مذكرات

طيران بلا اجنحة .. سلطة الجماعة في الحكم “محدث”

برلماني يمني

أحمد سيف حاشد

تبالغ “السُّلطة السياسية” وجماعتها الدينيَّة الموغِل ذهنها في الماضي بتعصبها لصالح المجتمع المغلق الصارم في عاداته وتقاليده وثقافته، بل وتستعرض اعتزازها بهذا الانغلاق، وتعمَد إلى فرضه وتكريسه، تحت عنوان العيب والشرف، والحفاظ على عادات وتقاليد المجتمع.

وترى هذه السلطة إن المجتمع الذي يقاوم ابتلاعه هو مجتمع جاهلي يجب أخذه بالرضى أو بالتدرج أو حتى أخذه كرهاً إلى مسلماتها، و”إسلامها” الذي ترى فيه أنه يملك الحق، ويمتلك الحقيقة كلها دون نقصان، لاسيما في القضايا التي تتعلق بأخلاق المجتمع، الذي تعتبر نفسها وصية عليه حد الثبات والغيرة الجموحة.

وتسخِّر سلطة الجماعة كثير مما يفترض أن يوجه للتنمية أو للتعليم والصحة وتحسين معيشة المواطن لصالحها ولصالح إعادة صياغة وعي المجتمع، وفق أيديولوجيتها، ودأبها المستمر لتكريس العادات والتقاليد التي تؤمن بها لخدمة أجندتها في مواجهة المستقبل، وفي هذا الاتجاه تحشد كل ممكن لديها للمساندة والتأييد والشد من أزر الماضي، وإعادة إنتاج ما هو بائد ومتخلّف ومُهترئ، وفرضه على حاضر ومستقبل شعبنا بالسلطة والغلبة.

تعيش سلطة الجماعة الدينية أثناء حكمها حالة تناقض وانفصام تام، وعدم تصالح فجٍ مع ذاتها، حيث تتزمّت في أخلاقها، وتُمارسُ عُقَدها على المجتمع، وتتشدّد حيالَ التفاصيل الصغيرة، وتترك ما هو جسيم وملح في الشأن الاقتصادي، دون حل أو حتى مجرد التفكير بالحل، وإن فعلت لضرورة ملحة، فهي تنتهي إلى إخفاق مدوٍ وفشل أشد.

إن سلطة الجماعة الدينية تتهرب من مواجهة القضايا والمعضلات الاقتصادية الكبرى الى ملاذها المعتاد في قضايا الآداب والأخلاق، فتضيف إلى المعضلات القائمة، معضلات جديدة، فيتضاعف فشلها وإخفاقاتها، وتزيد الطين بله.

سلطة الجماعة الدينية في الحكم تترك القضايا الاقتصادية الكبرى للشعب، مثل التنمية وتحسين المعيشة والنهوض بالتعليم والصحة وغيرها من الخدمات، وتذهب حد الغرق في تفاصيل صغيره، ترى فيها رسالتها الأولى في الحياة، فتقمع المرأة الّتي لا ترتدي حجاباً، وتتعامل بصرامة حيال من ترتدي حزام الخصر، وتعتدي على إعلانات الكوافير الذي تعتبره انفلاتاً سحيقاً، وسقوطاً أخلاقياً مريعاً، وبالتالي تتحول السلطة من سلطة حكم يفترض أن تدير الملفات والقضايا الكبرى للشعب إلى شرطة آداب حازمة حيال قضايا وتفاصيل صغيره يتبناها تزمتها، وخطابها الغارق في الرجعية.

سلطة الجماعة الدينية تبذل قضها وقضيضها في النيل البالغ من حقوق المرأة، وحريّاتها، وتكرس انتهاكاتها الواقعة على تلك الحقوق، إلى الحد الذي يهدر معه كرامة المرأة وإنسانيتها، وتخوض تلك السلطة المعارك الضارية حيال الاختلاط، والموضة، وملابس الشباب، وحلاقة الرؤوس، وتضيف إلى ذلك ما هو فضفاض، مثل “الحرب الناعمة” التي تُدرج فيها كلَّ ما يروق لها، وتريد قمعَه وتحريمَه وتجريمَه تحتَ ذلك العنوان غير المُنضبط.

وبالمقابل تتخلَّى تلك “السلطة” وعلى نحوٍ صارخ، عن مسؤوليَّاتِها حيالَ مواطنيها فيما هو أهم، مثل تحسين المستوى المعيشي للشعب، بل وتتخلي أيضا عن مسؤولية دفع رواتب الموظفين، وعدم تأمين الصِّحةِ لمواطنيها، والَّتخلِّي عن التزاماتِها حيالَ مُعظمِ الخدمات والحقوق، ومنها التعليم فضلاً عن الرُّقي به، بعد أن تكون قد أفسدت معظمه، وأكثر من هذا تحويل الوزارات الخدمية إلى مصادر إيراد وجبايات وتربّح لصالحها وصالح جماعتها التي تحكم، وتتسلط بالحكم على شعبها.

الاحتشام لدى سُلطةِ الجماعة الدينيَّةِ ليس صناعةَ وعي راقي ومتين، ولكنَّها شكليات تكرِّسُها وتتعاطى معها بصرامة.. خيمةٌ سوداء، ثقيلةٌ وعمياء، وعُقد اجتماعية شتّى، وكبْتٌ وتضْييق، وإعادة إنتاج نفايات الفكر، والتصوُّرات البالية، والتحريض على خصومها وتسفيههم وتكفيرهم وتخوينهم من خلال المساجد ووسائل الإعلام الرديف والمدعوم والممول من المال العام، وطباعة الكتب والمنشورات الصفراء، وغيرها من الأحمال والأثقال التي يجري إلقاؤها على كاهل المرأة، وتتحامل وتضيق على المدافعين عن حقوقها، والمنحازون لقضايا الشعب والمجتمع.

وتجد “السُّلطة” نفسها في وجه غالب منها تتحول إلى شُرطة آداب، تحمي “الأخلاق” وتفرض وصايتها على المجتمع باسم المقدس، بدلاً من خدمة شعبها، وفي المستوى نفسه تتجاهل بإمعان تحسين مستواه الاقتصادي والاجتماعي، والثقافي، والعلمي.

ولا تكتفي السلطة بهذا، بل نجدها بقدر أشد تمارس سياسة إفقار شعبها بفرض مزيد من الجبايات المرهقة على المواطن، والسعي على نحو دؤوب لاحتكار الثروة، واكتناز المال ومركزته في قبضتها، وامتلاك زمام التصرف والانفراد فيه، وتجفيف ما أستطاعت من مصادر دخل المواطن الغير منتمي لها، وقطع مرتبات الموظفين، على نحو يؤدي إلى توسيع رقعة الفقر، إلى الحد الذي يدفع المرأة إلى السقوط في الرذيلة، والفساد الأخلاقي العريض بدافع الفقر والفاقة والعوز، والبحث عن الحد الأدنى من العيش بالتكسب وبيع الجسد والوقوع ضحايا في شباك تجارة الجنس.

***

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى