“القبيطة” صحيفة المجانين
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
كانت الصحيفة تسوّق الجمعية، وتروِّج لها من خلال تناول أنشطتها، بل والذهاب إلى إيجاد حراكاً في مجتمعها المحلي، وخارجه أيضاً، كما كانت تجلب مزيداً من الداعمين والمؤيدين والمتبرعين حتى صارت عنوان نجاحها وشريان الحياة فيها، ولذلك كان استهدافها بالنيل منها، ومحاولة إفشالها أو إيقافها إن أمكن.
لقد أراد البعض استهداف الصحيفة لسان حال الجمعية، ليتم من خلالها استهداف الجمعية تبعاً لها، فنفشل نحن وتفشل الجمعية بعد قطع لسان حالها، وتحجيم نشاطها، وإخماد حماسنا وحماس المؤيدين لها، فيصيبها العطب ليأتي متربصو الفشل تحت عنوان إنقاذها.
لقد كنّا نعي أهمية الصحيفة فيما نحققه من نجاح، وفيما تشكله من عصب حي للجمعية، وجاء هذا إدراكاً منّا لأهمية الصحيفة في تعزيز وتدعيم كيان الجمعية واستهداف الزخم الذي كانت تحققه الصحيفة.
وفي إطار الثبات وتحقيق مزيداً من الدخل والدعم للصحيفة والجمعية قررنا في هيئة تحريرها مع رئيس الجمعية الإعلان والسعي إلى جلب تبرعات خاصة بالصحيفة، وزيادة الإعلانات والتهاني والتعازي فيها، وزيادة شفافية ما يجب أن ينشر كل شهر من وارد وصادر؛ لتصير الشفافية أكبر سور حماية لنا وشهادة تزكية أستمرت، وبيان مالي شهري يثبت نزاهتنا وعفة أيدينا، وتأكيد حقيقة دعم الصحيفة للجمعية من إيراداتها.
ويستطيع المرء أن يتبين ويعرف كثير من المشاهد والمعتركات المحتدمة من خلال تلك الكتابات على صفحاتها، ومن خلال ذلك الدفاع، وبما يقدم ملخصاً للإصرار والنجاح والتغلب على التحديات التي كانت تعترض مسارها، أو مسار الجمعية وقيادتها التنفيذية المنسجمة في هيئتها الإدارية.
لقد كان النجاح حليفنا دوماً، طالما بحثنا عنه، أو وجدناه ونحن ساعون إليه بحثاثه ومثابرة وجهد كديد، ورافقنا لرحلة أستمرت سنوات، وما كان لواحد منّا أن يقف لولا تدخل السلطة بتصلب وتسلط لقطع مسار نجاح الصحيفة ووقفها، وهي في ذروة نجاحها وعطائها.
***
“القبيطة” صحيفة المجانين.. هكذا صار اسمها لدى كثير من المعجبين بها.. حوارات “المجانين” هي في الأصل حوارات شعبية مع من لازالوا يعيشون جنونهم، ومن شفوا منه، ومن لازالوا مقبلين عليه، ومن إليهم من المكدودين والمسحوقين والمتعبين المثقلين بالضياع والتعب والهم اليومي الكديد.
ربما هؤلاء المجانين ألهمونا وألهمناهم.. أبدعنا ومارسنا الجنون والتمرد معا.. كانت تلك الحوارات من أهم الحوارات التي تحضي بمتابعة وشعبية ليس فقط بين الأوساط الشعبية، بل وأيضاً في أوساط بعض المثقفين والسياسيين بسبب ما تتمتع بها من كثافة، وفي نفس الوقت بساطة وسلاسة وسهولة.
عشقنا السهل الممتنع.. مارسنا إرسال الرسائل السياسية والاجتماعية التي تنبّه وتحفّز وتوجّه في سياق إعادة صياغة الوعي في تلك الحقول التي نعبّر من خلالها عن وجودنا المُنتقص، ومحاولة استعادته.. لعبت تلك الصفحة دوراً في تسويق الصحيفة، وانتشار واتساع متابعيها، وزيادة شعبيتها حتى طغى مسماها “صحيفة المجانين” على اسمها الرسمي.
“صحيفة المجانين” لم تحتكر القول وتمنع الرأي مهما كان داجياً.. فتحت الباب لاستقبال ونشر نقدها وما لا يروق لنا ولها، كتلك الحلقات التي تنضح بما هو مظلم في التشدد والتزمت، وفي المقابل استقبلت ونشرت ما يشمس المعتم ويبدد المظلم، ويبرعم النور وينشره، ويذيب ركام الجليد.. تثير الجدل في الأفكار والعقول لتنتج معرفة في رسالة كنّا نراها تحاول إعادة صياغة الوعي نحو مستقبل نروم.
“صحيفة المجانين” التي تطلب من “العقلاء” أن يتكرمون بالتسامح وسعة الصدر وطول البال.. تشعل النار في سراديب الوعي المعتم؛ لتكشف حقيقة كم هم من يدعون “العقل” واهمون.. تطلب منهم أن يقرؤوا التاريخ ليروا كم غرق “العقلاء” في جهلهم، وكم أهدروا دماء وأعراض وعبثوا بأحوال الناس، حتى صار للطفل الصغير يوماً ألف جارية.. كذبوا بإمعان حتى قال قائل منهم: “كنّا إذا ما اشتهينا أمرا صيّرناه حديثا”.
ربما أردنا قلب المفاهيم الداجية، أو حاولنا إيجاد حراك في مضامينها، أو تغيّنا منها إعادة قراءتها في ضوء ما نعيشه من معطيات معاصرة، وإعادة النظر في المسلمات الجاهزة.
اعطينا المرأة حقها في السؤال، على نحو يحفز العقل، ويعيد قراءة المفاهيم البالية.. تناولنا العجب ليس من أجل العجب، ولكن من أجل الفهم والتفكير على نحو مختلف عمّا جرت العادة عليه.. نتناول المسكوت عنه.. نثير الأسئلة التي تبدو صغيرة لتفتح أبواباً كبيرة في الذهنية السائدة.. نتجاوز ما أمكن إلى ما هو غير تقليدي ومعتاد.
بعد أربع سنوات من الكد والمثابرة، كان لازال العطاء صاعداً في ذروته.. ثم جاءت إلى المطبعة أوامر صارمة بوقف طباعة الصحيفة ومنع استمرارها.. هذا ما تلجأ إليه السلطة عندما تعييها الحيلة وتفتقد الوسيلة التي تحفظ ماء وجهها.. عندما تقلق وتتوجس وتكتشف عجزها، وتريد كتم صوت وانفاس من لا يروق لها، ويرفض مشيئتها عليه.
***
كان كل عضو من أعضاء هيئة التحرير مُسند إليه تحرير صفحة أو عدة صفحات إعداداً وإخراجاً.. كل محرر يبذل جهوداً دؤوبة في أن يقدم أفضل ما لديه.. الصفحة المالية كان يحررها المسؤول المالي ياسين عبده صالح المعهود بالتحرّي والدقة في التفاصيل المالية.. ينشر بشفافية عالية التبرعات والاشتراكات وكل الموارد التي تصل للجمعية والنشرة ومصروفاتها.. صفحة أكسبتنا كثير من الثقة لدى الناس متبرعين وأعضاء ومتابعين.
ياسين القباطي رسام وكاريكاتير الصحيفة، ومنير الحكيمي ومحمد العزب طباعة وتنفيذ إخراج، فيما آخرين كانوا يعدّون بعض اللقاءات والحوارات والاستطلاعات والمقالات من المحافظات والمناطق الموجودين فيها.. كما استحدثنا لبعض الوقت صفحتين باللغة الإنجليزية وصفحة للأطفال وزاوية للبيئة ونافذة قانونية.
عبد الملك الحاج كان سكرتير للتحرير ومحرر زاوية ساخرة وباللهجة الشعبية اسمها “خربشات نزقة “ ثم تغيّر اسمها إلى “المعرارة” ثم صير اسمها “المحمارة”، وكانت لها شعبيتها ومتابعيها، فيما المستشار الإعلامي عبدالله عبدالإله كان يحرر الأخبار، وبساعدنا في تحرير غيرها، والأستاذ خالد ملهي يحرر المادة الثقافية، وعبده الرجاني صفحة التراث، ومانع على مانع “قضايا وهموم” وعارف الصغير صفحة “الأعبوس”، بالإضافة للمراجعة اللغوية، فيما أنس دماج يحرر الصفحة الاجتماعية.. كما كنّا نفرد بين صفحة وصفحتين لمادة تأتينا محررة وجاهزة للدكتور سعيد الشيباني، وهو أهم من ذادوا ودافعوا عن الصحيفة واستمرارها في تلك السنوات الأربع المشبعة بالجهد والمثابرة.
ساعدنا لبعض الوقت أو بين الحين والآخر كل من عبدالله غالب وحاميم هزاع وشكري مرشد وإبراهيم السروري وناصر حربي ومحفوظ سعيد ثابت وعلي فضل طه، وهناك أسماء أخرى خانتني الذاكرة في تذكرها.
كنتُ أشرف على مواد الصحيفة، أعد وأحرر الصفحة الثالثة “عروبة” والمعنون ترويستها بشطر البيت الشعري “يا أمة ضحكت من جهلها الأمم” كما كنتُ أجري بعض الحوارات والاستطلاعات بالمشاركة مع صديقي محمد فريد سعيد، وأحرر بعض اللقطات والمواد المتعلقة بالحقوق والحريات، ومجلس النواب، وأعد في الغالب صفحة “اقرأ واتعجب” والتي تشمل الحوادث تحت عنوان: لماذا يحدث هذا في بلاد المسلمين؟!! ربما تغيّرت أسماء الصفحات.. ربما يتم تعديل بعضها، ولكنها كانت تحمل نفس المضامين.
تشاركتُ مع عبد الملك الحاج في إخراج بعض الصفحات ولاسيما الأولى والأخيرة دون أن يخلو تشاركنا هذا من مد وجزر، ولا يخلو في أحايين أخرى من مناقرة الديوك، وحالما تخرج الصحيفة، يعود الوئام إلى طبيعته وسابقه، حيث ينتهي ما حدث بولادة العدد ونزوله إلى السوق.
تشاركتُ مع نجيب محمد عبد الرب في إعداد الصفحة الطبية التي كانت تتحدث عن كثير من القضايا المسكوت عنها، أو التي لا يتجاسر الناس بالسؤال حولها، بسبب الحياء والعيب وثقافة المجتمع.. كما كنتُ أساعد محمد فريد سعيد في تحرير صفحة الاستراحة ومهام أخرى كمتابعة التوزيع والتحصيل مع رئيس الجمعية والمسؤول المالي ومساعده منصور غالب.
كان لدينا مراسلين وموزعين في فروع الجمعية في المحافظات والمديرية وفروع الاتصال في بعض المحافظات التي لم تؤسس فروع لها بعد، وكانت أهم المحافظات الأكثر نفاداً وتوزيعاً للصحيفة صنعاء وتعز والحديدة وعدن، وكانت المديرية وما جاورها يتم بذل اهتمام خاص في توزيع الصحيفة تصل في بعضها إلى المدارس والقرى البعيدة.
كانت هناك عدد مئات النسخ من الصحيفة توزع للمعلنين ورجال المال والأعمال والوجهات الاجتماعية والوزارات والمؤسسات والمصالح الحكومية وبعض السفارات يتكفل بتوزيعها في صنعاء ردمان النماري ونجيب محمد عبد الرب، بالإضافة إلى متابعتهما لقيمة الإعلانات في صنعاء، وفي تعز محمد فريد، وفي عدن صالح ناجي حربي وصالح فريد حاشد.
***