مذكرات
(2) ناسٌ يرَونَنا دُونَهم! أحمد سيف حاشد
مذكراتي.. بعض من تفاصيل حياتي.. ناسٌ يرَونَنا دُونَهم!
(2)
ناسٌ يرَونَنا دُونَهم!
أحمد سيف حاشد
كان أبي عاملا.. مُفنِّدا للجلود.. هي مهنةٌ مُحتقرَة عند البعضِ باعتبارها امتدادٌ لدِباغة الجلود.. مهنة مُحتقَرة عند من يتملَّكهم الخَوَاءُ و”العنطزه”، والّذين يعيشون على السّلبِ والنهب، والفساد في الأرض، وغير القادرين على فهمِ أنّ العملَ طالما كان مشروعا، وقيمة اجتماعية بل وشرفٌ عظيم؛ لأنّ صاحبه يأكلُ من كدِّه ومن عرق الجبين..
كان أبي يعمل في شركة (البِسْ) بعدن، يفنِّد الجلود، وهي الحرفةُ الّتي أعطاها الجزء الأهم من زهرة عُمره وريعان شبابه.. العمل بتفنيدِ الجلود له أضرارٌ صحية، ولكنْ يبدو أنّ أبي وهو يلتحق بالعمل في هذه الشركة قد آثر فرصة العمل على البِطالة، وأنفذ المثل القائل “غُبارُ العمل ولا زَعفُران البِطالة”.
بسبب الملح والجلود، والمواد الكيمائية المستخدمة أُصِيبَ أبي بضيق النّفَس، وسُعالٍ ليلي، رافقه حتى آخر أيام حياته..
خِلالُ أكثرِ من خمسين عاما من عمري، لم أكن أعرفُ أنّ هناك فئاتٍ سكانيةً، أو مجتمعيةً في اليمن تحتقرُ مِهنةَ دباغةِ الجُلود، والعاملين فيها، وتنظر إليهم نظرة دونية!.. كانت الفكرةُ الراسخةُ في ذهني أنّنا ننتمي إلى طبقة الفقراء فحسب، ولم أعلمْ أنّ هناك فئاتٍ سكانيةً، وبيئاتٍ قبليةً، وبدويةً، ترانا دونها إلّا في فترةٍ متأخرةٍ من حياتي.
أبي بدأ حياته المهنيةَ عاملا في “تفنيد الجلود”، وينتمي إلى الطبقة العاملة، أو قُلْ إنْ شِئتَ إلى أُسر ذوي الدّخلِ المحدود، وتُعتَبر هذه المهنةُ بوجهٍ ما ذاتَ صلةٍ وامتدادٍ لمهنة الدِّباغة.
في العهد الاشتراكي بجنوب اليمن، وجدت حمايةً قانونيةً، ونصوصا عقابيةً لمن يُعيِّرُ أو يحتقرُ، أو يسيءُ، إلى مواطنٍ بسبب انتمائه المهني، أو حتى الطبقي المتدنّي بقصد الاحتقار والإساءة، بلْ أذكرُ أنّ قانونَ العقوباتِ النافذَ وشروحاته، تقرِّرُ أنّه إذا وجَّه أحدٌ إساءةً بالغةً، أو استفزازا وتحقيرا شديدا إلى شخص، من شأنها أن تحدث لديه هياج نفسي شديد ومباشر، وارتكب من وُجِّهت إليه هذه الإساءةُ جريمةَ قتل، فلا يقاد القاتل به.
بهذا الصدد شروحاتُ قانونِ العقوباتِ الصادرِ عام 1976 تُعيد السببَ إلى أنّ فِعلَ القتلِ ارتُكِبَ من قبلِ الجاني في لحظةِ الهياج النفسي الشديد جرّاء الإساءة البالغة، وعلى نحوٍ أخرجتْ مُرتكبَ الفعلِ عن حالته الطبيعيةِ، ومن وعيه بتقدير أفعاله، تحت تأثير ذلك الهياج الذي تسبّب فيه المجني عليه.. وقد قيّد القانونُ القاضي بالحدِّ الأقصى لعقوبةِ الحبس بما لا يزيد عن خمس سنوات.
كما أنّ الثقافةَ والوعيَ السائدَ في الجنوبِ آنذاك، كان منحازا أيديولوجيَّا لصالح طبقات الفقراء، أو ما كان يسميهم طبقات العمال والفلاحين، وفئات الحرفيين والصيادين وغيرهم، أو من كان يعتبرهم إجمالا بـ “أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة”، بل وصل الأمر بهذا الوعي إلى الحدِّ الّذي جَعَلَنا نعتزُّ بهذا الانتماء، ونجلُّ فقرنا باعتزاز، ولم نشعرْ بأيّ انتقاصٍ يوما بسبب المهنة، أو تدنّي المستوى الاجتماعي لنا.
وأكثرُ من هذا، كانت توجدُ إجراءاتٌ اقتصادية، واهتمامٌ لافتٌ وبحماس فياض، يتم بذله من قبل السلطات نحو شريحة المهمشين، والعمل على رفع مستواهم الاقتصادي والتعليمي، والاجتماعي، وتم بذلُ محاولاتٍ كثيرةٍ ومتتابعةٍ؛ لإعادة دمجهم في المجتمع، ولاسيّما في عهدِ الرئيسِ سالم ربيع علي والمشهور بـ “سالمين”.
وكانت من الهُتافات الأخَّاذةِ والآسرةِ في ذلك الحين، التي سمعتها من قِبَلِ المهمّشين في أثناء دراستي الإعدادية في طور الباحة بسبعينات القرن المنصرم هتافٌ:
“سالمين قدام قدام ** سالمين ماحناش أخدام
سالمين عُمّال بلدية ** سالمين منشاش أذية “
وتمّ منعُ وصفِ أيِّ عامل بلدية بالخادم كما كان.
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي.
***.
صفحة احمد سيف حاشد على تويتر 2
حساب احمد سيف حاشد على الفيسبوك
صفحة احمد سيف حاشد على الفيسبوك
قناة احمد سيف حاشد على التليجرام
مجموعة احمد سيف حاشد على التليجرام
Ahmed Seif Hashed’s Facebook page