مذكرات
الواقعِ الذي كان (1) العودةُ من عدن إلى القرية.. أحمد سيف حاشد
العودةُ من عدن إلى القرية.. أحمد سيف حاشد
الواقعِ الذي كان
أحمد سيف حاشد
(1)
العودةُ من عدن إلى القرية
في طريق عودتنا إلى القرية ومغادرتنا عدن، كنت أشاهد عسكر الإنجليز في النقاط الأمنية يلبسون القمصان الكاكي، والسراويل القصيرة، وقبعات الرأس العسكرية، غير أن أكثر ما لفت نظري واهتمامي أن في كل نقطة عسكرية في اتجاه المغادرة نجد أحد الجنود يودعنا بتعظيم سلام، حيث يضع يده بثبات على محيّاه، ليحيِّنا بتحية مهابة ترفع من قدرنا ومقامنا، وكأننا قادة لا أناس عاديين وبسطاء.. يحيِّنا ونحن نمر أمامه وهو في وضع استعداد وانتباه وثبات، ويستمر بتأدية تلك التحية التي خصّنا بها “إجلالا ورفعة”، فيما رأسي الصغير يتسأل بتحفز وشغف..
كنت أسأل نفسي ببراءة طفل: هل يتحرّكون؟! هل يستمرون كما هم وقتا طولا؟! هل يأكلون ويشربون مثلنا؟! لماذا يفعلون هذا؟! تمنيت أن تتوقف سيارة (اللاندروفر) التي تُقلّنا وقتا طويلا أمام كل واحد منهم، لأراهم بإمعان، وأرى كم يستمرون على وضع (تعظيم سلام)، أريد أن أُملِئ عينيَّ من كل واحد منهم ساعات طوال.. ربما تبدو لي المفارقة اليوم أشبه بكائنات فضائية جاءت من السماء، فتثير فينا كثير من الغرابة والعجب والأسئلة..
***
ولكن التاريخ يكشف لنا أيضا وجه آخر للاحتلال غير ما ورد في هذه المشاهد التي مررت بها.. الاحتلال أحتل عدن بمبرر أقبح من ذنب.. حيلة أكبر من مكر ثعلب.. ويستمر بأعذار عدة، وحيل متكاثرة، ومكر مُشبع بالخبث والدهاء..
الاحتلال لم يأتِ من أجلنا، ولكن جاء من أجل مصالح وأطماع ساسة بلاده.. الوجه الحقيقي للاحتلال يمكن أن نلاحظها في جوهر هذا الاحتلال، وأطماعه التوسعية، وسياسة الإخضاع التي يتبعها، واللجوء إلى استخدام القوة والقسوة والتوحش حيال من يناهضه أو يقاومه، ولاسيما عندما تفشل سياساته الناعمة.. إنها سياسة العصا والجزرة.. إنها سياسة لطالما عشتها في وضع مقارب أو مشابه، بل لازلت أعيشها إلى اليوم.. سياسة لا تخلو من ابتزاز وإرغام.
ولكن لماذا تلك التحية الغير معتادة.. إنها تحية تنضح تقديرا واحتراما وعظمة.. لماذا تزجي مثل تلك التحية لنا ونحن أناس بسطاء وعاديين..؟! لعله يريد بهذا الوداع اللافت والجاذب للوجدان أن يترك انطباعاً حسناً لدى المغادرين إلى أرض الشمال.. إنها رسالة تكسر الصخر الصلد.. ربما المقصود منها التهيئة لاحتمالية التوسع شمالا في المستقبل، وخلق قدر من الرضى هناك بتعميم هذا الانطباع الآسر.. انطباع يخلق قدرا من الترحيب والقبول بالاحتلال في قادم الأيام، ولكن كان للثورة كلمة أخرى كان فيها الفصل والقرار.
وبين أمس واليوم عوالم وتحوّلات لم تكن تخطر ببال، وأكثر منه وجدنا في مراحل لاحقة احتلال غارق بالتخلف والبداوة والهمجية.. و وجدنا من أبناء جلدتنا سياسات أكثر غلظة وتوحش وقسوة، وهذا أيضا لا يعني أن أنامل وسياسات تلك الدول بعيدة عمّا يحدث اليوم، إن لم تكن راعية له، وتدير المشهد من بعيد بأياد أكثر خبثا وحقارة وخساسة..
***
عُدنا من عدن إلى قريتنا (شَرار) في (القبّيْطة) مثقلين بالحزن والفراق الطويل.. نمضغ بؤسنَا كماضغِ الملحِ والصّديد، جراحنا مفتوحةٌ وغائرة في النفوس.. عُدنا وقد نقصنا من عدد مجيئنا اثنين، وكُدت أكون الثالث في عدد كاد يوأد ثلثيه.
مؤسفٌ أنْ نعودَ وقد نقص من عدد أسرتنا الصغيرة اثنتين “نور وسامية” هنّ زهرات وجودنا.. يا لهول الخسارة!.. عُدنا ونحن نحمل حزنا ثقيلا وقليلا من المتاع، وتركْنا خلفنا ذكرياتٍ أليمة، وقبرين صغيرين، حصيلة “غربة” بدت لنا فادحة ومكلفة.
***
يتبع..
صفحة احمد سيف حاشد على تويتر 2
حساب احمد سيف حاشد على الفيسبوك
صفحة احمد سيف حاشد على الفيسبوك
قناة احمد سيف حاشد على التليجرام
مجموعة احمد سيف حاشد على التليجرام
Ahmed Seif Hashed’s Facebook page
Ahmed Seif Hashed channel on telegram
Ahmed Seif Hashed group on telegram