مذكرات

(5) التحيّز العنصري والسياسي حيال بعض الأسماء.. أحمد سيف حاشد هاشم

مذكراتي .. من تفاصيل حياتي ..


(5)

التحيز العنصري والسياسي حيال بعض الأسماء

نشأتُ وترعرعت دون أن أشعر إن اسمي عبء على كاهلي.. لم يكن لي مع اسمي الرابع مشكلة.. لم أجد بصدده ما يجعله محل مأخذ أو نظر.. وفي عدن وخلال مدة طويلة حللتُ وأقمتُ فيها لم أشعر يوما إن اسمي كان عبئا أو عقبة أمام نيل حقوقي أو مسّها بحال.. كل شيء كان يسير على ما يرام.

 

في عدن وتحديدا في السبعينات على الأرجح، تم إلغاء أسماء المحافظات الست المكونة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية واستبدالها بالأرقام.. عدن المحافظة الأولى، ولحج الثانية، وأبين الثالثة، وشبوه الرابعة، وحضرموت الخامسة، والمهرة السادسة، وتم منع نسب الأسماء إلى المناطق أو إلى القبائل.. خطوة أو خطوات كانت في الإتجاه الصحيح..

 

تم إلغاء لقب الجوفي والحسني والمهري وغيرها من ألقاب كبار أسماء قادة البلاد، ومع ذلك وبسبب الصراع السياسي في النصف الأول من الثمانينات أنقلب الحال، وتم التحريض والتعبئة المناطقية بفجاجة، وعلى نحو جرّار، ثم تم تعميدها بالدم والدموع..

***

في هذه الحرب المرعبة التي نعيش أوارها باتت جل سلطات الأمر الواقع هنا وهناك تتعاطى مع الأسماء كانتماءات سياسية وطائفية وجهوية وقبلية ومناطقية تكلف أحيانا دفع كلفة باهضه على أصحابها.. ربما بسببها تكلّفك بعض مشقة في حياتك، أو تطول وتستهدف حريتك أو حياتك نفسها.. من المحتمل بسببها تفقد أشياء كثيرة، وربما تفقد كل الأشياء بسبب اسمك المرتاب به..

أصبحت بعض الأسماء عبء على أصحابها، فإن كانت هنا تجلب لك حظ ووفرة وتسهيل، فإنها في منطقة أخرى ربما تعني تهديد وخسران.. في الحرب وفي هذا العهد الأكثر توحش ودمامة صارت اسمائنا عبء علينا وربما خطرا محتملا يتهدد حياتنا، في واقع قبلي ومناطقي وعنصري يتعقب الأسماء، ويبحث عن أنفاسها حتى وإن كانت بدون أنفاس..

***

عندما أتيتُ إلى صنعاء من عدن عام 1990بعد الوحدة كان اسمي أحمد سيف حاشد هاشم. كان هذا هو اسمي في بطائقي وكل وثائقي التي أتيت بها معي من ألفها إلى ياءها.. جميعها تحكي هذا الاسم لا سواه.. لا تغيير فيه ولا تبديل..

في 1990عندما أتيت إلى صنعاء ليس على اسمي لبس أو غبار، ثم تم تغيير اسم “حاشد” إلى اسم “قائد” في كشوفات الدائرة المالية التابعة لوزارة الدفاع، وخضت مراجعة مضنية استمرت لشهور؛ لأستعيد اسم جدي حاشد في كشف المرتب الشهري، فيما ابن عمي عبده فريد حاشد المستشار في وزارة الخارجية في إحدى معاملاته استبدلوا اسم حاشد بـ “حامد” حتى تمكن هو الآخر من استعادة اسم جده بعد مراجعة..

لم أسي الظن يومها بما حدث، ولم أرجعه إلى سوء فهم أو فساد طوية، ولكن في إحدى نقاشاتي اللاحقة مع أحد مدراءي المنتمي إلى حجة، أحسست باستكثار أن يكون اسم جدي حاشد، وكان يومها لحاشد القبيلة جاه وهيبة، ومكانة اجتماعية أكثر من غيرها..

أما اليوم وفي ظل سلطة الأمر الواقع في صنعاء، فقد صادرت من كلينا اسم جدنا “هاشم”.

***

 

عندما بدأ عهد “الفيسيوك”، كنت لا أحسن استخدامه في أول الأمر.. كان يتم فتح حسابات في “الفيسبوك” بأسمائنا دون علمنا.. كان بعض الخبثاء ينتحلوا شخصياتنا ويتلبسون بأسمائنا..

طلبتُ من صديقي وأحد المساعدين لي وهو صادق غانم أن يفتح لي حساب “فيسبوكي” باسمي حيث كنت حينها لا أجيد فتح حساب لي فيه.. كان لدي “الفيسبوك” لا زال عالم مجهول لا أعرف منه غير عتبة داره، وبالكاد..

فتح صادق غانم لي حساب باسم أحمد حاشد هاشم، وأخبرني أن الفيس رفض قبول اسم سيف لوجود حسابات أخرى تطابق اسمي، فاستعاض عن اسم أحمد سيف حاشد هاشم بأحمد حاشد هاشم، وهو ما كان متاحا يومها.

اسم هاشم هذا هو اسم جدي الثاني، وهو اسم حقيقي، وليس مجلوبا أو دخيلا على اسمي الرباعي، وتعاطيت مع اسم أحمد حاشد هاشم في وسائل التواصل الاجتماعي، دون تسيس أو بحث عن انتماء نسب، أو توجه سياسي، بل لم أفكر في أمر كهذا مطلقا حتى من باب الاحتمال.. لم أكن أفكر أو أعلم بمكسب أو عبئ وتبعات لهذا الاسم، وصديقي أيضا هو الأخر لم يفكر بهذا..

لم أكن أعلم أن هاشم وهو بعض من اسمي الرباعي سيتم استخدامه للإساءة، ويتم اتهامي باستخدام اسم “هاشم” لأغراض انتهازية أو سياسية أو اجتماعية..

***

وظف ناشطوا حزب التجمع اليمني للإصلاح اسم هاشم للنيل مني على نحو واسع وكثيف.. شنوا بكثافة حملة شعواء على هذا الاسم، وتحديدا بعد مؤتمر “اليمن إلى أين” عام 2012 والذي أنعقد في بيروت.. خصصت صحيفة “الناس” و “الأهالي” مقالات عدة ومتجنية علي شخصي وبسبب اسم “هاشم”.. رموني بما هو فيهم من تخلف وعاهة..

ورغم توضيحي الصادق الذي نشرته في صحيفة “المستقلة” يومها إلا أن كثافة الضخ لاسيما في وسائل التواصل الاجتماعي كانت طاغية على الحقيقة، ووجدتُ نفسي وأنا أوغل في الإيضاح كمن يحرثُ في البحر.

***

واليوم وفي هذه الحرب لازلتُ أدفع ثمن اسم لم أختاره أنا، ولكن ببساطة أجدادنا لم يعلموا أنه سيأتي عهد متخلّف وأحمق ندفع نحن فيه ثمن الأسماء التي اختارها آباء أجددانا لأبنائهم..

آباء أجددانا كانوا بسطاء ولا يعلمون أننا سنأتي على أيام غارقة في الجهل والعصبيات المنتنة.. لم يكن يخطر ببالهم إن الأمور ستأخذ هذا المنحى، وهذا القدر من الهبوط والانحطاط الذي وصلنا إليه اليوم.. كانوا لا يعلمون أن أسماء مثل حاشد وهاشم ستصير جريرة أو خطيئة على أبنائهم وأحفادهم.. كانوا لا يدركون إننا سنستجير صراع 1400 عام، ونستعيد ذكرياته الأليمة، بل ونحييه بانتشاء وانتقام، ونعيد إحياء عهده بإمعان وإصرار.

***

توجهتُ في نهاية شهر ديسمبر 2016 مع زملاء في لجنة العفو العام الفرعية والخاصة بأبناء محافظة لحج من صنعاء إلى تعز، وكانت وجهتنا إلى سجون مدينة الصالح في تعز؛ وذلك لتطبيق القرار بحدود الاختصاص، وكانت هي المرة الأولى التي اتجه فيها إلي تعز منذ بداية الحرب..

والعجيب أن سلطة صنعاء في الحرب غيرت أسم جامع الصالح إلى جامع الشعب، ومؤسسة الصالح إلى مؤسسة الشعب، ولكنها لم تغير أسم مدينة الصالح التي استحدثوا فيها أو حولوا بعضها إلى سجون، موزعين فيها المعتقلين الكثار.. لم يتم تحويل اسمها إلى “سجن الشعب” على غرار جامع الشعب أو مؤسسة الشعب، وإنما أبقوا على اسمها وأضافوا إليها اسم “سجن” لتصير “سجن مدينة الصالح”!

في رحلتي تلك شاهدت عشرات النقاط العسكرية على طول طريق صنعاء تعز، ولم أشاهد علم الجمهورية باستثناء علم واحد في نقطة واحدة بعد نقيل يسلح، بل هو بقايا علم ممزق ومهترئ ومتآكل يجسد الحال كما هو في الواقع دون زيف أو رتوش، فيما علم الجماعة كان في كل نقطة عسكرية يعلن سيادته وانتصاره.

بعض النقاط العسكرية عندما كانت تسألني عن هويتي كنتُ أعرض بطاقة عضويتي الخاصة بمجلس النواب، والثابت اسمي فيها “أحمد سيف حاشد هاشم”.. كنت ألاحظ أحيانا لمن يقرأ حيرة من يطلبها، ثم يعلِّق بعضهم بسؤال: كيف حاشد وهاشم ؟! كان يعقّب بعضهم: حاشد وهاشم ما تركب!! ويسألني بعضهم: هاشم من أين؟!

***

كل وثائقي ومؤهلاتي بما فيها بطاقتي الشخصية العسكرية تحكي اسمي الرباعي، غير أن جواز سفري تم إثبات وتغيير اسم “هاشم” باسم منطقتي دون رغبتي وإرادتي، وفي هذه الحرب أيضا تم منحي بطاقة شخصية تم فيها تغيير هاشم بنسبي إلى منطقتي رغما عن إرادتي أيضا، وعن حقيقة اسمي الرباعي..

وفي هذه الأيام مضى أكثر من عام ، وأنا أدنو من الأجل أريد تسجيل رقمي الوظيفي في الخدمة المدنية، ولا أريد أن أورّث أبنائي المتاعب في حقوق تخصهم بعد رحيلي في هذا العهد المُغالِ أو العصي لهوله حتى على التسمية والتعاريف..

سنة كاملة من المتابعة ولم أستطع  استعادة اسمي الرباعي.. لقد قضموا أكثر من خُمس اسمي بكبر وعصبية وباذخ من عناد.. كم سنة أحتاج لدى أمن ومخابرات صنعاء لأثبت لهم اسمي الثابت في وثائقي الأكيدة والمسلمة نسخة لها عبر مندوب الأحوال الشخصية ولأكثر من مرة.؟!. كم أحتاج من الوقت ليقبلوا اسمي كما هو..؟! ما ذنبي أن يأتي اسم “حاشد” على “هاشم”. ولماذا يستكثرون اسم “هاشم” علىّ وأنا لا أعده أكثر من اسم متمما لاسمي الرباعي؟!

إنه بعض من اسمي الحقيقي لا يجوز إقصائه أو تغييره واستبداله.. إنني لم أدّعِ ولا أنازع به في ملك ولا ولاية.. إنني أدعو دوما للمساواة والمواطنة والعدالة منذ ريعان شبابي إلى اليوم، ولم أحيد عنها يوما قيد أنملة.. إنني أريد فقط تأكيد حقيقة اسمي وهويتي التي تريد عُقدهم المتجذرة في وعيهم مصادرتها عنّي.. أريد بطاقة تثبت هويتي بالاسم الذي يتطابق مع كل مؤهلاتي ووثائقي ومع الحقيقة قبلها.. أنا لا أدعو ولن أدعو يوما إلى أي عصبية منتنة.. أنا إنسان لم أتنازل يوما عن إنسانيتي.. شعاري هو إنسانيتي أولا.

من مأساة الوعي والتاريخ أن نجد أنفسنا ندفع ثمنا في حياتنا لما لم يكن على بال.. إننا اليوم نعيش عهد الحمقى الناضح بالرداءة والتعاسة، والوعي المشوه والدميم.. عهد صارت فيه الأسماء والألقاب تجني على أصحابها المعاناة، وربما تبلغ حد مصادرة مستقبل أصحابها، أو قطع العيش والمعاش عنهم، وربما استلاب الحياة..

اسمي تتفحصه وتمنعه عنّي المخابرات .. ما هذا السمج والهراء والعقل المثقل بعصبية لا تطاق.. من أين آتي لهم باسم آخر؟! اسمي أحمد سيف حاشد هاشم.. ليس لدي مشكلة مع الأسماء.. هذا اسمي الحقيقي منذ الولادة وسيظل كذلك حتى بعد الرحيل، وأظنه بات وشيكاً.. يصرون على استنفاذ ما بقي لدي من حياة في متابعة استعادة اسمي الرباعي الذي صادروه، أو يريدون مصادرته ما بقيت حيا، ثم ميتا وإلى الأبد إن كان هذا بإمكان..

لقد نشرت تعليقا على هذه المعاناة بالقول: أريد أن أنتزع منهم حقي في اسمي قبل أن يقتلوني..!! هل يريدون الانتقام حتى من أطفالنا في حقوقهم بعد أن نموت.. كم هم مرعبين وحاقدين وصغار.. ما أصغرهم..!!

مأساة أسماءنا تطول وتذكرني بما كتبه الأديب السوري الساخر محمد الماغوط:

“سأنجب طفلا أسميه آدم، لأن الأسماء في زماننا تهمة”

***

أنا أحمد سيف حاشد هاشم ابن الدباغ الإنسان.. الطريف أن أحد المرافقين لمسؤول كبير أخبرني أن كنيته كانت “أبو هاشم” وعندما قرأ في تفاصيل حياتي إنني ابن “الدباغ” قلب اسمه إلى أبو علي.. أنا أحترم كل المهن وكل الناس الذين يأكلون من كدهم وعرق جبينهم، بل واعتبرهم عظماء كبار.. ليس لدي عُقد أو مواقف استنقاص حيال أي إنسان حر وشريف..

 

واذا كان لدينا مأخذا أو نقدا في المسميات فهي تلك التي تحتدم أسماءها مع جوهرها ومضامينها.. تلك الأسماء التي تتنافي مع توجهات وحقيقة مسمياتها المظللة والمخادعة للناس والشعب، مثل مسميات حزب “الإصلاح” و “أنصار الله” التي جلبت لنا وللوطن أقدارا من الجحيم.. جعلونا فحما وشواء.. صلبونا على جدران الجوع.. سامونا الضيم والعذاب.. معاناة تطول ولا تنتهي بانتهاء ما بقي لنا من عمر، بل وعمر أولادنا وأحفادنا..

 

الصورة لجدي حاشد هاشم

يتبع..

***

 

موقع يمنات الاخباري

موقع برلماني يمني

صفحة احمد سيف حاشد على تويتر

صفحة احمد سيف حاشد على تويتر 2

حساب احمد سيف حاشد على الفيسبوك

صفحة احمد سيف حاشد على الفيسبوك

قناة احمد سيف حاشد على التليجرام

مجموعة احمد سيف حاشد على التليجرام

“Yemenat” news site

MP Ahmed Seif Hashed’s websit

Ahmed Seif Hashed “Twitter”

Ahmed Seif Hashed “Twitter”

Ahmed Seif Hashed “Facebook”

Ahmed Seif Hashed’s Facebook page

Ahmed Seif Hashed

Ahmed Seif Hashed channel on telegram

Ahmed Seif Hashed group on telegram

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى