طيران بلا أجنحة .. جحوظ عيناي..!! “محدث”
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
قبل أن أعرف معنى الزواج، كنتُ أعربُ عن رغبتي في الزواج من إمرأة تكبرني ربما بأربعة أضعاف عمري؟! وفي أحد الأيام حاولتُ أن أتشبث بها وأمنعها من الرواح إلى بيتها من دارنا، لأنني أريد أن أتزوجها، دون أن أعلم شيئاً عن حقيقة الزواج وماهيته، أكثر من مكوثها معنا في دارنا!!
وعندما كبرتُ قليلاً وفهمت، أو بدأتُ أعرف شيئاً عن الزواج، كنتُ أشاهدُ وجهي في المرآة وأرى قبحي في جحوظ عيناي، وأكثر منه كنتُ أجد بعض من هُم في عمري يلفتُ أنظارهم جحوظ عينيًّ.. وأحياناً أجدهم يعايروني بها، فتترك في أعماقي ندوب ربّما دامت سنين.
يوماً سألت أمي بصيغة مؤدّاها: لماذا الله أقبحني بعينين جاحظتين ولم يساوِني بأقراني؟! فأجابت أنّها سمعت من أبي “انني أشبه جدّي هاشم في عيونه”.. إنها جينات توارثت وتعدّت أبي لأكون وريثاً لما لا أريده. ومرة أخرى أرادت التخفيف عنّي حيث قالت إنها توحّمت على طفل كان جميلاً، وعيناه الواسعتان كانتا أكثر جمالاً، فيما أنا كنتُ لا أراه كذلك.
هكذا ربّما فكرتُ يوماً.. لم يكن لي خيار حتّى في أن أختار عيوني أو وجهي أو شيئاً مما يخصني في بدني.. أبسط الأشياء الخاصة بي لم تكن طوع يداي، ولم يكن لي فيها مدخلاً أو خياراً.. أنا لم أقررها ولم يتشاور من خلقني كيف يمكن أن أكون.. إنّه أمر كان بكامله خارج رغبتي وإرادتي..!!
وعندما كبرتُ أكثر كنتُ أسأل نفسي: هل سترضى بي من أحبها أن تتزوجني، رغم تلك البشاعة التي خلقها الله في عيوني، وحرمني من وسامة ما كان ينبغي أن يحرمني الله منها؟!
وفي مرحلة لاحقة ربّما بدوتُ في مخيالي أمام نفسي أشبه بالجاحظ في جحوظ عينيه الذي غلب على اسم صاحبه. عرفه الناس باسم الجاحظ أكثر من عمرو بن بحر.. قيل إن لقب الجاحظ كان غير مرغوب لديه، بل ويكرهه إلا أنه في سنّ شيخوخته أعتاده وأُشتهر به.
يبدو أن هذا الجحوظ هو الذي جعل صاحبه يبدو دميم الوجه، حتى روى أن امرأة طلبت منه أن يرافقها إلى الصائغ لينقش لها صورة شيطان على الخاتم يشبهه، لظنها إنه يشبه الشيطان.
وجدتُ نفسي لستُ وحدي من ناله القبح واحتج عليه، بل أن الشاعر الحطيئة هجا وجهه بقوله:
“أَرَى لِي وَجْهًا قَبَّحَ اللَّهُ خَلْقَهُ * * * فَقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ وَقُبِّحَ حَامِلُه”.
عندما ترشحتُ لعضوية مجلس النواب ألصق فريق حملتي الانتخابية صوراً لي في إحدى مناطق دائرتي الانتخابية، وعند مروري فيها، لاحظتُ بعض الصور قد تم تشويهها بخزق عيونها، وترك باقيها كما هي من دون عيون.. فاستيقظ احتجاجي، ودفعني هذا إلى بذل نشاط مضاعف، وإصرار عنيد على انتزاع النجاح، رداً على ممارسة القبح الذي وجدته يُصبُ على عيوني المتعبة والمعذّبة.
أما اليوم وبسبب حساسية في عيوني باتت مزمنة، مضافاً إليها كثرة السهر وقلة النوم، بات الاحمرار شديداً وملازماً لها، ولكن من يحملون القبح في عيونهم وعقولهم، ينسبون لي تهمة “اللبقة”، وقصدهم أنني سكرناً طوال الليل والنهار، وهو جزء من الكيد السياسي الذي يستخدمه هنا بعض الخصوم السياسيين في الجماعات الدينية، للنيل والتشويه من صاحبه أمام العامة الذين يشنّعون على شارب الخمر أكثر من تشنيعهم على القتلة، والنهابة والفاسدين والمحتالين.
تذكرتُ هنا ما قرأته من طرائف الجاحظ؛ حيث يُحكى عنه أنه توجه إلى اليمن، ودخل أسواقها وتجول في كثير من أحيائها، ولكنه وجد الناس ينفرون منه لبشاعة شكله، ولم يستضِيفهُ أحد، وفي طريق عودته إلى البصرة، قابل أحد رفاقه، فسأله: كيف حال اليمن وأهلها؟
فأجاب:
منذ أن أتيتُ اليمنا لم أر وجهاً حسنا
قبــــح الله بــــلـدةً أجملُ من فيها أنا
وأتذكّر هنا بالمناسبة قول أو مقولة تقول: “كن جميلاً ترى الوجود جميلاً”
أرسل قاضي لا أعرفه، اسمه عمر الهمداني، قصيدة امتدحني فيها، بل خص عيناي في مدحه لي أقتطف منها الأبيات الآتية:
مـــا بـــالُ عـيـنـاهُ تــبـدو عــيـنَ سـكـرانِ
مُــحْـمَـرّةً مــثــلُ جَــمْــرٍ فــــوقَ نــيــرانِ
“تــبــاركَ اللهُ مــــا هــــذا الفتى بــشــراً”
إنْ هــــــذا إلا مـــلاكَ القلــبِ ربَّـــانــــي
الــنــائـبُ الـــصــادقُ الــرَّاعــيْ رســالـتَـهُ
فــــي عــيـنـهِ هــــمُّ أجــيــالٍ وأوطــــانِ
مُــحْـمَـرةٌ عينـُـهُ مـنْ فـــرْطِ حُــرْقـتــــهْ
عليــكَ أنــتَ وأنـتَ العــائــبُ الجـانـــي
ما أحمــدُ اليــوم إلا مثــــلُ أحمــــدِنــا
يدعـو إلى الخيــرِ لكنْ بيــنَ عميــانــي
الله مـــا أعظــمَ القاضــي وأصبــره
علـــى المبـــادئ مـــن آنٍ إلـــــى آنِ
***