ما زلتُ وفياً بما وعدت
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
في الانتخابات يكسب الرهان في الغالب أصحاب السلطة والجاه، أو المدعومين من الأحزاب، أو أرباب الثروة والمال، وأصحاب الوفرة بالوعود الانتخابية، وربما أيضاً الانتهازيين والوصوليين الذين يلعبون بالبيضة والحجر، أما من يمرق دونهم إنما هو استثناء يدخل في حكم القليل أو النادر أو لأسباب خاصة باصاحبها.
عندما كان المرشحون في جلهم يكيلون الوعود الانتخابية كيلاً لناخبيهم في أكثر من ٣٠١ دائرة انتخابية لاسيما الوعود بتحقيق مشاريع المدارس والطرقات والسدود ونحوها، كنتُ حذراً جداً، وأكثر حذراً من استسهال اطلاقها، وركز برنامجي الانتخابي على حماية الحقوق والحريات ومكافحة الفساد، وتعزيز ودعم الديمقراطية والمرأة والقيم المدنية، وتعزيز الدور الرقابي لمجلس النواب، ونحو ذلك، وفي غيرها كنتُ حذراً، ووعودي كانت تذهب إلى كلمة “الاهتمام” أو “المتابعة” أو من قبيلهما.
كنتُ أدرك إن اطلاق وعود المشاريع ينم أمّا عن غباء قانوني وعدم فهم مهام عضو مجلس النواب في الدستور والقانون، أو الكذب على الجمهور الانتخابي بغرض خداعه، واستدراجه إلى الفخ بغرض الحصول على صوته، أو هو من قبيل عدم المبالاة بالمصداقية نحو ناخبيهم.
لقد كنتُ ادرك نصوص الدستور والقانون، وأميّز بين مهام واختصاصات مجلس النواب والمجالس المحلية، وزائد على هذا كنتُ أدرك صعوبة تحقيق الوعود في بلاد مثل اليمن، لاسيما إن كنت مرشحاً مستقلاً.
كنتُ ادرك أن العضو المستقل لن تسير أموره كما يشتهي ويرتجي إن أصر على استقلاليته، والأرجح أن تجري الأمور معه على قول الشاعر: “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”.
لذلك كانت وعودي فيما يخص تحقيق المشاريع للأهالي مبنية على قاعدة وافتراض أسوأ الاحتمالات، وإن شطحتُ أذهب إلى كلمة “الاهتمام” أو “المتابعة”.. كنتُ أميل إلى مقولة نابليون بونابرت “أفضل طريقة للالتزام بالوعد هي ألا تعد بشيء”.
كنتُ أعي ان الحذر في قطع الوعود للناس ليس تنصُّل أو تهرُّب من المسؤولية، بل هو الإحساس المسؤول بالمسؤولية، والشعور العميق بها، وإدراك جسامتها، ومدى أهمية أن يفي المرء بما وعد، ويكون جديراً بوعده، أو بمستوى تحدّيه، وتحضرني في هذا الصدد مقولة جان جاك روسو: “أبطا الناس في قطع الوعد، هم دوماً الأكثر اخلاصاً في الوفاء بالوعد”.
بين الأمس واليوم أكثر من عشرين عاماً مضت.. تغيّرت فيها الأحوال كثيراً، وعصفت بها العواصف وانقلب بعضها رأسا على عقب، ولم نتغير ولم ننحاز إلا إلى صدقنا وضميرنا في مواجهة الفساد والاستبداد والانتهاكات للحقوق والحريات، والذي لطالما دفعنا وندفع ثمنه من معيشتنا وحياتنا ودم قلوبنا.. لم ننقلب على عهد منحناه، ولم ننكث بوعد قطعناه، وظل صدقنا حاضراً معنا في كل الأحوال والتبدلات والعواصف.
لقد كلّفنا صدقنا الكثير من الخسران والفقدان، إلا أن اتّباع الحق كان أهم وأولى رغم الخسارة التي عددناها انتصاراً غلبنا فيه ضعفنا.. لطالما أنعقد على الضمير رهاننا وأنتصر .. لطالما انتصرنا على ذاتنا وإن شهدنا في نفوسنا بعض من صراع واحتدام، أو وقعنا أحياناً في أخطاء لم نقصدها، أو وقعنا في أخرى أهمها سوء تقديرنا لهذا الأمر أو ذاك، فإننا نعمل بمثابرة واستماتة من أجل تصحيحها.
***