تغاريد غير مشفرة .. محُّصوها بالعقل..!
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
(1)
الحل السياسي الشامل لم يتم تحقيق خطوة واحدة نحوه.. اتفاق السويد.. اتفاق الرياض.. وعشرات الاتفاقات والتفاهمات المعلنة وغير المعلنة تسير في مجملها نحو تجزئة الحل السياسي على طريق تقسيم وتجزئة اليمن..
عُقد المنشار باتت أكثر من أسنانه..؟!
من أين سيأتي الحل؟!
ما يحدث يكاد يكون بتوافق معلن وغير معلن من قبل أطراف الحرب..
الكل يعمل بعيدا عن الحل السياسي الشامل.
كل طرف محلي يريد إقامة دويلته ومشروعه القزمي الخاص على حساب اليمن الكبير، وكل هذه المشاريع القزمية تتفق، بل وتتطابق مع الأجندات والأطماع الدولية في اليمن الذي يريدون أن يصير يمنات، وقد صار هذا في الواقع فعلاً، والأن يريدون شرعنته دولياً بكيانات ضعيفة وهشة ومرتهنة.
(2)
المشروع الذي لم تحققه بريطانيا في الخمسينات من القرن المنصرم تحققه اليوم بعد سبعين عام بمباركة ومشاركة أطراف الحرب.
لن تجد بريطانيا أفضل من هذا العهد لتحقيق مالم تقدر على تحقيقه طيلة سبعين عام.
جميع أحلامنا الكبيرة تم ويتم إجهاضها ووأدها لننتهي إلى مشروع “كانت هنا يمن”
(3)
خذوها بالعقل والمنطق.. كيان سياسي مؤدلج في خاصرة المملكة، ويريد منها السماح بتدفق المال إليه، لاستخدامه في تنفيذ ما سميت بـ”المدونة” التي سوف تستخدم الوظيفة العامة لخدمة أجندات الجماعة ومشاريعها المستقبلية، بل ودعم أيدولوجيتها وعقيدتها التعبوية والقتالية، أقل ما يقال بصدده أنه صعب التنفيذ، أو أنه لن يستمر أن تم الشروع في تنفيذه لبعض الوقت.
(4)
لا يُعقل أن تدعم المملكة كياناً تراه خنجراً في خاصرتها، مهما كان برجماتيا أو نفعيا، طالما هو محكوم في نهاية المطاف بأيديولوجيته، وبعقيدة القتالية اللتان تقفان على الضد منها.. ما يحدث هو سياسة تستهدف نهب ما أمكن من الوقت، لينتهي هذا الكيان بأزماته الداخلية بالرهان على الوقت، أو بمستجدات خارجية تساعد على قلب المعادلة الراهنة لصالحها.
(5)
ما يدلل على سياسة نهب الوقت من جماعة سلطة صنعاء أن ما تم تحقيقه خلال قرابة العام على الصعيد الإنساني لا يستحق الذكر، إن لم يكن مدعاة للخجل، وفي المقابل لم تطرأ أي انفراجه حقيقية على معيشة المواطنين، بل لازال المواطن يغرق في معاناته اليومية دون أمل، وما يتم بعثه من مزاعم الانفراجات يتضح لاحقاً زيفها أو عدم جديتها، وتنتهي إلى مزيد من اليأس والإحباط والعبث بالوقت.
(6)
حتى مزاعم انفراجات الرواتب وغيرها، في حال صحتها تظل متواضعة جداً، وتعبر عن إخفاق أكثر من تعبيرها عن انتصار أو نجاح.. فإذا كان المفترض أن يتم إنجاز كلّما هو إنساني خلال أول هدنة، وجدنا أنفسنا على مشارف عام أخر دون إنجاز، وما هو عالق ظل أكبر، ويحتاج على هذا الإيقاع البطيء سنوات طوال، فما بالنا بغيره.
(7)
في موضوع المرتبات حتى وأن نجحت ابتداء بانتزاعها، فربما لا تنجح في استمرارها، فالتفاصيل كثيرة، والشياطين في التفاصيل أكثر، وكل تفصيل بإمكانه في أي وقت أن يتحول إلى عقبة تتيح التنصل عن دفعها، وزائد عليها بإمكان تحويل كل مستجد إلى طارئ يحول دون دفعها، ويوم الدولة بسنة، وقس عليها. والابتزاز السياسي، عليك أن تتوقعه في كل حين.
(8)
ربما تظل تعتقد أن الوقت لصالحك يوطد دويلتك، ثم لتنطلق منها في حربك القادمة بنفس تكتيك القديم خلال حروبك الستة الماضية، لتكبر وتتسع، غير أن هذا لم يعد وارداً في صراع الدول ولعبة المصالح المتضائل فيها، والأهم ما تم فقدانه من سمعة، وانكشاف التعاطي مع التقية التي أفقدت المواطنين الثقة بمصداقية ما تقول، وفقدان الحاضنة أيضا بعد سلسلة من الهزات والانكشافات المتوالية، وما ساد منها في وعي الناس إلى الحد الذي يجعلك محل عداوة لا محل ترحاب، وأبعد منك حاضنة، فلم يعد الأمس كاليوم.
(9)
إن كنت تعتقد أنك تغتنم الوقت وتستفيد منه لإعداد جيش مؤدلج عرمرم، قادر على تحقيق مناك في قادم الأيام، فاعلم إن غيرك بنى ولازال يبني جيوشاً مقابلة ومتعددة لتفكك اليمن من اليمن، وصنع هويات قاتلة تتكفل بتحقيق مشروع “كانت هنا يمن”. الوقت لن يسعفك طالما باتت لدى خصومك كثيرا مما هو متاح، وقتاً وفرصاً ومالاً وحاضنات.. وسيكتب التاريخ أنك كنت أول سبب لما سيحدث في النتيجة.
(10)
ما يحدث هل هو:
تفاهمات.. مشاورات.. محادثات.. مفاوضات!!
في كل حال حتى الأن لا نتائج ملموسة، بل نجده في الغالب مزيداً من التخدير للشعب، ونهب الوقت، لتكريس الأمر الواقع واستمرار التمزيق، واستمرار معاناة المواطنين إن لم يكن زيادتها.
والمخيف أن يكون خازوق آخر يجري استدراجنا إليه، بل هو كذلك مسنودا بخوازيق شتى أهمها خازوق المدونة الذي كشف ما كان مستور.. لعنة لن تستطيعوا الخلاص منها، وعار سيبقى يدينكم إلى نهاية التاريخ.. إنكم أحوج إلى البحث أيضا عن عدوكم الأول في هذه المدونة وما ماثلها.. هل هو الجهل والغباء المطبق أم غيره؟!
(11)
يبدو أن اهداف الحرب باتت تتشكل وتتحقق تباعاً، غير أن الجديد سيكون أتفاق جميع أطراف الحرب عليها، باستثناء شعبنا وأجياله، التي عليها أن تدفع الكلفة الأكثر فداحة من وحدتها ومستقبلها ومصالح اليمن العليا.. ربما في لحظة سنجد جميع أطراف الحرب دون استثناء ستعلن انتصارها في هذه الحرب، فيما الحقيقة تقول: الخسارة “كانت هنا يمن”
(12)
إذا كانت أطراف الحرب مازالت تراوح في مشاورات وتفاهمات تسير سير السلحفاة دون وجود أي نتائج تستحق الذكر، رغم مرور قرابة العام من إعلان أول هدنة، ولم نتعدَ بعد إلى مرحلة المفاوضات رغم اغتصاب هذا الاصطلاح، وأكثر منه غياب أي نتائج مهمة على الصعيد الإنساني، فما بالنا بغيرها من قضايا وطنية كبرى.
(13)
إذا كان كتاب “نظام التفاهة” تدور فكرته بأننا نعيش مرحلة تاريخية غير مسبوقة ساد فيها نظام أدّى إلى سيطرة التافهين على جميع المفاصل في نموذج الدولة الحديثة؛ فماذا سيقول علينا صاحبه، نحن الذين بتنا بلا دولة، وبسلطات تكتظ ليس فقط بالتافهين، ولكن أيضا بالفاسدين وأمراء الحرب والعصابات.
(14)
التشدد الذي كانوا يداروه ويبطنوه في الأمس، يظهرونه اليوم بفجاجة.. يريدون فرضه على ما طالت إليه سلطتهم، وفرض وعيهم وأحاديتهم على تنوع ثقافة شعبنا، وعلى اسلوب حياتنا.. فيما النساء الجائعات اللاتي يفترض إطعامهن ولا كأنهم معنيين بهن.
(15)
أسوأ ما جاءت به المدونة إنها لا تعيدنا فقط لأسوأ نسخة من النظام الإمامي الكهنوتي، بل وتحول الدولة إلى وظيفة تخدم أقل من القليل في الجماعة، وتحولنا من شعب يتوق إلى تحقيق الحرية والمواطنة إلى مجتمع يعيدنا إلى عهد الرقيق والأقنان، بصك المدونة الذي يتم إكراه موظفي الدولة والعاملين في جهازها الإداري على توقيعه.
وإذا كان أعدائكم وخصومكم يتحملون نصف المسؤولية عمّا حدث ويحدث لليمن، فأنكم لن تنجوا من تحميلكم النصف الأخر من مسؤولية تفكيك وتقسيم اليمن، واستهداف الجمهورية والثورة، والهوية، والمواطنة، والحريات العامة، وما تم تحقيقه خلال نضال الحركة الوطنية خلال أكثر من خمسين عام.
ما تقولوه عن مسؤولية أعداءكم فيما حدث ويحدث لليمن فيه نصف الحقيقة دون شك، وما يقوله خصومكم واعداءكم عنكم فيه أيضا النصف الأخر للحقيقة.. إن الحقيقة والتاريخ والواقع يشهدون بمسؤولية جميعكم دون استثناء.
(16)
الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد كانت مجرد إعلام وورق، ويبقى السؤال: متى نرى إرادة سياسية حقيقية في الواقع لمكافحة الفساد؟!! كل الحديث عن مكافحة الفساد يؤكد وجود وطغيان الفساد، ولا وجود البتة لمكافحته.. الخلاصة المؤكدة حتى الأن لا توجد أي إرادة سياسية أو حتى توجه جاد لمكافحة الفساد.
(17)
اكتبوا الأن..
لربما غداً يتم منعكم من الكتابة إن سارت الأمور على النحو الذي يريدون.
وبالتالي تتولى كل سلطة أمر واقع قمع معارضيها في المناطق الواقعة تحت سيطرتها؛ وذلك لتكريس مخرجات حربهم.