تراجع وإنحسار
برلماني يمني
إحمد سيف حاشد
حالما كنت صغيرا تعلقتُ بما كانت تُعرفُ بخارطة “الوطن العربي”.. شاهدتها في إدارة المدرسة، وشاهدتها في بعض المناهج الدراسية المقررة، وتكررت أمام عيوني في أكثر من مشهد ومكان.. استهوتني جغرافية وتاريخ وامتدادات هذا الوطن، والانتماء إليه، دون تعصب أو انتقاص من الآخر.
ورغم الحدود التجزيئية والأنظمة العربية القمعية المستبدة الجاثمة على أنفاس هذا الوطن الذي ننشده، ورغم الواقع العربي الثقيل بكل تعقيداته، إلا أن أحلامنا كانت في ذلك الزمن كبيرة وعابرة للحدود.
كان لدينا أحساس كثيف بالانتماء العميق لهذا الوطن الذي نبحث عنه، ونشتاقُ إليه.. كان هذا الوطن في وجداننا شديد الحضور.. كان وجداننا مشتعل بالأمنيات، وعواطفنا جياشة، وأحلامنا وردية وشاسعة.. كنّا نحلم بالوحدة العربية الكبرى، ونفكر بمستقبل كبير وطموح.
ولكن أشتد الظلم وبلغ مداه، وتكالبت علينا المحبطات، وراج الفشل والفشل المضاعف والفساد العريض، وقبله ما رافق ذلك من أنانية مفرطة لدى من يحكمون على حساب ذلك الوطن الذي نحلم به، حتى بلغ الأنا فيهم عرينه، وبات الاستبداد محددا للمستقبل، وصناعة الخوف هي الصناعة الأساس لتلك الأنظمة، لينتهي الحال بالتوجه نحو توريث نظام الحكم، وهو ما أدى إلى تراجع الأحلام الكبيرة، وتقزم ما هو كبير منها، حتى بات أكبرها أصغر من عين الذبابة.
أما الوحدة اليمنية التي كان يفترض أن تكون محاولة لإعادة الاعتبار لحلمنا الكبير، وبداية انطلاق وجسر عبور إلى ذلك الوطن الذي نحلم به، فقد أنزلق وهوى إلى ما هو سحيق، وباتت تلك الوحدة تعاني من التمزق والتشرذم والتلاشي ونشر الكراهية، حتى صرنا نُقتل ونُعتقل ونتعثر في الحدود الصغيرة بين المناطق، ونقاط العبور، ومسميات أمراء الحرب.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليغرام انقر هنا