مذكرات

تحريض وتكفير

برلماني يمني

أحمد سيف حاشد

ربما بعض المحمولين بدوافع سياسية وحزبية، بل وحتى بدوافع أنانية أصغر منها، لم يكونوا يتوقعوا بعد أشهر قليلة ذلك التأثير والانتشار والشهرة لنشرة جمعية اسمها “القبيطة”.. ربما البعض عضَّ أصابع الندم على خلفية تلك الدوافع، وآخرون راهنوا على فشلنا، واستعدّوا لتلقّفها منّا، ظناً منهم أن اليأس الأكيد سيدركنا، وأن الديمومة ستنقطع لا محالة، والمصاعب التي في طريقنا ستكون أكبر منّا، وربما اعتقد البعض أن المعتاد والمألوف في جميع نشرات الجمعيات الخيرية تبدأ بحماس واندفاع، ثم تتعثر وتتراجع على نحو مستمر، أو تتخللها انقطاعات طويلة في معظم الأحيان، ومن المحتمل تنتهي إلى التلاشي والزوال.

كان رئيس الجمعية محمد عبد الرب ناجي السند والظهر الكبير الذي حملنا، وأمّن لنا بوجوده وعلاقاته وصداقاته المصدر الأول للانطلاق وهو المال.. تحركت الدواليب وسار الركب على نحو ظل يكبر ويزداد مهابة.. قرأنا أن النجاح هو “القيام بالأعمال العادية بطريقة غير عادية” سعينا للابتكار.. رأينا ومن خلال الممارسة إن الصحافة يجب أن تتجاوز الرتابة والاعتياد.. تفجر الأسئلة وتشكل الوعي.. تخترق الحُجب وتقرع الأبواب المغلقة.. تتعرض للمخاطر وتتجاوزها باقتدار.. تُخاطب العقل والوجدان والذاكرة بطرق وأساليب مُختلفة أو جديدة.

حاولنا النزول إلى مستويات الناس البسطاء والطيبين.. نحاكيهم بلغتهم ولهجاتهم ومستوى فهمهم للارتقاء بهم والمضي سوياً نحو المستقبل.. نتبنّى همومهم وقضاياهم.. ربما تأفف البعض من النُخبة لأننا سلكنا غير مسلكهم، وتحدثنا مع البسطاء بلغة قلّما فعلتها صحافة النُخب.. حاكينا وجدانهم بما يألفونه، وبأسلوب يوصل الرسالة التي نريد، وبلغة وكلمات سهلة ومفهومة دون أن نغفل ما يحتاجه الآخرون.

لم نكتفِ بهذا، بل جعلناها أيضاً تحفل بالجدل والنقائض والنقد الذي يولد مزيداً من الخصوبة والعطاء والإبداع، وطرح ومعالجة القضايا والهموم، بل وأيضاً طرح أطرافاً من القضايا والإشكاليات الشائكة، وتحفيز وإعمال العقول فيها.

ذهبنا إلى تسجيل ما يثير ويدفع المرء للاهتمام والمتابعة.. خُوضنا في المسكوت عنه، وفيما لا يخوضه الغير.. نبحث في الفراغات وفي الأشياء لنجعلها تعيش مخاضاً وولادة.. نرفض أن نعيش الهمود والصقيع والبرودة.. نبحث عن الاستثنائي والساخن والمثير واللافت للاهتمام، وفي طيّه نبعث ألف رسالة.

نغوص في المجتمع ونتحدث إلى مهمشيه.. إلى الفقراء والبسطاء والمسحوقين.. نكشف ما يحدث في قيعان المجتمع؛ لنعرف المشكلة قبل العلاج.. كل هذا وذاك كان يتم في إطار رسالة تصنع الوعي المنسجم مع المستقبل الذي نريده وننشده.

ربما تجاوزنا في أحايين ما هو مرسوم بحذر أو بإقدام.. بقصد أو دون قصد.. تفاجأنا بردود فعل فردية، بل ومجتمعية أحياناً، كان يصل بعضها إلى التهديد بنسف ما نفعله، وبعضها يستدعي الاقتحام ودفع ما يلزمه من كُلفة وثمن.. ألم يقل أحدهم: “يتطلب النجاح الشجاعة، ويتطلب الاختلاف الشجاعة، ويتطلب الذهاب حيث لم تذهب من قبل إلى الشجاعة، ويتطلب الفوز الشجاعة”. ألم يقل آخر: ” النجاح لا يحتاج إلى أقدام بل إلى إقدام” فيما يقول ثالث: “سر النجاح في الحياة ان تواجه مصاعبها بثبات الطير في ثورة العاصفة”، ويقول رابع: “دائما ما يكون النجاح محفوفاً بالمخاطر، فلا يمكن أن تحقق النجاح دون أن تسقط في سبيله عدة مرات أولا”.

***

كان بعض المتربصين يقرؤون السطور ويضعون الكمائن.. يبالغون ويتخيلون ما ليس بواقع.. تذهب بهم دوافعهم السيئة إلى ما لا يكون وارداً في قصدنا للإيقاع بنا، وتأليب الناس علينا، وتحريضهم ضدنا.. يصنعون ما هو قاتل لإرهابنا واغتيال صوتنا.

في العدد العاشر من النشرة ـ الصحيفة ـ “القبيطة”، والصادر في تاريخ 1/7/2001 وتحديداً في عمود وزاوية “خربشات نزقة” أورد محررها عبد الملك الحاج سكرتير التحرير تحت عنوان فرعي، “قالوا”: “لقاء عين الجني  بالإنسي ما تنفع آية الكرسي”.. “يقرأ تبارك يخبط مبارك” “المتزوج بثنتين.. يومه يوم حنين”.

أمثال شعبية متداولة ولكنّها كانت كافية لأن تثير في وجهنا عاصفة من التحريض وردود الفعل، ومن ضمنها تلك الرسالة الموقع عليها اثنان وثمانون شخص، يفتتح مستهلها بالبسملة، وتنتهي باتهامنا بالاستهزاء بآيات القران الكريم، واصفة فعلنا بالأمر الجلل والخطير.

رسائل فاكس واتصالات تكاثرت، وخطب جمعة تجلجل في عدد من المساجد.. تأليب وتحريض ضد الصحيفة التي تخدش الحياء وتتجاوز حدود اللياقة والآداب العامة، وتتحامل ضد سكرتير تحريرها عبد الملك الحاج الذي تم وصفه بالمارق الذي يجب أن تقام عليه حدود الله لتجاوزه ومجاهرته واستهزائه بآيات القرآن الكريم، والمساس بالإسلام الحنيف.. تهمة كانت بحجم جبل وأكبر.

أرادوا كبار “حراس المعبد” من خلال ما افتعلوه الاستيلاء على الصحيفة، أو على الأقل فرض رقابتهم عليها، وتوجيهها وتجييرها لعصبوياتهم، كانت حزبية أو مناطقية أو أنانية وذاتية صغيرة..

تفاجأت أنا ومحمد عبد الرب ناجي بالرسالة الموقعة من 82 شخص.. تفاجئنا أكثر بهوية من أوصلوها إلينا.. تفاجئنا بطرح الموضوع في الهيئة الإدارية للجمعية.. ذهب بي الظن بعيداً إلى أسوأ الاحتمالات.. ربما ظننتُ أن الأمر مقصوداً ومعد سلفاً وفيه سوء طوية.. افترضتُ أن ما تم أخذه علينا تم إدخاله في مرحلة أخيرة من البروفات بعد مراجعتنا الأخيرة.. غير أن هذا الظن تبدد بعد المراجعة وسماع ما أدلى به زميلنا دفاعاً عن نفسه.

تم استدعاء عبدالملك الحاج من قبلنا أنا والأخ رئيس الجمعية محمد عبد الرب ناجي.. بدأنا بالعتب واللوم، وتعرضنا للتداعيات التي حدثت جراء ما تم نشره، فيما عبد الملك الحاج دعانا إلى عدم القلق، وأنه سيتحمل المسؤولية كون الموضوع مذيلاً باسمه.. إلا أن هذا كان بالنسبة لنا لا يكفي.

لقد أستغرقني الاستغراب، وجميعنا يعرف أن المتربصون يتحينون الفرصة، وقد أتتهم الفرصة كما تخيّلوا تمشي على قدمين، وتفرد يديها بمليء اليدين.

إنهم يعيشون الآن لحظة غبطة وانبساط، حتى ظننا إننا قد وقعنا، وأنطبق علينا المثل: “وقعت الشاطر بعشر”.. لا نملك من الدفاع مما أتانا إلا أنها أمثال شعبية متداولة، ربما سمع البعض بها، ولم يسمع بها الأغلب والأعم.. ربما إن أشتد الأمر علينا قدّمنا الاعتذار، والوعد بعدم التكرار.

طلب رئيس الجمعية حضور عبد الملك الى مقر الجمعية، وكان المقر مُعتبي وفيه وجهاء ومشايخ وثلاثة عائدين من بلاد الأفغان.. وفي زاوية من المكان كان عبد الملك الحاج متكأً وصامتاً بوجه يثير التساؤل.

ناداه رئيس الجمعية الأستاذ محمد عبد الرب ناجي بقوله:
– يا خربشات.. نشتي نسمع ردك وتبريرك لما حدث..؟!
– فأجاب عبد الملك الحاج: اذا تريدون ان تحاكموني، فمن الاحرى بكم ان تحاكموا اولا القاضي يحيى بن اسماعيل الاكوع هو كاتب ومؤلف هذا.

ثم رفع كتاب الامثال مختوم بدار الكتاب، وزارة الثقافة، وفيه المثلين الذي قام بإنزالهم في الصحيفة.
وأستأنف حديثة بقوله:
أمثال موثقة ومجازة عبر الهيئات المختصة بالدولة، وكل ما قمتُ به هو نقل المثالين فقط.
وتم قراءة المثالين اللذين وردا في الكتاب امام الجميع.

فعقّب رئيس الجمعية محمد عبد الرب:
– اكتب يا عبد الملك الحاج “خربشات” بالصحيفة كلّها.. من الصفحة الأولى إلى الأخيرة.. خربش مثلما تشاء..
ثم نهض واقفا وأضاف:
– نشتي عمل.. خلونا نشتغل..

ما حدث كان ينطبق عليه مثل: “الضربة التي لا تصيبك تقويك”.. قالوا عنّا محترفين.. فشل مسعى أرادوا به مقتل.. أو على الأقل فشلوا في ابعاد عبد الملك الحاج من الصحيفة.. فشلوا في النيل منّي باعتباري رئيسا لتحريرها، وكان الفشل ذريع في فرض حراس معبدهم على “القبيطة” النشرة ـ الصحيفة.

***

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى