قراءة تحليلية لنص “أسئلة وافتراضات” لـ”أحمد سيف حاشد”

برلماني يمني
تستند هذه القراءة إلى تحليل أُنجز باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لدعم الدقة وسرعة الوصول إلى المعلومات، مع الحفاظ على الطابع المهني والحيادي في تناول الموضوع.
يهدف هذا العرض لنص “أسئلة وافتراضات” للكاتب والبرلماني اليمني أحمد سيف حاشد، والمنشور في كتابه “فضاء لا يتسع لطائر” إلى تقديم خلاصة مركّزة تساعد القارئ على فهم أبرز النقاط المرتبطة بالقضية محل البحث.
ملخص النص
النصّ رحلة تأملية وجودية شديدة العمق تبدأ من سؤال البدء: لماذا وُجدت؟
يمرّ الكاتب عبر سلسلة من الأسئلة والفرضيات المرتبطة بالخلق، الولادة، الألم، المعاناة، الصدفة، والضرورة.
يفتح النصّ بوابة بين الماضي (الأب، الأم، الأجداد) وبين الصدفة الأولى التي حملت الإنسان إلى هذا العالم.
ينتقل الكاتب إلى أسئلة أشد قسوة:
ماذا لو أُجهض؟
ماذا لو اختار الانتحار؟
ما معنى “قتل الرحمة”؟
ولماذا يبكي الإنسان عند ولادته؟
يقدّم صورة للوجود كرحلة مثقلة بالألم، يلاحقه فيها سوء الحظ كاللعنة، وتتراكم الخطايا دون وعي.
ويقرّ أنه لم يختر وجوده، وأنه جاء قسراً إلى مسرح مكتظ بالحمقى (في إحالة شكسبيرية).
في النهاية يلمّح إلى شعور بأن وجوده فائض أو عبء أو ربما خطأ في معادلة الكون، لكنه يبقى محاصراً بين الرغبة في الفهم واستحالة الوصول إلى يقين.
تصنيف النص
هذا النصّ يندرج ضمن:
1. أدب الأسئلة الوجودية
يتسائل عن الأصل والقدر والاختيار ومعنى الحياة، وينتقد القسوة المضمرة في الوجود.
2. التأمل الفلسفي – النزعة العبثية
روح قريبة من كامو وشيء من نيتشه، مع تأملات حول اللاجدوى وصعوبة حمل عبء الوجود.
3. كتابة شبه اعترافية
تظهر فيها ذات الكاتب بوضوح كصوت يواجه مخاوفه بلا حجاب لغوي.
صورة الكاتب في مرآة النص
يتجلى أحمد سيف حاشد في نصه كشخصية مُفكرة، قلقة، وناقدة للواقع الوجودي، يمكن تلخيص سماتها الأساسية فيما يلي:
1. المثقل بالتجربة الذاتية (الوعي الموجع)
* الألم كحقيقة وجودية: لا يعرض الكاتب الألم كرمز مجازي، بل كجزء من تاريخ شخصي مُثقل بالصراع والخسارات ومحاولات النجاة. يوحي النص بأنه كاتب مثقل بتجربة ذاتية وواقعية موجعة.
* الناقد الساخط والمتمرد: يعبر عن سخط واضح تجاه وجود يراه غير عادل، ويتحدى “المنطق السعيد” السائد، مقدماً رؤية قاتمة تلامس الجانب المظلم والمؤلم للحياة.
2. الذهن الفلسفي والجرأة الاستفهامية
* المُتأمل الوجودي: الذهن الفلسفي حاضر بقوة، حيث يشغل باله بالقضايا الكبرى (من أين أتينا؟ لماذا جيئ بنا؟). لا يقدم الكاتب إجابات، بل يؤسس لأسئلة تحرّض القارئ على التفكير في معنى الوجود الإنساني، مع تركيز واضح على القسرية والصدفة التي تضعه في إطار الفلسفة العبثية.
* المُستفهم الجريء: لا يخشى طرح الأسئلة الأكثر حساسية وجدلية، مثل الانتحار، و”قتل الرحمة”، وبكاء الولادة، مما يدل على جرأة فكرية ورغبة في مواجهة المسكوت عنه.
3. الصراع الأخلاقي الداخلي
* الحس الأخلاقي المسيطر: رغم شعوره بالقسوة والمرارة الشديدة، يرفض الكاتب أن يكون ظالماً أو جلاداً، وهو ما يفضح جوهره الإنساني العميق.
* ثنائية الصراع: يعيش الكاتب توتراً داخلياً بين قيمتين متناقضتين تمنحان النص حرارته وصدقه:
* الامتنان للوجود بوصفه معجزة بيولوجية.
* التمرد على الوجود بوصفه عبئاً ومعاناة لا مفر منها.
* المُثقل بالذنب/الخطايا: يكشف النص عن صراع داخلي أعمق، فبالرغم من إحساسه بأنه “ضحية” للوجود القسري، فإنه يعترف بأنه “مثقل بالخطايا والأخطاء الجسام”، ما يجعله يتأرجح بين إلقاء اللوم على القدر والاعتراف بالمسؤولية الشخصية.
تحليل شامل
1. موضوع الولادة والموت
يرسم الكاتب قوساً يبدأ بصرخة الولادة وينتهي بشهقة الرحيل، ويقدّم الحياة كتجربة ممتلئة بالوجع بينهما.
يسأل: لماذا نولد باكين؟ هل هو إعلان وجود، أم احتجاج على الوجود نفسه؟
2. سؤال الاختيار الحرّ
يلحّ على فكرة أن وجوده لم يكن باختياره، وأنه دخل الحياة قسراً، وأن التكوين البيولوجي في أصله معجزة مبنية على صدفة من بين مئات الملايين من الاحتمالات.
3. العلاقة مع الألم
يتعامل النص مع الألم وكأنه قدر لا فكاك منه، وكأنه السمة الأبرز للوجود الإنساني.
كما يطرح فكرة “قتل الرحمة” كنقيض للألم المستمر.
4. التماسّ مع العبثية
ينتهي القارئ إلى شعور بأن الحياة محكومة بصدف ومفارقات لا يمكن الإمساك بغاياتها، وأن الكون نفسه غير معني بتفسير وجودنا.
5. البعد الروحي – الأخلاقي
مع شعور الكاتب بكونه ضحية وجود غير عادل، إلا أنه يرفض الظلم ويعلن مسؤولية أخلاقية تجاه نفسه والآخرين.
عناصر القوة
1. صدقية التجربة
النص مكتوب بحرارة ذاتية واضحة، مما يمنحه قوة تأثير عالية.
2. الأسئلة العميقة
يطرح أسئلة وجودية يصعب تجاوزها، مما يجبر القارئ على التفكير في ذاته.
3. لغة مشحونة وجميلة
الصور البيانية المؤثرة: استخدام صور مثل “حياة من جحيم”، “ضيق أضيق من لحد”، “ألم يلسع كالنار”، و “حظي يمضغ بؤسه ويشرب لعنته” يمنح النص قوة عاطفية عالية.
4. التوازن بين العقل والعاطفة
النص عقلاني في منطقه، وجدلي في أسئلته، وعاطفي في نبرته، وهذا الجمع نادر وقوي.
5. حضور ثقافي وفلسفي
الإحالة إلى شكسبير وإلى مفاهيم فلسفية (الصدفة، الضرورة، العبث) تعطي النص عمقاً إضافياً.
عناصر الضعف
مع الإقرار بقيمة النص، يمكن الإشارة إلى:
1. كثافة الأسئلة دون مسارات إجابة
رغم أن الأسلوب الوجودي يسمح بذلك، إلا أن كثرة الأسئلة تجعل القارئ متعباً أحياناً.
2. شعور عام بالقتامة
النبرة السوداوية طاغية، مما قد يجعل النص منحازاً للمأساة كمنظور وحيد للحياة.
3. طول الجمل وتراكم المجازات
بعض الفقرات محمّلة لغوياً أكثر مما تحتاج، وقد يستفيد النص من مساحات تهوية.
لكن هذه “العيوب” في الحقيقة جزء من جمالية النص وفرادته.
مقاربات
1. مقاربة وجودية
تذكّر ببدايات سارتر وكامو: الوجود يسبق المعنى، والإنسان يُلقى في العالم دون أن يُسأل.
2. مقاربة دينية – فلسفية
تلامس أسئلة القضاء والقدر، والخلق، ولماذا يبتدئ الإنسان حياته بالبكاء؟
3. مقاربة نفسية
النص قريب من اعترافات تشتبك مع فكرة “الهوية المصابة” أو “الذات المجروحة” التي تبحث عن معنى في وسط العاصفة.
4. مقاربة جمالية
أسلوبك يمزج بين النثر الشعري والفكر الفلسفي، ما يدعو لتصنيف النص ضمن “النثر التأملي”.
خاتمة
النصّ شديد الثراء، مكتوب بشفافية لا تعرف المواربة، يحمل توقيع تجربة شخصية متروّسة بالمعاناة، لكن أيضاً بالقيم الأخلاقية العميقة، وبنزوع فلسفي صادق.
وهو من النصوص التي لا تبحث عن إجابات بقدر ما تهدم اليقين القديم وتفتح شهية القارئ للبحث عن يقينه الخاص
نص أسئلة وافتراضات!
“بين صرخة البداية وثقل المعنى”
أحمد سيف حاشد
أبي وأمّي .. جدّي وجدتي.. لولا هؤلاءِ لما أتيتُ إلى هذا الوجود، وكنتُ في حكم العدمِ.. وينطبقُ هذه على التراتُبياتِ كلّها.. إلى كلِّ الأجيال.. إلى الجذر الأول.. إلى الإنسان البدائي على أي نحو كان.
ماذا لو أجهضتني أمِّي في بطنها، حالما كنت لا أعي، ولا أفقهُ شيئاً ولا أبالي بألم، أو بضيق وحسرة؟! ماذا لو انتحرتُ يوماً، أسحقُ فيه أنانيَّتي، وغريزةً تتشبث بحياةٍ من جحيمٍ، أبقتني مثقلاً بمعاناة بالغةٍ، وآلامِ عمرٍ مُجهد، امتدَّ طويلاً حتى شارف على بلوغِ كهولته؟!!
ماذا نقول عمّا سمُّوه قتل الرحمةِ إشفاقاً بصاحبه، وخلاصاً من ضيق أضيق من لحد، أو عاهة شديدة، ومستحكمة، أو مرضٍ أدركهُ اليأسُ، وألمٌ يلسعُ كالنارِ، لا يُوقفه إلاّ عتقُ النفسِ وتحريرُها من محبسِها الجسدي الأشدّ، والأضيق من محبسِ قفل من حديد..؟!!
كم هي الصدف التي أنتجتها أو حركَتها الضروراتُ في عملية طويلةٍ ومعقَدةٍ، وربما محيَرة جداً تفوق الخيال؟! سلسلةُ طويلةُ من الصدف، والضروراتِ لا تكُف ولا تتوقفُ، لا ندري بدايتها الأولى، ولا ندري إلى أين تسيرُ، ولا ندري أين سينتهي بها المآل..! المكانُ لا يكِفُّ عن السير، والزمنُ يتسرمد، ولا ندري عمّا إذا كان إلى الأبد أم لا.. مآلات الكون غامضةٌ ومجهولةٌ، وما بلغه العلم حتّى اليوم مازال قطرة من محيط هادر.
لماذا من علِق منّا في رحمِ الأم، وتخلَّق تسعة أشهر، يخرج إلى واجهةِ الكونِ صارخاً بالبكاءِ؟! هل هذا البكاء أو الصراخ إعلانُ وجود، أم هو رفضٌ واحتجاجٌ على هكذا وجود؟! هل هو فزعٌ من العالم أم خوفٌ من مجهولِ؟! أم هو كما قيل استقبال حياة المولود بمس شيطان؟!
لماذا لا نخرج إلى واجهةِ الكون الفسيح مملوئين سروراً وفرحاً نعبِّر عنه ضحكاً وقهقهة، أو حتى ببسمة تنبئ عن رضى وتفاؤل ترتسم على الشفاه، تُعلمنا أن لا خوف من مجهول، وأن المستقبل لن يخذل صاحبه؟! لماذا المولودُ من بني البشر لا يستهلُّ حياته إلاّ بصرخةِ بكاءٍ حادةٍ؟! هل صرخةُ البكاء صدمة وجودية، أم تعبيراً عن عدم رغبة في وجود نأتي إليه، أم هو رفض وجود لم يكن لإرادتنا فيه شأنٌ أو خيارٌ؟!.. أم إن الأمر غير هذا وذاك؟!
يحاولُ أنْ يجيبَ الشاعرُ والكاتبُ المسرحي الإنجليزي وليام شكسبير بكلمات مشبعة بخليط من السخرية والحكمة: “في لحظة الولادة نبكي؛ لأننا قادمون إلى مسرحٍ مكتظٍ بالحمقى”.
***
بين صرخةِ الولادةِ وشهقةِ الموت أو الرحيل، عمرٌ مُثقلٌ بالمعاناةِ، وعَالَمٌ من المتاعبِ والأحزانِ، والأشياء، والتفاصيلِ.. عندما تتعثر خطاك على الدوامِ، ويلحقُ السوءُ بحظك كلعنةٍ لا تفارقك، وتخيب أمنياتُ حياتك، وتبطش بك الأقدارُ يميناً وشمالاً، وتصيرُ فريسةً للحرمانِ والمتاعب؛ هل تكفرُ بنعمةِ مَنْ كانَ سبباً ومعجزةً في وجودك أب أو جد، أو تلعن تلك الصُدفة التي تخالها أنها جلبت لك كلَّ ما هو تعيسٌ وخائبٌ؟! أم تمتن وتطمئن وتسلّم بكل حال؟! أم أن الأمر غير هذا وذاك؟!
أسأل نفسي: كيف أطير دون ريش أو أجنحه، وكل هذه الكواسر والجوارح تريد افتراسي..؟!!! حظي يمضغ بؤسه ويشرب لعنته.. ما ذنبي إن وجدتُ نفسي في هذه الحياة الصاخبة ضحية لوجود غير عادل، وفي المقابل لا أريد أن أكون فيها وحشاً أو جلاداً أو مُنتهكاً لحق حياة نملة، ومع ذلك وجدتُ نفسي بقليل من التأمل مثقلاً بالخطايا والأخطاء الجسام؟!
لا أستطيع أن أتصور أنني كنتُ الواحد من نسبة الثلاثمائة مليون حيوان منوي الذي أستأسد ليبلغ العرين.. صدف تعددت حتى صارت المعجزة التي انبثقتُ منها لواجهة هذا الكون الذي نسأل عن خالقه، ربما حد التيه أحياناً.
وجودي لم أختره ولم أعِ اختياره، ولم أعِ كيف كان الوصول إليه.. لم أكن مدركاً وأنا أشق الزحام والمشقة للوصول إلى البويضة الحاضنة لأعلق فيها، وأكون جنيناً.. الحقيقة أنني لم أعِ شيئا مما حدث.. هل كان وجودي قسراً..؟! لم يسلني قبل مجيئي أحد عنه..
أنا لم أختر وجودي، ولم أكن أعلم شيئاً عن حياتي التي ستأتي..
هل هي صدفة بنسبة فارقها يفوق خيالي، أو هو حال بلغ مبلغه على نحو يستصعب تصوره؟! ربما تبدو لي تلك الصدفة أقرب إلى استحالة وجودية، ولكن كسرها وجودي القسري، وأمّا حياتي فباتت مثقلة بالتعاسة والمعاناة، وربما بالخطايا التي ليس لها شفاعة أو غفران.. خطايا لم أكن أعيها إلاّ بعد أن باتت تتكاثر وتتناسل على نحو لا أدري ولا أعلم لها، ولآثارها حد أو نهاية.
ربما وجدتُ وجودي عبئاً أو فائضاً عن حاجة هذا الكون المليء بكل شيء.. ربما رأيت وجودي زائداً عن هذا الوجود الكبير الحافل بالعجب.. ما أراه من رعب وتوحش وجنون في عالمي الصغير، يكفي أن أغادره نادماً ربما حد الجحود أو كفر بنعمة.




