وذاته، وتساؤلاته المتكررة هي نبض إيقاعي يكرّس حالة الهذيان. وفي خلفية المشاهد، توازن تفاصيل الحياة اليومية (المهر، الحراسة) النزعة الشعرية للنص.
نقاط القوة والضعف
يتمتع النص بـقوة تصويرية استثنائية، وبـبناء درامي مُحكم ينتقل بسلاسة من الذهول العاطفي إلى القلق الإجرائي، وممزوج بـصدق وجداني عالٍ يُشعر القارئ بالقرب الإنساني.
لكن يعاب عليه إرهاق الإطالة والتكرار لفكرة “الحيرة”، مما قد يُشعر بـالترهل. كما أن نقص التباين اللغوي يميل بالنبرة نحو الرهبة والدهشة باستمرار، وقد يحتاج إلى لحظات من التخفيف الدرامي.
مسك الختام
إنّ النصّ في جوهره نَفَسٌ داخليٌّ عميقٌ يهمسُ: الحبّ حادثة كونية صغيرة تُعيد ترتيب العالم. بين جمالِ العيونِ الساحرِ وضغطِ المسؤولية، يقفُ الراوي حائرًا كمن يُشاهدُ انقلابَ مصيره. يتركنا النصّ معلقين على حافة المشهد، مدركين أن القصة الحقيقية ليست في العقد نفسه، بل في وميض الروح الأخير قبل أن يغلق المجتمع أبوابه على العاشقين.
نص” بعد الخطوبة وقبل القران”
أحمد سيف حاشد
في أول زيارتي لها بعد الخطوبة تفاجأت بما رأيت.. وجدتُ شكلها قد تغيّر تماماً عن تلك الصورة التي كانت مخزونة في ذاكرتي يوم الخطوبة وقبلها.. تساءلت مع نفسي: ماذا الذي حدث؟! كيف حدث كل هذا؟! من أين جاء هذا التغيير؟! ومن أين أتى هذا الفارق الذي صار يفوق خيالي؟!
صحيح أنها كانت تفيض سحراً، ولكن كيف صارت ساحرة على ذلك النحو الخرافي الغادق؟! كانت جميلة جداً، فصارت أكثر جمالاً وفتنة، وبأضعاف مما كانت عليه.. بدوت كحال مسحور تملكه السحر من أوله إلى آخره.
صرتُ كالداخل إلى مملكة من الدهشة والعجب.. أوغل بالسؤال ولا إجابة غير حيرتي البليدة والمتلبدة بأثقالها.. يا إلهي.. هل ما أعيشه حقيقة أم اسطورة طغى عليها خيالها؟! أللامعقول يتحداني ويداهمني من كل صوب واتجاه، فيما أنا مشدوه غارقٌ في ذهولي فاغر فأه.. هل هي حواسي تمردت عليّ، أم رباطها قد فلت من يدي، وفقدتُ الزمام والسيطرة؟!
في أول وهلة تملكتني الدهشة! أُصبتُ بربكة في استيعاب تلك الفتاة التي وجدتها أمامي؟! سألت نفسي في غمرة اندهاشي: من هذه الفتاة؟! وبعد لحظة وأنا أحاول أن أستحث ذاكرتي، وأجمع أشتات صورتها المنطبعة في ذهني؛ استدركتُ أسأل نفسي: يا ترى هل هي هذه الفتاه أم غيرها؟! كنتُ مشدوهاً إليها.. مذهولاً من الدهشة، ومبهوراً بجمال لم أر مثله من قبل.. داهمتني الأسئلة وغمرتني الحيرة على نحو لم أكن أتوقعه.
بدوتُ أمام نفسي مشوشاً للغاية.. صرتُ أكتشفها بين الحسان وأميّزها عمن حولها كونها الأجمل، وأحياناً إن طالت حيرتي تختطفني هي لوحدها بجمالها الآسر، وفي أحايين أخرى أحاول استحثاث ما أملكه من استشعار بالصور المخزونة في ذاكرتي، فأشعر وكأن القدر يمازح حواسي المربكة، ويمتحن إيماني بقدرته.
***
سألتُ نفسي: ماذا صنعت حبيبتي لتبدو بهذه القدرة في صناعة العجب؟! كيف استطاعت أن تكون أجمل مما كانت عليه، وهي الجميلة دون منازع؟! كيف تغيّر شكل وجهها عن شكله السابق..؟! هل هي عيوني المضطربة الفاقدة للتركيز، أم عيونها التي صرتُ منقاداً ومسحوراً بها إلى أعماقي السحيقة؟!! عيونها عندما خطبتها كانت عسلية؛ أنا متأكد أنها عسلية.. رأيتها عسلية حالما كانت الشمس تشرق يوم خطبتها، وتلقي علينا أشعتها علينا في “دارة” بيتها المكشوفة؛ فكيف صارت الأن دعجاء بسواد أكثف من لون المسك؟! تبرق عيناها في عيوني بشارة ميلاد وحياة وسعادة.
أسبوع مضى بعد الخطوبة، وأنا أتخيلها على تلك الصورة التي كانت مكنوزة في ذاكرتي من يوم الخطوبة، ثم أجدها في لقائي التالي على نحو مختلف.. شككتني بحواسي وخيالي وذاكرتي.. تركيزي صار يتشتت، وغير قادر أن يستوعب ما يحدث!! حيرتي تكبر وتسأل: من أين أتى ذلك الكم الفارق والشاسع بين الحالين؟! وكيف ملكت القدرة في تحويل ما هو ثابت إلى متغيِّر عن سابقه؟!! تلك الأيام لم يكن العالم قد اخترع عدسات العيون وتغييرها.. عيون حبيبتي كانت العلم كله والسحر كله.
في المرة الأولى بعد الخطوبة لم أعرفها إلا حالما تطلّعت بعينيها نحوي بخجل آسر، ثم رأيت إشراقة ابتسامة أحسست بحدسي أنها هي.. سحرها تسلل داخلي كقبس نبوة.. كموجة أثيرية جاذبة.. تملكتني بصوفية تجاوزت مداي.. استوطنتني مناجم وكنوز من العجب العجاب.. دوحة حب في أعماقي تنتشر وتضرب جذورها في شراييني وآمادي البعيدة.. تفتتني وتبعثرني، ثم تجمعني من جديد في دهشة لا تنتهي.
في زيارتي التالية تكرر الحال على نحو مضاعف.. والسؤال يتكرر: ما الذي يحدث؟!! وبعد عناء وتكرار افترضت من جهتها أن تسريحة شعرها ولبسها والشمس والظل وكل المؤثرات التي تحيط بها كان لها دخل فيما حدث، وفي المقابل هناك ما يخصّني من اضطراب التركيز، وتشتت الحواس، وضغوط وإرباك اللحظة، وما يحيطني من ظروف مع تلك لتصنع في مجملها مثل تلك المفارقات، والتساؤلات، وتستغرقني فيها اللهفة والعجب.
وفي كل حال عندما تكون دون مساحيق أو مراهم أو رتوش تصير أكثر بهاء وإشراقا وحياة.. هذا ما ظللتُ أُؤكِّده وأكرره على مسامعها، مع ملاحظة أنها ظلت على نحو مستمر تزداد إبهاراً وجاذبية، ويزداد حبي لها كل يوم أكثر من سابقة، ومن دون نقصان أو توقف عن الجريان.
***
من أجل العبور إلى الضفة الأخرى، أو الوصول إلى مناي الذي لطالما بحثت عنه وما زال مهدداً بالفقدان، حرصتُ على الاستمرار في استمالة الفتاة التي أحببتها، ونيل رضى أمها التي كنتُ أتحاشاها وأخشى انقلابها.. كنت أعتقد أن وجود الاثنتين في اصطفافي ستمكنانني من العبور بأمان، أو السير في الطريق إلى ما أريده دون مخاطر محدقة، أو مجازفة أو انقلاب يحدث على حُين غرة.
كانت لقاءاتنا في فترة الخطوبة صعبة ومحدودة للغاية.. لقاء عابر وسريع لا أجد فيه فرصة للبوح، أو حتى السؤال الذي يستكشف كل منّا ما في نفس شريكه.. صرنا محروسين بعناية الأهل وما أكثرهم!! كأنهم قرية في بيت، وأكثر من هذا كانت حالتي النفسية تراهم أضعافاً مضاعفة.. لم يعد الخجل وحده من يمنعني من البوح، بل وفوقه هذا الحصار المطبق والمؤكد.
قليل من الوقت نقضيه معاً ونحن محاطون بالحرس المدجج بعيون زرقاء اليمامة!! كل إلى جانبه ملكان ومشرفان، وحراس كثر تجدهم في منتهى اليقظة!! وأمامنا تلفزيون يخفف عنّا هذا الذي يحيط بنا، والحركة التي تدب دبيباً، لا تهدأ ولا تستكين حولنا.
وأكثر من كل هذا أحسست أن هناك من يعترض أو يستثقل مجيئي.. شعرت أن شقيقها الأكبر خالد ربما كان له دور في ذلك، أو كان يضغط في هذا الاتجاه.. أنا أيضاً كنت استثقل نفسي بسبب هذا الاستثقال الذي أراه وأحس به كثيراً.. أشعر بحرج شديد حياله.. ربما خفف عنّي هذا العبء انشغالي لفترة بدورة قادة وأركان كتائب التي تم استدعاؤنا إليها.. لم أعد أذكر كم هي الفترة التي استغرقتها تلك الدورة، ولكنها كانت ربما شهر أو أكثر.
***
ومن أجل أن أتحرر من هذا الاستثقال كان لابد أن أستعجل العقد.. وهذا معناه أن أكون بجاهزية كاملة لكل المتطلبات اللازمة؛ ولذلك لابد أن أعرف كل تفاصيل ومتطلبات العقد، وأكون جاهزاً لكل الاحتمالات الواردة.. رغم هذا فأنا كل ما أعرفه أن المهر وفق القانون لا يزيد عن ألفي درهم، فيما الذي أملكه أو أدَّخره بالبريد هو مبلغ وصل إلى ثلاثة عشر ألف درهم.. مبلغ كهذا بدا لي في خيالي بحجم ثلاثة عشر ألف جمل.. ربما لأن من لا يملك، أو يملك القليل يرى في نظره القليل كثيراً.
الحقيقة أنني أول مرة فيما مضى من حياتي أستطيع أن أحبس مالاً، أو أوفر شيئاً اسمه “نقوداً”! أول مرة أستطيع توفير مثل ذلك المبلغ بعد اعتراك استمر طويلاً مع يديَّ اللتان لا تستطيعان أن احتباس المال، ولا تصبران على بقائه لديهما.. وجدتُ نفسي أجهل كثيراً من تبعات ومستلزمات الزواج، وشروط الأهل التي يمكنها أن تفاجئني به.
ومع هذا كنت مطمئناً إلى حد بعيد أن كل ما وفرته بات كافياَ لأن يتصدى لكل متطلبات العقد والزفاف، بل وما بعد الزفاف أيضاً بشهر.. اعتقدتُ أن الحال ليس مستوراً فحسب، بل أيضاً كافياً ووافياً ويفيض.. اعتقدت أن الأمور ستسير على هذا النحو السلس والسهل، والمريح أيضاً.
حددنا موعد العقد وذهبت أنا وابن عمي عبده فريد إلى بيت الفتاة.. استغربت لأول وهلة أنني لم أجد شقيقها الغضوب.. حيّرني وأقلقني غيابه إلى حد بعيد.. عدم حضوره يعني أن عقد القران لن يتم، حيث وهو المعني الذي يجب أن أضع يدي بيده أثناء العقد.. شقيقها الغائب خالد هو الأهم الذي افتقدته بين الحضور.
داهمتني الأسئلة واحتلتني الحيرة، حيث لم أجد في انتظاري غير أخيها الأكبر من الأم محمد قردش، و أخ أخر من الأم أيضاً اسمه ياسين عبدالغفور، وخالها أخ أمها عبدالله علي عوض، وآخرين.. ظننت أن أخاها الغضوب معترض على شيء ما، أو أنه صار ينفذ انقلابا ضدي، ويريد فركشة كل شيء.. يريد أن يعدم حلمي الجميل ويعدمني معه.. وفي أفضل حال واحتمال يريد أن يؤخر موعد العقد حتى تتم تسوية خلاف ما داخل الأسرة لا أعلمه.. هذا ما ظننته أو فكرت فيه، وأنا أرى اجتماع العقد ينقص فيه من كان يفترض أن يكون في صدر هذا المجلس.. قلتُ في نفسي: إن في الأمر شيئاً مثيراً للحيرة والارتياب..!!




