كتبوا عنه

استبصار وقراءة في سردية احمد سيف حاشد الجزء الثاني(فضاء لايتسع لطائر) 

برلماني يمني

محمد علي اللوزي

هل مازال الفضاء لايتسع لطائر؟!  ليضيق الحلم ويتلاشى الحياتي الجميل ويحاصر الإنسان في آدميته في حقه أن يكون حرا وصاحب إرادة وقضية. أم ان الطائر اتسع له الفضاء، وسبح فيه واخرج مكنونات عمره، وصاغ إرادته وانجز من يومياته، هذه التلاوين الجميلة، بكل مافيها من معاناة وإرهاق بلغ درجة عالية لايقدر على تحملها سوى اصحاب الهمم العالية.؟!!!،. 

لعل الطائر (حاشد) هنا قد استطاع ان يسبح في فضاء المعنى في خض الكلمة وصياغتها بمايراه جدير بأن يسجله كأحداث متتالية. 

عندما عنون (حاشد) سرديته (فضاء لايتسع لطائر)، كان يستوحي معاناته هذا الذي يناوش حلمه ولايستقر به حال، ما يأتيه غزيرا من الريبة والتوجس بفعل السجانون، من يضيق صدرهم لموقف بسيط، او كلمة حق تقال، أو رؤية تغاير مايريدونه.

 بهكذا يصير الفضاء ضيقا والإنسان مكبلا والحياة مرهقة. 

غير ان المثابرة تمنح الطائر قوة التحليق، رغم الكثير من الاحباطات، ويعتلي القمة، ويجوب الارجاء، ويتنفس كما يحلو له، ومن بين ركام الزيف والمعاناة يحقق إرادته. 

أزعم أن فضاء حاشد قد اتسع بكل معاني الحرية، وإلا مامعنى هذا المتدفق من السرد الجميل والممتع وهذا الإخصاب للكلمة وقدرتها على أن تؤثر في الآخر القاريء المستكنه لتتابع المواقف والاحداث والتحولات بكثير من الجلد وقوة الضمير.؟!!!.

 اتسع الفضاء لحاشد فصاغ سرديته ليوثق للمجتمع والتاريخ مامر به الوطن من نكبات ونكسات، وهزائم وأحلام،  مازلت تأتيه رغم كل ظرف قاهر.

(حاشد) هو الطائر جواب المنافي والفيافي والقفار والمنازل والذكريات.

بعناية ودقة فائقة صاغ عنوان سرديته. 
جعلنا نتبصر المعاني، ونستلهم من القدر روح حاشد القوية العنيدة المتحدية. 

في لغته مايشبه الحنين والدعاء، مليئة بالشجن والاحلام، وكثير من الارهاق اليومي، وما خلفته سنوات من الصراع والحرب.

 حين يأتي الى الحزن يلامس القلب ويبعث في المتلقي الأسى، ويصيغ عالما لايمكن الا أن تتعاطف معه لدرجة الاندماج بكل الجوارح في هذا العالم الذي يخفق في داخله ويوقظ فيه مكامن الوجع الذي ينهال عليه حد الضائقة. 

لعل موت خالته احد هذه السرديات التي تبكينا، وتشعل الإنساني الى أبعد مما فينا، لنرى المعنى الحقيقي للوفاء وتداخل الموت بالعوز والفقد، وبماهو حياتي مليء بالتعب وأشياء اخرى .

( احمد سيف حاشد) له قدرة عجيبة في استحضار عوالمه من لحظة إدراكه لذاته، وحتى مجريات التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 

هو راصد ذكي بلغة  تنساب من بين أصابعه يقلبها كيف يشاء، فيجعل منها تارة هادئة عذبة، وأخرى ثائرة نزقة تعبر عن مكنونات صدره ومايعتري تفكيره من هواجس نحو الوحدة والوطن والإنسان في تطلعاته وخيباته. 
(حاشد)  يفتح للنص أفقا ويغامر فيه، ويتلمسه ويستكنه ابعاد الزمن بكل إيقاعاته ماض وحاضر ومستقبل. 

يقلب الفكر ويخطه مشاعرا لايمكننا الا أن نأتي إليها برغبة المتلهف عن ماذا بعد؟! لسردية (حاشد) روح شفيفة، ولغة جذابة، نقع فيها فلانفلت منها ونستزيد، كأنها فاكهة ناضجة ترينا مالانراه في الاحداث والتحولات الوطنية والقومية والانسانية..

 لعل  الكثير منا مرت عليه وعاشها واقعا ملموسا، ولكنه لايدرك البعد العميق للمعنى ولا الاندماج في ذات الاحداث ومن ثم صياغتها برؤية تارة فلسفية واخرى قارئة ناقدة ومدركه معنى الانتماء للوطن وللإنسان في تطلعاته وخيباته. 

ل(حاشد احمد سيف) كثير من المواجع الحياتية، وتجارب تكتنزها الذاكرة بكل مافيها من نجاحات واخفاقات.
 وحتى النجاح له ثمن من الكد والسهر وحمى السباق والحاجة الى من يسنده ويراه بعين الانسان الصادق.

 في ترشحه لمجلس النواب نرى فيه إصرار الذي لايلين، ولايهادن، ويتحمل مسئولية قراره بجداره.. 

لاينسى كثير ممن دعموه وساندوه ووقفوا الى جانبه وحققوا حضورا كريما في عقله ووجدانه، أكان في ترشيحه للنواب، او في رئاسته لنشرة (القبيطة) التي قفزت في توزيعها ومبيعاتها رقما ربما تجاوز الصحيفة الرسمية للدولة، مما أغاض القائمين على سلطة (وزارة الاعلام) فعمدوا الى توقيفها ومنعها من الانتشار. 

سردية حاشد شهية وهو يتابع الاحداث والتحولات في حياته اليومية، فيسكبها لنا لنقراء إنسانا مليئا بالحب والغفران للآخرإن اخطاء في حقه دون تبصر.

 لايمر على الحدث بكيفما اتفق، وإنما يقلبه من جميع الجوانب أحيانا ساخرا، واخرى حزينا، ولكنه لاينسى أن يستلهم من معنى ما يتعايش معه ليقراء الواقع على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 

يرى مالايراه الآخرون، يفتح نوافذ متعددة، يجوب ارجاء المكان والزمان، يكشف عن الجواني فيه، عن اعتمالات اليومي والى اين يؤدي ببعد تحليلي وناقد وهادف!!. 

لهذا نراه يسترسل في سردياته، يكاد يستحضر كل مامر به من ظروف وتحديات وقلق وتعب وصداقات تنأى وتقترب.

 لـ(حاشد) اسلوبه الذكي الحصيف في قراءة الابعاد للوقائع والاحداث، ولسبر اغوار النفس البشريه، أراه ملهما في الكتابة ـ بضم الميم ـ ببعدها الدلالي والجمالي. كأنا نقع على شخصية تعرف كيف تقدم دلالات الحدث إلينا لنرى الابعد منه والاكثر التصاقا بالإنساني.

 فلسفة حاشد في سرديته أن يقلب الافكار ويأتي بالشارد من المعنى ليصل الى ما يهجس له ويبني من خلاله موقفه، ومايعقد عليه العزم أو يقرر المضي فيه مهما كانت التحديات والظروف القاهرة، عنيد ومرهف في آن.

 بهذه الروح وتجلياتها يغدو الزمن لدى حاشد حاضرا في ذهنيته بما يمثله من مواقف انبنت على قيم انتماء وطني وقومي وإنساني، وعلى تطلعات الذات في عالمها الكبير المليء بالآمال في النهوض الى ماهو جدير بالإنسان ان يكونه كحق من حقوقه في الحياة. 

ضمن هذا المعنى نرى (حاشد) من بين ثنايا السطور يبث اشجانه ولواعج قلبه، وما يحن اليه ويسافر من أجله رغبة وتحديا وإصرارا، ليفوز وليفي بوعود قطعها على نفسه وعلى اصدقائه، مؤمنا بما تشرب به من مباديء قوميه وأممية . 

ديدنه الوفاء والاخلاص والبساطة كمعان يستحضرها ضميره ويخلص لها  بما يجعله متميزا في اوساط مجتمعه.

( حاشد) قلق وهاديء الطباع ومتسامح، يؤثر الآخر على نفسه في أحايين كثيرة، وحين يستدعي الموقف اللامهادنة يغضب ويثور ولايقبل بالتراجع، القرار لديه مصيري لاتنازل عنه متى مارأى ذلك ضروريا.

  ثمة نسغ لدى حاشد يربط بين الحلم والواقع، بين ذاته وعالمها المتموج، لذلك نراه يمد البصر الى البعيد في المستقبل، والى السحيق في الماضي، يقارن بين المعاش ومابعد وماقبل المعاش، فيصرخ ويعلو صدى صوته حتى يكاد ان يتشظى، يتألم للوطن  وقاطنيه يجهر بالحق ويكافح الظلم والظلام، يستزيد من المعانة كأنها وقوده في الصمود والصبر والمثابرة.(حاشد) لاقط ذكي في سرديته، ابسط المواقف واصغر الأشياء تتكشف له بأبعادها الواسعة، لذلك نراه ينسل من يومياته ليقراء المعاش، يتبصر الذي يأتي ولايأتي من موقف ما حدث له او لحظة تعب او تعسي ورجاء، وحين يأوي الى ذاته يتشح بالوطن يكشف الانتهازيون والكاذبون الذين يتكاثرون كالفطر على حدقوله، ويستولون على المنابر، يستلبون إرادة الإنسان يشلون تفكيره، إنهم الانتهازيون من يرون الوطن غنيمة والإنسان مجرد بضاعة مزجاة لهم يمنحهم نعيم الدنيا باسم نعيم الآخرة. 

الصادقون وحدهم يكابدون الحياة والقهر وتزييف الواقع، ويقصون من حقهم في أن يكونوا حاضرين كذوات خلاقة وقادرة على الانجاز.، يجمع حاشد شتات المواقف يقلبها يتمعن في ضاهرها وباطنها فينزق ويعتلي على ماقد يدجن الانسان. 

لذلك يبحث عن التفرد والتميز والقدرة على اجتراح الصعب. 
(اريد شيئا مختلفا عن الجميع التكرار يصيبني بالملل والسام وفقدان الذات). 

في سرديته لانتخابات النواب يقدم (حاشد) بانوراما عن اعتمالات اليومي في التحشيد والدعاية والدعاية المضادة، يفصح عن كثير من جوانب الحياة التي يحتكرها ارباب المال والسلطة، وماتؤدي اليه من مزالق يخون فيها الانسان ضميره ووطنه، ويتنازل عن القيم والمباديء بفعل العوز والحاجة. 

قليلون هم من يتجشمون عناء الصمود ورفض التنازلات والبقاء في مستوى التحدي والإيمان بالقيم النبيلة، وتجاوز مكامن ومصيدات يعدها الآخرون لهزيمة حلم جميل وفرح يستحقه الانسان. 

في اسهابه الطويل عن الانتخبات النيابية يكشف لنا حاشد ببراعة مرارة اليومي ولذة المعاناة في وقت واحد، إنه يتحدى الفقر والعوز والفاقة بقليل من الصابرين، يسافر يقطع مسافات وعرة ليصل الى مايريد، لايقف أمامه ليل داج ولا حرارة شمس، ولا جوع او قلة حيلة، امامه فقط الفوز بصبر وثبات وإرادة لاتلين.

 وإزاء كل هذه التحديات يقدم الكاتب (حاشد) رصدا دقيقا لمواقف الاحزاب والمستقلين والشخصيات الاجتماعية وارباب المال، يرينا كيف تجري المؤامرات والتنسيقات البينية والمكايدات السياسية! وكيف يفشل الآخر الآخر حتى في مهرجان متواضع او ملصقات صور وشعارات..

(حاشد) يطال بنفاذ بصيرته وإحساسه كل مايقع عليه بصره ويرهف اليه سمعه، فيقلب الافكار يتناولها من زواياها المتعدد، يخمن مايراه من واقع، مايرصده، يقف على الشيء ونقيضه، ثم يقرر الذي يجب. لديه حدس قوي لقراءة الواقع والى اين يؤدي. 

يتشوف المستقبل بعين نافذه وروح مندغمه مع البسطاء والمعوزين وأصحاب الحاجة، اختار أن يكون واحدا منهم حتى في تقاسمه للرغيف وكفاف العيش مع من وقفوا معه وساندوه بصدق وصبر ومثابرة. ل(حاشد) في رصده اليوميات قدرة على التسجيل الدقيق حتى الشاردة يستحضرها ويضعها في موضعها المناسب، ونقراءها فنشعر بمعنى ان يكون المرء ناجحا بمسئولية وبمساعيه التي لاتتهاون ولاتقف عند المستحيل. 

لطالما سعى الى ان يكون القانون هو سيد الموقف واشتغل بقوة لأن تتحقق العدالة، لكنه يصاب بخيبة أمل كبيرة وعثرات لايشفى منها ويؤنبه ضميره. 

في سرديته لـ(عادل) الذي اختاره مرافقا له وسائقا لسيارته وهو صهره الذي يعزه.

 نرى (حاشد) يقع في تجربة مريرة ومؤلمة وقاسية حقا.

 ثلة من الجند الهزيلين من يتبعون السلطات الامنية يفتعلون مشادة كلامية تنتهي بالضرب المبرح ل(عادل) ومن كان معه جعلته طريح الفراش ويسعى (حاشد) بكل مالديه من امكانيات لتحقيق العدالة والقبض على الجناة، ولكن دون جدوى يتوفاه الله (عادل) على إثر ضربه العنيف ولايجد عدالة ولابعض عدالة ويموت قهرا وكمدا، لم يجد حقه ولامن ينصفه فيما (حاشد) يقع بين تأنيب الضمير وبين قلة الحيلة وسطوة القتلة، وتتحول الجريمة الى شيء كأن لم يكن.

 هذا هو عضو مجلس النواب مابالنا بالمواطن البسيط الذي ترهقه الجبايات وتأويلات النصوص القانونية وزيارة الاقسام والمناطق والنيابات فلايجد إلا وعودا وهمية وخفي حنين. 

واقع مأساوي ورتيب وحياة مثقلة بالجوع والهم والنكد وازدراء الآخرين وانتقاص حقهم القانوني.

 حياة وطأتها مريرة تطال المعذبون على هذه الارض من لايجدون سندا قانونيا او عدالة تنجيهم من سكوة المتغطرسين النافذين. 

لعل السارد هنا يفضح المهيمنين على الدولة وسطوتهم ومباركتهم للفوضى وافتعال الازمات وصولا الى الاغتيالات تحت اي مبرر ولو بسيط.

 الحياة جورة ومتعبة يصدق عليها قول البردوني في عجز بيت قاله(ما أرخص الإنسان في بلدي). تبا لحياة ملؤها نقم، وعثرات لاتنتهي، وحقوق تضيع، وحرمان يجرف معه أحلام وأماني كل الطيبين. 

من سفر الى سفر يقودنا (حاشد) بسرده الواسع الأرجاء وهو يبحث عن العدالة عن جزء منها عما يرد له بعضا من روحه المتعبه في( الامن السياسي)، يجري توقيفه، يقبع داخلة فترة زمنية، تأتيه الهواجس عن كل من مروا من هذا السجن، من قوى نضالية البعض خرج بهامة مرفوعة، آخرين اعتلوا صحيا، والبعض فقد عقله، وآخرين ماتوا تحت وطأة التعذيب، كثير من التأملات الغزيرة يقف عليها ويستأنف معها دورة العمل النضالي، عن الضريبة التي يدفعها الأحرار، عند خروجه يقابل بحفاوة من قبل رفاق له كانوا معه يشاركونه الوقفات والاحتجاجات. 

يأمل شيئا من مجلس النواب ليعيد له حقه المهدور باعتباره عضوا في المجلس، ويقف الى جانبه كثير من النواب في طلب رئيس جهاز الامن السياسي للحضور، هؤلاء الذين تباروا في مسرحية (عنتر شايل سيفه) سرعان ماخمدوا، وتواروا تماما عند حضور وزير الداخلية ورئيس الامن السياسي، تحولوا فجأة الى اصحاب مصالح ومنافقين، سقط عنهم كل ادعاء  قالوه كأنما أكلت القطط السنتهم.

 كل تلك العنتريات ماتت ليبقى النائب المتمصلح الباحث عن قضاء حاجته على حساب وطن وحياة ونظام وقانون وعدالة.

( احمد سيف حاشد) كاتب ملهم ومثقف متميز، يوظف اللحظة بصورة جذابة، بأفق واسع من الخيال الذي ينبت من صدق المعاناة، من مواقف انسانية تعيشها ذاكرته، من فضاء يتسع للجحيم فقط، من طائر يحلق على جراحات تنزف، وبشر منهم الطيبون  ومنهم (المعرصون) الذين يزيدون الجحيم جحيما.(حاشد) إنسان قاريء متبصر للأحداث والى اين تؤدي، مسكون بالوطن وبالمستقبل الذي يسعى اليه ويتعذب من أجله، كثير من العثرات وكثير من القفز عليها وتجاوزها يحدث له، ليستأنف نضالا إضافيا.

 الطائر هنا هو (حاشد) تارة مسجون في قفص  يضيق به، وتارة اخرى نراه محلقا جواب ازمنة وأمكنة. 
لانستطيع مع كل هذا التجوال الا أن نقف محبة وتقديرا لكاتب استطاع ان ينجز عملا فنيا متفردا، صاغه من قلبه وذاكرته وثقافته، وروعة إحساسه في تناول المفردة وتوظيفها في سرديته بمستوى يليق بروعة ما أنجزه.

 كثير من الحب كثير من الاحترام لك ياصديقي الأروع (احمد سيف حاشد)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى