طيران بلا اجنحة .. بين السلطة السياسية وأمي “محدث”
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
“السُّلطة السياسية” لا تشبه أمّي بكلِّ تأكيد.. فما فعلَتْه أمي كان دون شكٍ بدافعِ الحبِّ الجَمْ لضناها الذي تحبه أكثر من نفسها، وبدافع الخوف والهلع على صحته التي تُؤثِرُها قطعاً على صحتها. أمّا ما تفعله “السُّلطة السياسية” فلا علاقةَ له بأيِّ حب، ولا صلةَ له بالصحة، أو ربما بما هو حميد، بل يتم بدوافع الإخضاع والتَّدجين، وربما الاستعباد.
إنّ المقارنة أحياناً تكون ظالمة، وربّما تبدو في عَتهِها إهداراً للعقل، ولاسيّما عندما يكون فارق المقارنة بينهما خُرافياً أو مهولاً.
ربما يبدو المتشابه هنا بين أمّي و”السلطة السياسية”، في استخدام القمع. ولكن الحق يمنع حتى التأفف من الأم، مهما بلغت بها الكهولة، ومهما بلغنا من سلطان، بل والواجب علينا احترامها وإكرامها بالخٌلق العظيم. فيما “السلطة” تقمع الشعب وتستبدُّه.
صحيح أن كلا منهما تقمع في إطار ولايتها، ولكن “السلطة السياسية” التي بدون مشروعية قد جاءت عن طريق الغلبة والاغتصاب، أو بالمخاتلة والتحايل. أما أمّي فمشروعيتها من مشروعية وجودي في المقام الأول. غير أنّ السؤال الأهم: لماذا نتمرّد على الأم، وهي الأحق بالطاعة والإذعان، ولا نتمرد على “السلطة” ـ أي “سلطة” ـ طالما هي ظالمة ومستبدة؟!!
صحيح أنّ أمّي و”السلطة” تشتركان في وجه من الجهل، وهو قياس مع الفارق، ولكن جهل أمّي له ما يبرره، وهو جزء من واقع، تقع مسؤولية تغييره على “السلطة” أولاً؛ والتي يجب عليها أن تناهض الجهل وتقوضه، فما البال و”السلطة” تعمد إلى تكريسه، ليس في الحضانة والتنشئة الأولى فحسب، ولكن أيضاً في المدارس والجامعات، وتعوِّل عليه في سياساتها إلى حدٍّ بعيد.
“السُّلطة” تعتقد أنّ القمعَ هو الخّيار الوحيد، أو الخيار الأول، للحصول على نتائجَ فوريّة، ولكنّ كثيراً ما تأتي النتائج صادمة، أو مخيّبة للآمال، والأسوأ أنّ “السلطة” تُعاند وتُوغِل في عنادها حيال شعبها، ولا تعترف ولا تقرُّ بما تقترفه من أخطاء، إلّا بعد أن تكون قد دفعت كلفةً أكبرَ من الخطأ بفعل عنادها، ويكون قد أوقع الفادح ما هو أفدح منه.
فيما أمي تشعر بالندم بمجرد أن ينتهي غضبها الذي لا يطول.. تستعيد زمامها أو ما فلت منه، إن كان في الأمر إفلات دون شك لا يخلو من نبل وحرص وحسن مقصد.. تستعيدني دفعة واحدة وتستعيد شلال حنانها الدافق، وتحيطني بحب وفير، ورعاية لا نظير لها، بنكران ذات، وعناية بالغة تفوق عنايتها بنفسها..
إنه لفادح أن تقارن بين سلطة مثقلة بالجور والجرائم، وبين أم مستعدة أن تفديك حبا في كل ساعة.
***