مذكرات

(5) قراءتي الصاخبة تحولني إلى مجنون! أحمد سيف حاشد

مذكراتي.. من تفاصيل حياتي

(5)

قراءتي الصاخبة تحولني إلى مجنون !

أحمد سيف حاشد

كنتُ أذاكر دروسي بصوت عالٍ.. القراءة الصامتة أو حتى بصوت منخفض لا تروقني، فضلا أن حصادها شحيح ومتلاشي أو قليل الأثر.. مزاجي الصاحب لا تناسبه القراءة الصامتة التي لم آلفها، ولم أعتاد عليها، بل أجد أن القراءة الصموتة تتعس ذاكرتي وترهقها، وتحتاج مني إلى نكز مستمر يفقد أهميته بعد قراءة صفحة أو اثنتين، فيدب في أوصالي الملل والسأم وربما النعاس بعد حين، وفي أحوال أخرى يطيّر الصمت ذاكرتي في كل اتجاه، وأبدو كطفل صغير عديم التمييز، يلاحق ظل نحلة تحوم على الأزهار، فلا يظفر بها، ولا يطول الزهر..

 

عندما أقرأ بصمت أجد نفسي كثير الشرود والشوارد، وأحيانا يداهمني النعاس بعد ساعة إن طاب المقام، وفي أخرى أشعر بملل يتمطى أوصالي، وتيه يجرفني بعيدا إلى حيث لا أريد.. أجد نفسي بعيدا عمّا أنا فيه، وبعيدا جدا عمّا أكون بصدد قراءته..

 

لا أدري كيف لازمني أسلوب القراءة بصوت عالي من الإعدادية، ثم وجدتُ نفسي في المرحلة الثانوية أكثر تعلقا به، ولا أجيد ما يناسبني غيره.. وفي الجامعة، ثم في المعهد العالي للقضاء صارت طبيعة أو ربما تحّول إلى طبع لي في القراءة، لا أستطيع مفارقته، إلا لضرورة أو حتمية ملحة..

 

كانت نسبة استيعابي وأنا أقرأ بصوت عال أكثر بكثير مما لو قرأت بصوت منخفض، وكان تركيزي وأنا أقرأ بالصوت العالي أكثر بأضعاف من تركيزي وأنا أقرأ على نحو صموت.. قراءتي الصموتة تجعلني أهدر كثير من الوقت، مقابل قليل من الفائدة، وأجد جل هذا التبديد أقضيه في ملاحقة شوارد ذهني التي تتطاير في كل صوب واتجاه..

***

كنت أخرج من القسم الداخلي إلى الصحراء، وأذرعها طولا وعرضا وأنا أُذاكر دروسي بصوت عال، بل وأشير بالأيدي والأرجل دون إرادة، وأسير بعض خطوات وأتوقف، وأكرر العبارات حتى أفهمها، وأحاول حفظها، وما أن أنتهي من درس اكتب على كثبان الرمل (ربي زدني علما) وأحيانا أضيف (من المهد إلى اللحد) افعل ذلك بدافع وساوس محض يأخذ هو الأخر قسطه من وقتي المهدور، وبات من يراني عن بعد، ويشاهد حركاتي يظن إن بي مس من الجن، أو أنني بالفعل مجنون .. كنت أقرأ بفمي ويداي وقدماي وكل حركات جسمي وعضلات وجهي الشحوب الذي تلفحه الشمس والريح، فتتحول قراءتي إلى ما يشبه القراءة الصاخبة المشبعة بالحركات والنشاط المقوي للذاكرة..

 

إنه جانب من اجتهاد وجدت نفسي فيه أفضل من أي وقت مضى اهتماما ومثابرة وبذل مجهود.. شعرت بأهمية التفوق، وتعاطيت مع طموحي، وما أروم بمسؤولية أكبر..

 

في مدرسة “البروليتاريا” صرت أقدر أهمية التعليم، وأهمية الاطلاع والمعرفة.. وبدت الثقة بنفسي تزداد أكثر، والمعرفة تطيب وتلذ كلما أمعنت في الدراسة وغرفتُ من المعرفة المزيد.

***

يتبع..

 

موقع يمنات الاخباري

موقع برلماني يمني

صفحة احمد سيف حاشد على تويتر

صفحة احمد سيف حاشد على تويتر 2

حساب احمد سيف حاشد على الفيسبوك

صفحة احمد سيف حاشد على الفيسبوك

قناة احمد سيف حاشد على التليجرام

مجموعة احمد سيف حاشد على التليجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى