كتبوا عنه

دعوة حاشد.. بين صوت القانون وصمت الساسة

يمنات

في منشور صريح ومباشر على صفحته في فيسبوك، دعا القاضي والنائب البرلماني المستقل أحمد سيف حاشد اليمنيين في الداخل والجاليات اليمنية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاضطلاع بدور فاعل في الضغط والتحرك نحو تحقيق جملة من المطالب الإنسانية والسياسية، أبرزها فتح الطرقات والمطارات، إطلاق الأسرى، صرف الرواتب وإعادة هيكلتها، والتوجه نحو حل سياسي شامل يطبع الأوضاع المأزومة في البلاد.

هذه الدعوة، وإن جاءت من فرد، فإنها في الحقيقة تُجسد صرخة جمعيّة نيابة عن ملايين اليمنيين الذين طحنهم الانقسام وأثقل كاهلهم الحصار والانهيار الاقتصادي المستمر. كما أن لها وجهاً قانونياً وحقوقياً يجب أن يُقرأ بتمعّن، لكون صاحبها قاضياً ونائباً منتخباً، تتوفر فيه الأهلية الدستورية والشرعية للتعبير عن هموم الناس وتمثيل حقوقهم المغيبة.

أولاً: الطرقات والمطارات.. بين حق الإنسان وورقة الحرب
جاءت دعوة فتح الطرقات والمطارات كأولوية إنسانية. فالحق في حرية التنقل والسفر مكفول في المواثيق الدولية، كالمادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو حق لا يجوز تقييده أو جعله رهينة تفاوض سياسي أو حسابات عسكرية.

لقد تحولت الطرقات المغلقة، والمطارات المعطلة، والمعابر الممنوعة إلى وسائل ضغط غير إنسانية، يُعاقَب بها المدنيون، وتُستخدم لفرض إرادات لا تمتّ لحقوق الإنسان بصلة. وإن استمرار إغلاق مطار صنعاء – على سبيل المثال – يُعد جريمة جماعية تقيّد حرية الملايين وتحرم المرضى من العلاج والطلاب من السفر والعمال من العودة إلى أعمالهم.

ثانياً: ملف الأسرى.. عدالة غائبة في كل الجبهات

إطلاق جميع الأسرى دون استثناء، كما دعا إليه حاشد، يجب أن يتحول إلى مطلب جامع لا خلاف عليه. فالاحتجاز التعسفي، وغياب المحاكمات العادلة، وتبادل الأسرى على أساس الولاء السياسي، كلها ممارسات تخالف القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تنظم أوضاع الأسرى خلال النزاعات.
بل إن الوضع القائم اليوم جعل الأسير ورقة مساومة، لا إنساناً له حقوق، مما يفاقم المعاناة ويزيد من تأجيج الكراهية والحقد بين الأطراف، في الوقت الذي يفترض أن يكون فيه ملف الأسرى بوابة لتخفيف الاحتقان، لا وسيلة لتعميقه.

ثالثاً: الرواتب.. حين يصبح الجوع سياسة رسمية

ربط النائب أحمد سيف حاشد بين صرف الرواتب وإعادة هيكلتها بصورة تنقذ الموظف اليمني من حالة المعيشة المستحيلة هو طرح جوهري في سياق الأزمة الراهنة.

إن الراتب حق قانوني مقابل العمل، وليس منحة سياسية أو فضل من سلطة، سواء كانت شرعية أو أمر واقع. ومع ذلك، تحوّل في اليمن إلى ملف مهمل أو مؤجل، بل إلى أداة للابتزاز السياسي.

وإذ تُصرف المرتبات في مناطق محددة، ويحرم منها الموظفون في مناطق أخرى، فإن ذلك يُكرّس التمييز ويخالف مبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في الدستور اليمني والمبادئ الأساسية لمنظمة العمل الدولية.

أما إعادة الهيكلة، فهي ضرورة اقتصادية واجتماعية تهدف إلى رفع الأجور بما يتناسب مع الواقع المتدهور للأسعار وانهيار العملة، لا سيما بعد أن بات الموظف اليوم عاجزاً عن شراء كيس دقيق أو علاج أطفاله، بينما تنعم طبقات أخرى من السياسيين والتجار والنخب بمكاسب الحرب.

رابعاً: نحو تطبيع الأوضاع.. لا تسوية الأزمات

الدعوة إلى تطبيع الأوضاع والحل السياسي الشامل تتطلب قبل كل شيء تغليب الإرادة الوطنية على المصالح الفئوية والإقليمية. وقد أثبتت السنوات الماضية أن التسويات الجزئية والاتفاقات المؤقتة لا تصنع سلاماً، بل تؤجّل الانفجار القادم.

ولعل رسالة النائب حاشد تذكّر الجميع بأن الطريق إلى الاستقرار يبدأ من الإنسان اليمني أولاً، من كرامته وحريته وحقوقه المعيشية، لا من المحاصصات والصفقات.

وأخيراً..

دعوة كهذه من رجل ينتمي للسلطة التشريعية، ويتمتع بخلفية قانونية، تُعد ناقوس خطر وصوت ضمير حيّ، في وقت صمتت فيه كثير من الأصوات، ومالت فيه مؤسسات الرقابة والتشريع إلى الركود أو الانقسام.

وهي تفتح الباب أمام الجاليات اليمنية في الخارج، لا سيما في أمريكا، لتلعب دوراً أكثر فعالية في التأثير على مراكز القرار الدولي، وفضح المأساة اليمنية التي طالت أكثر مما ينبغي.
فهل ستجد هذه الصرخة من يسمع؟ أم أنها ستضيع في ضجيج الصراع وصمت الساسة؟

المصدر: بوابة القانون والقضاء اليمني على تلغرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى