مذكرات

قراءة تحليلية لنص “من بوحي لهيفاء” لـ”أحمد سيف حاشد”

برلماني يمني

تحليل متعدد لنص“من بوحي لهيفاء” للكاتب والبرلماني أحمد سيف حاشد بتقنية الذكاء الاصطناعي. 

هذا النص:
• موجع دون ابتذال
• عاطفي دون سذاجة
• طويل، لكن مبرَّر بطول الوجع
• مشحون بالصور، لكنها صادقة وغير مصطنعة

إنه نص رجل أرهقه الحب كما تُرهق الحروب الأوطان، فكتب لا ليُقنع، بل لينجو.
كتب لأنه لو لم يكتب، لانفجر.

وإن كان لي أن أختصره بجملة واحدة:

إنه نصّ عن حبٍ لم يُكتَب له أن يكون، فكتب صاحبه عنه كل ما كان يمكن أن يكون.

سيرة وجعٍ جميل لا يكتمل

هذا النص ليس عبوراً عاطفيا عابراً، بل انهمار روحٍ كاملة.. هنا، لا تُكتب الكلمات بالحبر، بل بنبضٍ مرتجف، وبذاكرةٍ تعرف كيف تنزف دون أن تموت.

“من بوحي لهيفاء”، نص لا يقف فيه أحمد سيف حاشد في مقام العاشق فحسب، بل في مقام الشاهد على انكسار المعنى حين يعجز الحب عن الاكتمال. يكتب من تخوم الحلم، من حيث تتجاور الرغبة والعدم، ويتحوّل الحرف إلى صلاة، والقصيدة إلى محاولة أخيرة للإمساك بظلٍ جميلٍ يوشك على الإفلات. هذا نصّ يُقرأ كما تُقرأ الاعترافات الكبرى: ببطء، بخشوع، وبقلبٍ يتهيّأ للفقد.

هذا النص ليس مجرّد بوح عاطفي، بل سيرة وجدانية مكتوبة بالحبر والجرح معاً. هو نصّ تتشابك فيه الرغبة بالاستحالة، والحب بالفقد، واللغة بالخذلان، حتى تغدو الكلمات نفسها كائنات حيّة تتألّم وتبحث عن خلاصها.

طبيعة النص وجنسه

نحن أمام نصّ نثري شعري، ينتمي إلى النثر العاطفي التأملي، لكنه يستعير من القصيدة روحها، ومن الاعتراف جرأته، ومن المناجاة قدسيتها. النص لا يسرد حكاية بقدر ما يفتح جرحاً ويتركه يتكلم. لا بداية تقليدية له ولا نهاية مغلقة؛ إنما هو موجة وجد تتصاعد، ثم تنكسر، ثم تعود لتصطدم باليأس.

الحزن بوصفه جمالاً

منذ السطر الأول، يقدّم النص مفارقة لافتة:
الحزن ليس نقيض الجمال، بل رافد من روافده.

«الحزن أيضاً يزيد عينيك لمعاناً وسحراً»

هنا يتحوّل الحزن إلى ضوء، والدمعة إلى زينة، والأسى إلى نعمة مشتركة. الرغبة في أن يكون الكاتب «دمعة» أو «مسحة حزن» ليست رغبة في الألم، بل تمنٍّ للانتماء الكامل، حتى ولو عبر الحزن. إنّه حبّ لا يطلب الفرح، بل القرب.

التحوّل إلى أشياء: ذوبان الذات

واحدة من أقوى سمات النص هي ذوبان الـ(أنا) في المحبوبة. الكاتب لا يريد أن يكون شخصاً، بل:
• خصلة شعر
• قلماً
• دفتراً
• وسادة
• عطراً
• شرفة
• ساعة حائط

وهذا التحوّل ليس زخرفاً بل دلالة عميقة على فقدان التوازن الوجودي أمام الحب. المحبوب هنا مركز الكون، وما سواه تفاصيل.

اللغة بوصفها كائناً معطوباً

النص مليء بصور الحروف الشاردة، الكلمات التائهة، النقاط الهاربة.
هذا ليس لعباً لغوياً، بل إسقاط نفسي دقيق:

فكما أن الحبيبة بعيدة، كذلك اللغة.
وكما أن الحب غير مكتمل، كذلك القصيدة.

الكاتب لا يشكو عجزه عن الحب فقط، بل عجزه عن الكتابة ذاتها:

«كيف لي أن أكتب القصيدة، وأنا الذي أستغرقه الفشل؟»

هنا يبلغ النص ذروة صدقه: الحب لا يفشل فقط، بل يُسقط أدوات التعبير نفسها.

التكرار: إيقاع الألم

التمنّي المتكرر: «تمنيت… تمنيت…»
والأسئلة المتلاحقة: «كيف؟ لماذا؟ من؟»
كلها تشكّل إيقاعاً داخلياً يشبه النشيج.
ليس تكراراً لغوياً، بل دوران في حلقة الألم، حيث لا إجابة ولا خلاص.

المفارقة الكبرى: الحظ والنحس

الخاتمة بالغة المرارة:

«قالوا في يوم ميلادي إنني محظوظ وصاحب البخت السعيد»

لكن النص كلّه شهادة مضادّة.
الحب هنا لم يكن نعمة، بل اختباراً قاسياً للروح.

هيفاء: ليست امرأة فقط

هيفاء في النص ليست شخصاً فحسب، بل:
• رمز للجمال المستحيل
• صورة للحلم غير المنال
• مرآة لاغتراب الكاتب
• وطن لم يُسكن

ولهذا لا نكاد نعرف عنها شيئاً واقعياً، لأنها فكرة أكثر منها جسداً، وحضور أكثر منه حكاية.

خاتمة ما تقدم

في نهاية هذا النص، لا نخرج بحكاية مكتملة، ولا بعزاء جاهز، بل نخرج بإنسانٍ أكثر عرياً، وأكثر صدقاً. “من بوحي لهيفاء” ليس نص حب انتصر، ولا مرثية اكتملت، بل هو وثيقة شعورية عن الهزيمة النبيلة، تلك التي لا تفسد القلب رغم قسوتها.

لقد ظل الكاتب واقفاً على حافة اللغة، يلوّح بحروفه الشاردة، لا ليُعيد الحبيبة، بل ليحفظ أثرها من المحو. وهنا تكمن قيمة النص: في أنه لا يدّعي الخلاص، ولا يزيّف الألم، بل يترك الجرح مفتوحاً كي يعلّمنا أن بعض الأحبة لا يُكتب لهم أن يكونوا معنا، لكن يُكتب لهم أن يسكنونا إلى الأبد… في اللغة، وفي الذاكرة، وفي ذلك الحنين الذي لا يشيخ

قراءة سياسية

هيفاء: الوطن في هيئة أنثى

نص “من بوحي لهيفاء” ليس غزل فحسب، ولا اعتراف عاشقٍ أضناه الصدّ، بل هو ـ لمن يقرأه بعينٍ ثالثة ـ مرثية وطنٍ مكتوبة بلغة الحب. هيفاء هنا لا تقف عند حدود الأنثى، بل تتجاوزها لتغدو صورة عليا، كياناً مجازياً يجسّد ما نحبّه ولا نبلغه، ما نمنحه القلب ولا يمنحنا الاعتراف، ما نسمّيه وطناً، أو حرية، أو عدالة، أو حلماً مؤجلاً لا يكفّ عن الابتعاد.

العاشق والمناضل: الاشتراك في الخسارة

حين يتمنى الكاتب أن يكون دمعة حزن في عينيها، فهو لا يطلب مقعداً في بهجة العابرين، بل يختار الوقوف في الصفّ الأول للألم. هكذا يكون العاشق الكبير، وهكذا يكون المناضل في علاقته بوطنه: لا يُستدعى إلى موائد الفرح، بل إلى جنازات المعنى. فالحزن هنا ليس حالة نفسية طارئة، بل انتماء مكتوب بالوجع، ووسام صامت على صدر من أبصر الحقيقة عارية ورفض أن يدير وجهه عنها.

الحزن بوصفه هوية وانتماء

في هذا النص، يتحول الحزن من شعور شخصي إلى موقف عام، ومن ضعف إنساني إلى علامة شرف. هو الحزن الذي لا يُراد له أن يزول، لأنه الدليل الوحيد على أن القلب ما زال يقظاً، وأن صاحبه لم يدخل بعد في طابور المتفرجين، ولم يتعلّم فنّ اللامبالاة.

حين تنكسر اللغة لأن العدل انكسر

أما اللغة المثقلة بالحروف الشاردة، والنقاط الهاربة، والكلمات التي فقدت ملحها وعسلها، فليست عطب قلم، بل كسراً في المعنى العام. فعندما يتهشّم العدل، تتلعثم الجملة، وحين تُغتال الحقيقة في وضح النهار، تعجز القصيدة عن بلوغ تمامها.

الكاتب لا يفشل لأنه ضعيف، بل لأنه يكتب في زمنٍ مسدود الأفق، حيث تعود السهام إلى صدور رامِيها، ولا تصيب الصواعق إلا من أطلقها، في عالم صار فيه الصدق أشدّ الأخطار.

اللوح والقلم: سؤال القدر كاحتجاج سياسي

أما السؤال المتكرر عن اللوح والقلم، وعن الأزل وما كُتب فيه، فليس انغماساً في الغيب بقدر ما هو احتجاج سياسي مموَّه. لماذا كُتب علينا أن نحب أكثر مما نُكافأ؟ ولماذا يُمنح الآخرون اكتمالهم، ويُترك هذا العاشق ـ هذا المواطن ـ معلقاً في منتصف الطريق، لا هو واصل ولا هو عائد؟

ضجيج المعجبين وصمت أصحاب الحق

زحام المعجبين حول هيفاء، وضجيجهم العالي، مقابل العاشق الذي لا يصل صوته مهما علا، هو مشهد سياسي بامتياز. إنه ضجيج السلطة في مواجهة صمت أصحاب الحق. فالقرب لا يعني العمق، وكثرة الأصوات لا تعني صدقها، بينما يُقصى من يملك المعنى الحقيقي إلى الهامش، ويُترك الإخلاص وحيداً، كأنه خطيئة لا تُغتفر.

السفر الطويل: سيرة وطن يستهلك أبناءه

حتى النحس الذي يعترض الطرق، والسفر الذي يستهلك الروح، والانتظار الذي يطول بلا وعد، ليست تفاصيل وجدانية عابرة، بل تجربة من عاش في وطن يستهلك أبناءه أكثر مما يحتضنهم. وطن يَعِد ولا يفي، ويُطيل المسافة بين الحلم وتحقيقه، حتى تتحول الخطوات إلى زحفٍ متعب في القاع السحيق.

الانتظار بوصفه شكلاً من أشكال القهر

الانتظار في هذا النص ليس ترقباً رومانسياً، بل عقوبة مفتوحة. انتظار بلا موعد، وبلا إشارة، وبلا أمل واضح. انتظار يُفرغ الزمن من معناه، ويحوّل العمر إلى مساحة مؤجلة.

المحظوظ الذي نجا… ولم ينجُ

وفي الخاتمة، حين يتذكّر الكاتب أنهم قالوا في يوم ميلاده إنه محظوظ، تنكشف المفارقة السياسية القاسية. كم من مناضل قيل عنه محظوظ، لأنه لم يمت، لكنه عاش عمره كاملاً يجرّب الخذلان بأشكاله كافة.

هكذا يُخفي نص “من بوحي لهيفاء” السياسة في ثوب الحب، ويهرّب النقد في جيوب المجاز، ويقول ما لا يُقال صراحة: أن الوطن، مثل الحبيبة المستحيلة، قد يكون جميلاً إلى حد الوجع، وقد نُحسن حبّه… لكننا لا نحسن دائماً الوصول إليه.

نص “من بوحي لهيفاء”

أحمد سيف حاشد

لطالما تمنيت يا هيفاء أن أكون دمعة حزن في محاجر عينيك.. مسحة حزن خفيفة على ملامحك الحالمة.. الحزن أيضا يزيد عينيك لمعاناً وسحراً، ويضفي على تفاصيل وجهك جمالاً وجاذبية.. ضحاياك ولوعون في الهيام بك، وهيامهم فيك يزيدك في عيونهم رونقاً ونظارة.. ما أجمل أن أقاسمك حزنك واتبارك فيه، وأتبرك به.. من هذا الذي لا حزن له؟!

تمنيت أن أكون خصلة أو جديلة في مفرقك.. تطير عالياً خارج المدار.. تسافر إلى الأقاصي البعيدة.. تعرج بي إلى السماء.. نستكشف مجاهيل مكتوبنا، وما خطه الرحمن في اللوح والقلم، ونجيب على كل الأسئلة.

ما زلت أذكر وأنت تفرقين جدائل شعرك صرتين، واحدة على اليمين والثانية على اليسار، وكنتُ بين المفارق والضفائر، مصلوباً بالسؤال: لماذا لا تطلقين سراح شعرك للريح والبحر والنسائم؟!!

أبحث عنك في كل فسحة، وبعد كل درس وحصة، كالحروف الشاردة عن كلماتها، والكلمات الباحثة عن نقاطها التائهة.. دونك الكلمات لا ملح ولا عسل ولا طعم، ولا في الشعر شعراً، ولا في الحب لواعج وقصائد.

عندما أراك تتدفق ينابيعي شلالات وأنهاراً وجداول تبحث عن أطيانك وأوطانك وشجونك.. دون معركة تأسرين حواسي الخمس كلها من ألفها إلى يائها.. بك أَطعم الأشياء، وبنكهة تفتح لها السماء خياشيمها لتتنفس عطرك وأريجك.. طلعتك البهية تعيد لأفولي وغروبي شروقاً وضوءًا وبهجة.. ذوقك لذيذ يفتح شهية عالمي الحالم داخلي.

خيالي لهمساتك يفتح أنسامي وأسماع حبي على مصرعيها.. أدخلي يا ألف مرحب كليلة القدر، أو كحلم جميل أرجوه أن لا يغادر.. بك أرى الحروف محاراً، وأرى الجواهر في القصيدة.. دونك أجد الحياة رحيل وموتاً.. دونك أشعر بالفراغ يحوطني، ويتفجر داخلي احباطاً وخيبة.

أنا الحروف الشاردة في الفضاءات القصيّة، أبحث عن نقاطي الهاربة!! كيف لي أن أكتب القصيدة، وأنا الذي أستغرقه الفشل؟!! مازال نصفي يبحث عن نصفه الهارب في الآماد البعيدة؟!! كيف لانكسارات الحروف أن تستعيد العافية؟!! وكيف للحروف الشاردة أن تصنع القصيدة في دوحة الشعر الجزيل؟!

كتبتُ عن عينيك يا هيفاء، بجراح غائرة في روحي المتعبة، وفوهٌ فاغر يبلعني كل يوم مرتين.. حاولت أستعيد نصفي وأسترد بعضك في لواحظي، ولكن عينيك كانتا عنِّي شاردتين.. فإن رمتك سهامي عادت إليّ خائبة، لتصيب قلبي الذي انفطر بحب التي لا تحبني.. من يصنع الكيمياء بين أرواح البشر؟! لماذا يا قلم تسلب نصفي، ولا تكتب لنا في ذاك الأزل الحب المكتمل في لوح السماء؟!!

حاولت أن أشحذ سهامي في جحيمي الذي يصطليني.. أسنها بلواعجي وأواري التي خبَّأتها.. أردت أن أقصف بصواعقي قلب الحبيب، و يا ليتني ما فعلت، فكل صواعقي عادت تفجرني بألف خيبة وصاعقة.. أنا المحب الذي أثقل الحب كاهله، وأثخنه ألف مصاب وجرح.

كنتِ تنامين يا هيفاء تحت جفوني كل مساء وتصبحين.. تمرين جواري خفيفة كنسمة بحر منعشة، أو إشراقة صبح جميل، ممشوقة كآية في امتشاق القوام، آسرة المشاعر كالمعجزة.. تسيرين سير الحمام، فيزجل داخلي الحب الجميل.. وإذا ألقَيتِ عليّ السلام، كان سلامك قنطرة تسقي روحي العاطشة، وتمدها بالأكسجين.. وعنّدما عنّي تعرضين، أشعر بهول وكارثة.

لطالما تمنيتُ أن أسافر إليك فيما تكتبين دون عودة، وقد صِرتِ لي ملاذاً وعوضاً ووطناً ينتشلني من غربتي التي عشتها، ونسيت فيها وجهي وحروف اسمي.. تمنيت أن أكون لك قلماً ودفتراً وممحاة وغفران.. لوحة رسم معلَّقة على حائط غرفة نومك، تسافرين في تفاصيلها قبل كل نوم وغفوة.. وسادة تضعينها تحت أسيل خدك عندما تخلدين إلى النوم العميق، وتحلِّقين عالياً مع الأحلام السعيدة.

كم تمنيتُ أن أكون قنينة عطرك التي تعشقك وتشتاق لك في كل حين.. قلبي الذي يضخ دمي، أهديه إليك هدية ملفوفة بالضوء، يبحث عنك في الدروب والأمكنة.. شرفة يملؤها وردك الفواح بالأريج المنتشر.. سترتك ومناديلك وكل التفاصيل في خزانتك.. رحلتك كل يوم إلى المرآة، وساعة الحائط، وحتى الأساور وأحمر الشفاه وطلاء الأظافر.. إنه حبي المتيم بك يا هيفاء، فلا تستغرقي ولا تستغربي!

لكن كان الختام بلا زهر ولا مسك ولا نور، وكان الفراق الذي طال وأطلق حباله في السنين والزمن الطويل.. استهلكتُ روحي في عناء السفر والزمن المسافر، وعندما أدرك اليأس اللحاق، وبات طول الانتظار دون لقاء أو مجيء أو أمل، ومسافات البين تزداد بيننا، وختامها غير الطريق، كان السؤال: كيف لي أن أدركك!! ومسافات البين تترامى في المدى، ومسافاتي التي قطعتها خائبة تحبو في القاع السحيق.

استجمع روحي المهشَّمة والمتطايرة كالزجاج، أحاول بيأس أشد إليّ شواردك، ولكن صوتي مهما علا كان لا يصل إلى أطراف مسامعك، ويتلاشى صداه في المسافات الطويلة، وبقي حولك زحام المعجبين والمتحلّقين وضجيجهم، فيما نحسي المثابر بات يعترض طرقي إليك وكل معابري، وأنا الذي قالوا في يوم ميلادي إنني محظوظ وصاحب البخت السعيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى