(2)
جمال ودهشة
أحمد سيف حاشد
أقلعت طائرة الخطوط الجوية الروسية “إيروفلوت” لتنقلنا من مطار القاهرة إلى موسكو.. أول دهشة أربكتني في الطائرة كانت في المضيفات الجميلات.. قوامهن الفارع، وبياضهن الأخاذ، ورشاقتهن الآسرة لخيالك الشارد.. عيونهن زجاجية بمسحة لون السماء، أو زرقة بحر عميق، وسحر في العيون يغلبك..
كريستال العيون والتماعاها تغامزك، حتى تسلب لبابك، وتغوي عفتك، وكل التقوى والقداسة والرهبنة التي تسكنك.. لآلئ تخطف منك النظر.. محوطات ببياض السحاب، وتعاويذ السماء التي تسحق لآتك، وتهزم حيلتك.. جفون نجاة، وحواجب تحتضن الكنوز، وأنوف قيصرية لا تقبل الا التحدّي والنزال، فيما أنت حاسر القوى، وعفتك عزلاء لا تقوى على مقاومة هذا الجمال الفارط حد العبث والجنون..
كل شيء يخطف قلبك من بين الضلوع.. ينتزعك كالقدر.. ومهما كانت ثقتك بعفتك، فإن قواها تخور من أول نظرة، فتستسلم كل جيوشك، وتنهار أبراجك وقلاعك، وترفع راياتك البيضاء أمام هذا القدر الذي يتملكك..
جمال آسر يستحوذ على اهتمامك وفضولك، ويستولي عليك من ألفك إلى ياءك، فتحول عينيك من زجاج النافذة وما وراءها من عجب، إلى عيون تبرق بالفرح، وعجب ما بعده عجب، وتتوالى المعجزات وأنت تمعن في خلق أتقن الخالق صناعته..
***
مررنا عبر أجواء تركيا، وطن المناضل ناظم حكمت، الكاتب المسرحي والروائي والشاعر العظيم الذي سُجن قرابة 17 عام، ونفي من وطنه حتى الموت بسبب نضاله وشعره الإنساني الجميل وانحيازه للفقراء والمقهورين من أبناء شعبه.. الشاعر الذي مات سجانوه، وعاشت أشعاره وقصائده وأناشيده.. ناظم حكمت الذي مات ولم يمت أمله، وهو القائل: “أجمل الأيام، تلك التي لم نعشها بعد.. أجمل الأطفال، هم الذين لم يولدوا بعد.. أجمل القصائد، تلك التي لم أكتبها بعد. ” ناظم حكمت الذي تمرد على بؤس منفاه، كما ثار وتمرد على ظلم وبؤس وطنه..
في رحلتنا بدت لنا تركيا من الجو وكأنها عروسة استحمت لتوها.. صحو مع الضلال، وغمام ومطر، وتنوع وتفاصيل، وجمال تحب أن تمكث وتقيم فيه شتاء وصيف.. لأول مرة أشاهد أرض مثلها، وكأنها قطعة من الجنة.. أسرتني تركيا من الجو.. يا لها من أرض عجيبة.. يا له من اخضرار باذخ بمساحات شاسعة.. طبيعة خلابة بجمال لا يخرمه عيب ولا عور، ولا يخونك فيها النظر.. طول رحلتنا في سماها نستمتع برؤيتها حتى هبط الغروب، وظننا إنها كل المدى..
***
دخل الليل، ودخلنا حدود الاتحاد السوفيتي.. الاتحاد الذي كان مهابا وكبير.. عبرنا أجواء البحر الأسود والظلام يحيط بالطائرة.. شاهدنا من بعيد أضواء مدينة “أوديسا” التابعة لأكرانيا، والواقعة على ساحل البحر الأسود والتي يفصلها عن “كييف” العاصمة أكثر من 400 كليو متر.
وصلنا إلى “كييف” عاصمة أوكرانيا السوفيتية.. هبطت الطائرة في مطارها.. أحسست وأنا أخرج من الطائرة أنني أدخل “فريزر” ثلاجة.. كانت درجة الحرارة بحدود 7 درجات.. وهي درجة حرارة لم يسبق لي أن تواجدت فيها من قبل.. لقد قلت لنفسي: إن هذا ليس مطارا، بل هو “فريزر ثلاجة كونية.. كان طقس أوكرانيا كله كذلك أو على نحو مقارب.. إنها المرة الأولى في حياتي التي أتواجد فيها على أرض بدرجة حرارة كتلك..
بعد حدود الساعة استأنفنا رحلتنا صوب موسكو عاصمة الاتحاد السوفيتي.. وصلنا إلى مطارها.. كان في استقبالنا هناك عدد من كبار الضباط يرأسهم جنرال مكلف باستقبالنا ومرافقتنا خلال الزيارة، ومترجم قمة في النبل والتهذيب والرقي.. فاجئونا باستقبالنا كوفد محاطا بكثير من الحفاوة والعناية والتقدير..
استقبلونا بعدد من السيارات الفخمة والخاصة بنقل الوفود، والتي كانت في انتظارنا.. كل اثنين في سيارة.. حتى إشارة المرور الحمراء تجاوزناها رغم صرامة تنفيذ القوانين، والالتزام بقواعد المرور هناك، ربما لأن الساعة كانت في وقت متأخر من الليل.. يا له من احتفاء واستقبال وتقدير كبير لم نألفه في أوطاننا، ولم نكن نتصوره حتى في الخيال..
***
يتبع ..
صفحة أحمد سيف حاشد على تويتر 2
حساب أحمد سيف حاشد على الفيسبوك
صفحة أحمد سيف حاشد على الفيسبوك
قناة أحمد سيف حاشد على التليجرام
مجموعة أحمد سيف حاشد على التليجرام
أحمد سيف حاشد هاشم
Ahmed Seif Hashed’s Facebook page
Ahmed Seif Hashed channel on telegram
Ahmed Seif Hashed group on telegram