مشروع كبير، ولكن..!
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
تعلمتُ وأنا صغير ما هو كبير.. تعلّمنا أن “الوطن العربي” واحد من أقصاه إلى أدناه.. ربما كان هذا أجمل ما تعلمته، وبات له اليوم وحشة الغياب الذي طال، والفقدان الذي يشبه الموت، في عهد سادهُ المتوحشون وأنتشى فيه التافهون، ومات أحراره كمداً وقهراً.
تعلمتُ أن يكون المرء إنسانا ضد كل ما ينال من إنسانية، في أي مكان من هذا العالم، أو ينتقص من حقوقه بظلم أو بطغيان، والانتصار له في عصر بات دميما، وموسوما بالتفاهة والتوحش.
رغم كل هذا التوحش الذي يسود، يجب أن لا نيأس؛ لأن في اليأس موت.. يجب أن لا نستسلم لهذا الموت الباذخ والتوحش المنتشر، بل والأكثر وجوباً مقاومته على نحو لا يعرف الاستسلام، وبأمل لا يعرف التلاشي.
عيب هذا المشروع الكبير كان في السلطات التي تبنته وعدم قدرتها على تقديم النموذج أو المثال.. لقد ظل يشوبه اقصاء الأخر المختلف أو المتباين حتى في إطار نفس المشروع، والحيلولة دون منحه فسحة ومتسع في العمل السياسي، ليبدو هذا المشروع رغم اتساعه مغلقاً أو منغلقاً على ذاته.
لقد شوهت هذا المشروع وأساءت إليه السلطات الحاكمة متبنيه المشروع، حيث رافقته أعمال قمع واعتقالات ورفض استيعاب الآخر والضيق به، بل وإقصائه أحيانا بالاعتقال أو التصفية أو إعدامه بمحاكمة صورية جائرة أو حتى دون محاكمة.
ففي العراق استهدفت تلك السلطة بقية اليسار دونها، وتراوح هذا الإقصاء بين التصفيات والمحاكمات الصورية، وشتى صنوف التنكيل، والتجريم للتعددية والانتماء الحزبي، أو التضييق عليه واستهدافه، وفي سوريا لا يختلف الأمر كثيراً، وأكثر منه استهدف بعث سوريا لبعث العراق في الداخل والخارج، والعكس صحيح أيضاً، وأكثر منه تحالف هذا وذاك مع الغير ضد بعضهما، فضلاً عن استهداف كليهما للناصرية.
وفي مصر كشف الادب في أعمال روائية عديدة ملمحاً من ذلك الحال فيما يخص الحقبة الناصرية، مثل رواية “الكرنك” ورواية “ميرامار” لنجيب محفوظ، وقصة «حوار خلف الأسوار» لجلال الدين الحمصاني، وقصة “شيء من الخوف” لثروة اباضة، وكانت كثير من الاعتقالات قد تم توجيهها لبعض رموز وشخصيات اليسار مثل الشاعر أحمد فؤاد نجم، والفنان الشيخ إمام وغيرهم. وحتّى على فرضية المبالغة فيما ورد في تلك الأعمال الروائية إلا إننا نجد فيها نصف الحقيقة، أو على الأقل لا تخلي منها.
بالإضافة إلى ما سبق كانت للعصبوية القطرية المتسلطة هنا أو هناك دور في إضعاف ذلك المشروع في سوريا والعراق، وانعكاساتها على غيرها، وغياب التعددية أو عدم السماح لها بالمنافسة حتى في إطار المشروع الواحد، فضلا عن التنافس غير المبرر على الزعامة؛ لينتهي الحال بتحول هذا المشروع الكبير بعد عقود إلى التوجه نحو حكم التوريث بعد إقصاء وشيخوخة، وقد “أُكل الثور الأبيض يوم أُكل الثور الأسود”.
ولكن الحياة ولاّدة، ولعل في هذا وذاك عضة، ومخاض ولادة جديدة، وبداية عهد جديد ربما يأتي وإن تأخّر، وربما يكون مختلف عمّا كان، والمثل المشهور يقول: “دوام الحال من المحال”، ولنا في التاريخ ألف عبرة ومثال.
***
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليغرام انقر هنا