كذب وسلطة
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
كنتُ أدرك معنى وكُلفة أن أكون صادقاً مع نفسي ومع الناس في ظل سلطة كذوبة، وواقع باذخ بالكذب، يَروج فيه النفاق والأباطيل.. واقع لطالما ربح فيه الكاذبون، وتوزر فيه التافهون، وخسر فيه الصادقون أقدامهم بعد أن أدركتها الخيبات الكثار.
الصدق كما يقول أفلاطون بالنسبة للجزء الأكبر من البشر هو أقل ربحية من خيانة الأمانة.. أكثر الناس باتوا مأسورين بفن الخطابة رغم ما فيها من هراء وخداع وزيف.. أنا فاشل بالبيان وفي لحن الحجة والخطابة الذي قال عنها الشاعر الكبير محمود درويش إن الصدق فيها زلة لسان.
كنتُ أدرك أن الصدق أحياناً فيه اقتحام مجازف، يجلب على صاحبه فشل جم، ويعود عليه مُثقلاً بالخيبة، ومعها كثيراً من الهم والغم والنكد.. لطالما احتملتُ أن صدقي قد يجلب لي في النتيجة خيبة صادمة، قادرة على ابتلاعي دون مهل.. ألم يقل عبد الرحمن الكواكبي: “الصدق لا يدخل قصور الملوك”، ومثل هذا أظنه ينطبق على السلطة الكذوبة والبرلمان الذي كنتُ ذاهباً إليه.
ثمن الصدق ربما يكون أحياناً مميتاً وقاطعاً كالسيف، أو باهض الثمن وبالغ الكلفة حد “الهزيمة” المريرة في انتخابات تتزاحم فيها الوعود الكاذبة.. الصدق في حضرة الوعود الكاذبة صادم للناس ومنفر لهم.
أنصار الصدق المر قليلون، أو أقل من القليل، ولكنّي في نفس الوقت، وبنفس القدر، كنتُ أدرك أيضاً، إن الكذب وخيم، وبالغ في السوء، وفيه كثيراً من الغدر واغتيال الحقيقة.. استريح كثيرا لمصداقية من يتهيّب الكذب، أو يعتبره من الكبائر.
“فوكنر” احد أشهر الكتّاب في الأدب الأمريكي رهن تغيير العالم بالصدق وعدم الخوف، ورفع الصوت من أجل الصدق والحقيقة، وضد الظلم والكذب والطمع.. الروائي الجزائري واسيني الأعرج يرى كل شيء يحتمل فرصة ثانية إلا الصدق والثقة، عندما تنهار لن تعود، ولو منحت ألف فرصة، وأقل ما يمكن أن نقوله بصدد الوعود الكاذبة، ما قاله الشاعر دعبل الخزاعي:
“ولا خيرَ في وعدٍ إِذا كان كاذباً … ولا خيرَ في قول إِذا لم يكن فعلُ”
***