مذكرات

طيران بلا أجنحة .. رسالة ثانية إلى أبي

برلماني يمني

أحمد سيف حاشد

الإهداء إلى الرفيق عبدالوهاب قطران

ضاق الخناق يا أبي وأطبق شدته.. سمانا مخنوقة قهراً وكمدا.. حسرة تحتشد في طولها وعرضها أسيفة، وهي ترى أعمارنا تذوي إلى خيبة كل يوم تتسع.. أحلامنا تباد، وآمالنا تموت، ويجري دفنها في أعماق سحيقة تحت أحمال ثقال.. بؤس وجوع.. مرض وموت.. وعياً مستباحاً بألف لوثة، وموت يتمطّى السنين الطوال، وسم يسري في الجسد الحزين.

أزف العمر يا أبي ونحن نحارب المخافات الكبيرة، وبعد خفوت ذوى، وعقود تتالت، ونفوس أطمأنت، طلّت مرة أخرى من ركامها.. كالموت.. كالرعب.. لا .. لا يا أبي.. كمخلوقات خيال “الحضرد” في كتاب “العزيف”.

عادت يا أبي في غفلة زمن.. عادت بقضها وقضيضها.. بكهنوتها المدجج بالخرافة.. بالجوع الذي يدوم ويستمر.. بحروبها التي لا تستريح ولا تنام.. حروب إخضاع طويلة.. لا تعيش إلا بها.. متلازمة دون فكاك.. رزحنا تحت أحمال ثقال، وكانت أشد علينا من جبال شداد.

عادت بتاريخها المثقل بالمآسي العريضة.. بجهلها وجوعها.. بماضيها المخيف.. لا تكتفي، ولا تستحي.. تستبيح الوعي بترهيب وترغيب وسلطة.. تمضي وتفعل ما تريد.. من كل بد، لكل كهنوت أجل، ويعرف الناس الحقيقة، ولكل ظالم نهاية، ولكل سلطة ما جنت.

عاد الليل يا أبي مدججاً بالدجى.. مجحفل بالهلع المسربل بالردى.. نزل علينا كالقدر.. ألم وإرغام وتعذيب.. قتل من مسافات قريبة.. ضباع جائعة متوحشة تنهش بطون الجياع.. قوم أستباح حقوقنا.. غارق بالتوحش والبداوة.. سفكوا دمانا يا أبي، ومعها الحب المعتق بالطهارة.

عهد باذخ بالتخلف والبلادة.. غريب عن العصر صارخ بالفجاجة.. جدري الوجه، جذامي الأصابع، معتلة أطرافه، مصابا بداء السكري..

مكتظاً بالحروب والبشاعة، وسطوة الظلم المكرر.. منبعج بالفساد العريض والقهر المؤكد.. عهداً كهذا ما أثقله، لكنه حتماً لن يستمر.

يسخرون من عهد ثورتنا المجيدة.. أخبرهم يا أبي إن الطارئ لا يدوم.. الخرافة لن تكون يوما حقيقة.. تاريخ ثورتنا عظيم.. مجداً مكللاً بنهار لا ينطفئ.. في وجداننا ثورة مجيدة تسكن بحبها شغاف قلوبنا.. ستظل تسكن شعبنا إلى الأبد.. شكرا للأوائل.. رواد ثورتنا الأماجد.

أما عهدهم وإن تطاول زائل لا محالة.. اليأس الذي وأد آمالنا وأحلامنا حتما لزائل.. سنزيح اليأس القنوط مهما طال وسربل وأستطال في المدى.. حتماً سينزاح من وجه السماء طبقات الحزن الذي تراكم، ومعه أكوام الكآبة.

بعزم يفل الحديد سنمضي.. سنصل إلى ما نرتجي.. بجموح وصهيل الخيول تتحدى المسافات البعيدة.. وإرادة تسقي الفولاذ عزيمة.. سنصل حتماً إلى ما نريد، طالما البحث جار عن مستقبل واعد آتي، أو تباعد.. سيأتي حتماً أو سندركه يوماً لا محالة.

***

#الحريه_للقاضي_عبد_الوهاب_قطران

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى