صباحك والشريم
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
اجتماع الشعر والموسيقى والصوت الجميل يصعد بك إلى رأس الهرم.. يطير بك إلى الأعال.. يحلّق بك في فساح السماء والفضاءات الواسعة.. يهذّبك ويرمم روحك ويغسلها من الأدران التي عِلقت بها.. يبث فيك الحياة وينتعش الجسد.. يُكثّف إحساسك بالحياة والجمال.. يشجي الوجدان، ويستحضر أرق وأرقى المشاعر.. يسبر أعماق النفس ومجاهلها، ويفتح أبواب الذاكرة والذكريات.. يطرب القلب وترقص الأصابع.. تحتدم الأشواق ويتماوج الحنين.. يسحرك ويأسرك إحساس الجمال الباذخ، ويرتقي بك إلى مملكة السماء، وينمي فيك الإنسان، ويجعلك تعيش لحظات خلودك.
قلت لنفسي:
– كل هذا ما يجب أن أستحضره معي، وأنا أطوف هذا الريف بما فيه من حياة سعيدة وتعيسة أعيش تفاصيله مرة ثانية.. أنتمي إليه وأعانق أهله الطيبين.. الفن يستعيد إنسانيتنا ووجودنا الذي نحبُّه.. الموسيقى ترحل بنا إلى العوالم التي نستكشفها وربما لا تتأتّى لنا دونها.. “بيتهوفن” أعتبر الموسيقى أنبل وحياً من الحكمة والفلسفة.. افلاطون رأى إنها تنقلنا إلى الخيال، وتلهمنا السحر.. “إميل سيوران” وجد في الموسيقى والشعر غيبوبتان متساميتان.. وآخر قال إن الأغنية الجميلة تحمل الروح إلى السماء.. أما “بابلو نيرودا” فوصف من لا يصغى إلى الموسيقى بالميت، فيما كارل ماركس أضفى على الفن والأدب شيئا من المقدس.. “كورت فونيجت” حثّنا أن نحتمي بالفن، ونجعل الروح به تنمو وتزدهر.. أحد المغنيين يرى إن كان ثمة تغيير نريد إحداثه في العالم فالطريقة الوحيدة هي الموسيقى.
***
ناسنا طيبين ومتسامحين ويحملون في حناياهم كثيراً من الحب، وما عليك إلا أن تصل إليهم، وتكتشفه بنفسك، وتجعل المقاربات وسيلة ممكنة للوصول حتى وإن وجدت أمامك السهل الممتنع، فما عليك إلا النزول، و الأخذ بيدهم إلى أعلى، بدلاً من أن تطلب منهم الصعود، وأنت مختالاً ومزهواً بنفسك في برجك العاجي.. كن سهلاً معهم، ومتواضعاً جماً، وصادقاً إلى أبعد الحدود، ولا تخاتل ولا تخادع ولا تتكبر، ولا تدع الغرور يمتطيك.
إن الوصول إلى وجدان الناس أحياناً يحتاج إلى شاعر وقصيدة وفنان ولحن يذكي الحياة، وإنعاش ما في أعماقهم من روح وجمال وأسرار آسرة في مكامنهم الطيبة.. حاكي كل ذلك لتكتشفه بنفسك، ومن القول الحسن، ما يكسر الحجر الصلد، ويعشب الصخر الأجرد.. في القصيدة والأغنية والصدق والتقدير ونبل المشاعر المترعة بالود تستطيع أن تصل إلى كل قرية، بل إلى وجدان كل شخص فيها.
أستاذي حسن محمد علي ـ أبو وائل القباطي ـ شاعر جميل، وروحه أجمل، وأنفاسه فيما يكتب تصل كالنسمة إلى الناس.. كلمته كأنفاس البحر تشق لها طريق في القيض والهجير، لتصل إلى الناس باردة ومنعشة وساحرة.
كلماته تلامس شغف القلوب، وأعماق الوجدان.. تصل إلى أعماق النفوس المتعبة في ريفنا، فتنعشها وتحييها، وتعيد إليها الأمل والحماس والعطاء.. قصيدته “صباحك والشريم” كانت خارطة الوصول إلى كل منطقة وقرية في دائرتي الانتخابية.
أرسلت بالقصيدة إلى صديقي محمد فريد في تعز وأنطتُ به المتابعة، ليسلمها للأخ الجميل الفنان ردمان القباطي، بحثاً عن لحن يليق، تمهيداً لتسجيلها و تعميمها في الدائرة.. خلال ثلاث أيام اكمل ردمان القباطي تلحين القصيدة على النحو الذي يروق.
أدهشني اللحن وأسرني إيقاعه.. لحن أجمل مما توقعت، وصوت مناسب ومناغم للحن، ليضيف تكامله وجماله على جمال القصيدة، ويكون فوق البهاء بهاء، وفوق الجمال جمالاً ورونقاً وروعة.
أبلغت محمد فريد وأنس دماج القباطي وردمان القباطي البحث عن “استيريو” لتسجيل الأغنية.. زاروا أكثر من “استيريو” في مدينة تعز لتسجيل الأغنية، غير أن “الاستيريوهات” طلبت مبالغ مالية خيالية قياساً بقدرتي المتواضعة جداً.. المبالغ التي طلبتها لا تقل عن 100 ألف ريال مقابل التسجيل والمونتاج وغيرها من الأمور الفنية، وأقل “استيريو” طلب 70 ألف ريال، كون مالكها تربطه علاقة احترام وتقدير بالفنان ردمان القباطي.
ابلغني محمد فريد أن أقل مبلغ وجده في السوق يطلب 70 ألف ريال ـ بعد المراعاة ـ وأنا مازلتُ في أول الطريق، والاحتياجات واللوازم لحملتي الانتخابية تكتظ وتزدحم.. هذا المبلغ ربما يهد حيلي، ويجعل الأمر مقارنة بقدرتي المالية متعذراً على ميزانيتي المرسومة، فأقل مبلغ وجدته هو أكثر من ضعف قدرتي القصوى التي تراوحت بين 20 إلى 25 ألف ريال على أعلى تقدير.
بدا لي الفارق بين الممكن والمستحيل أكثر من الضعف.. رغم أهمية ما أحتاجه إلا أن المتعذر كان عقبة كأداء تفوق حدود الممكن والمتاح، ولكن كما قالها “ديل كارنجي”: “عندما تعطيك الحياة سبباً لتيأس، اعطها ألف سبب للاستمرار، لا شيء أقوى من إرادة الإنسان على هذه الأرض”.
أخبرنا الفنان ردمان أن “العين بصيرة و اليد قصيرة” والمستحيل ما منه رجاء.. واقترحنا عليه أن يقوم بتسجيل الأغنية بمسجل لديه، رغم معرفتنا إن هذا سيكون على حساب جودة التسجيل.. تم الاتفاق على هذا، وهو ما هو متاح وممكن.
وفي صباح اليوم التالي، سمعتُ جزء من الأغنية في التلفون، ووجدتُ جودة الصوت مقبولة إجمالاً، على الأقل من وجهة نظرنا غير الفنية، وقياساً لذوق المستمع على النحو الذي نعرفه.
سافرتُ من صنعاء إلى تعز لاستلام التسجيل، والتقيتُ بمعية محمد فريد وعبده فريد وأنس دماج بالفنان ردمان القباطي، في منزله بحي مستشفى الثورة.. أتذكر تماماً ذلك اليوم.. كان ممطراً وجميلاً كفنانا الجميل.. سيول رقراقه تنساب وتغسل الأزقة والشوارع، ومطر يغسل الأسطح وواجهات البيوت والأبنية، وكأن السماء صارت تؤيدنا، وتبارك لنا الفوز مقدّماً، كان هذا قبل بدء مرحلة الدعاية الانتخابية بفترة وجيزة.
تم نسخ خمسين شريط “كاسيت” من الأغنية، ثم البدء بالتوزيع على المراكز الانتخابية مع بداية مرحلة الدعاية الانتخابية.. في كل زيارة للفريق الانتخابي لأي مركز كان يطلب منّا أشرطة كاسيت.. الإمكانية محدودة، والمال لدينا عزيز، والطلب على “الكاستات” كثير ومزدحم.. كان استاذنا القدير محمد عبد الرب ناجي ينجدنا بالمال بين الحين والآخر.. كل هذا، وكل هؤلاء كانوا يتظافرون لصنع مقومات النجاح والفوز القادم.
“صباحك و الشريم” هو عنوان الأغنية والقصيدة التي راجت كشذا عطر فواح مثيراً وجاذباً لم ينقطع عليه الإقبال والرواج.. حفظها عن ظهر قلب عدد غير قليل من الأطفال والنساء والرجال.. صباحك والشريم لم تنسِ ذكر منطقة إلا وأشارت إليها بما تستحق من التقدير والرفعة.
“صباحك والشريم” الجديد الذي راج وروّج لي في حملتي الانتخابية وأنجحها إلى حد كبير، وناوبتها أغنية أيوب طارش “يا حاملات الشريم”.. صدح وشجى صوت الفنان ردمان القباطي من على السيارات إبان الدعاية الانتخابية، وأعادتها مسجلات السيارات الذاهبات والآيبات، وظلت حاضرة في الوجدان والنفوس.. أزعم بثقة أنها كانت أحد الأسباب الهامة التي صنعت نجاحي وفوزي البهيج في تلك الانتخابات.
***
نص القصيدة
صباحك والشريم
للشاعر حسن محمد علي ـ أبو وائل القباطي
غناها الفنان الجميل والمحترم ردمان القباطي
يا “ظبي” يا “دعان” وشوكة “قنقنان” …. يا ساحة “التحرير” و”الياس” الكنان
و”الحصن” و”الصفراء” و”ضبرة موجــران” … رمز الشريم يا قلب “فحميم” ذات شــــــأن
والتجربـــــــة برهان والبرهـــان بــان … رمز الشريم تكريم لصوتك في الرهــان
***
يا اهل “النمش” و”النصر” و”حارات الكـرام” … و”السـحــــر” و”النبــوة” واجناح الحـمــام
رمز الشريم عازم وحــــاشدكـــم تمــام … ما جاوب الحــــــازم مع زاكي كـــــرام
***
“عيريم” لا تيـــــــأس وشــقك “أعتريـــــم” … معلـــــم “ثباب” و”القبـــــع” والرمز الشريم
صوت “الرزوق” مسبـوق والباري حكيم … والنوع في “الأيفــــــوع” مسقاها كريـــــم
نجح مشاريعك وصــــــــوت للشريــــم … يومـــــك مع الصندوق كما يوم التــــليم
***
يا “عشة” الشجعـان يا صـــــدر القـــــرون … يا “قلعــــة الكــــاذي” ويا “نــوح الركـــون”
صوت “الرمـــا” لعلع وصوتـــك لا يهون … عهــــد الشريم عهـدك وما ترضى نكون
من يخطئ التصــــويب يا غفل العيــون … او يخطئ التصـــــويت يا غبـن الدقــــون
***
يا علبة “الحــــد” يا “نخيـــــلة” إسلــمــــي … وإذا دعـــــا التصويت للجــاه إرزمــي
باقي “بقــــه” قالت عراصــم من دمـــــي … وجه الشريـــــم “ثوجـان” وماؤه زمزمـي
و”المحربي” مثـــــل “الجريدي” مقـــــدمي … و”الفرع” من “فرعين” والــــــوادي حمـــي
يا “نوبة القيبـــــع” ومحراس “الرجــــــع” … “نوبان” ما يرجــــع و”جـــــاعم” قد جمــــع
يا “الجازعي” اسمـــــع شريمك ما شرع … أصوات تتراجـــــع كـــافواه النصـــــــع
و”ادي السبد” مكـــــرع لأقلام الجـــــرع … يا غبن من ضيع شريمــــــــه في البرع
***
بكــــــر على الميعـاد والوعد الشروق …عهد الشريــــم عواد بالوعــــد الصـدوق
بين “العذيــــر” و “الرام” زخـــــات البروق … “وادي العقام” صمصام واليوم النطــــوق
يوم الزحام رأس “الفضارم” قد يفـــــوق … وجــــه “الشعابي” دام ميزان الحقــــــوق
***
زف يا “صبيــــــح” الحب وزع يا “شـرار” … حب “الجشيـــــر” لك يالهتاري حــار حـار
و”المدكشي الطيــــار” اصواته كثـــــــار … يا عاشق التصويت شريمــــك من شرار
تلقى الشريــــــم والصبح في كل الديار … حيا بكـــــــــل الناس ســـــــــلم دار دار
***
سلــــــــم على “الحمــــرة” وظل “الماتعي” … قيل مــــــــع الشبان إلعـــــــــب موزعي
والحب من بيسك ويا “قبلـــــــه” اسمعي … و”ادي الخميـــــس” واثق شريمه اصمعي
حب الشريــــم والأرض واحد فاجمعي … واليوم “غليــــــــــــبة وتبيــــــــــعة” معي
***
لا يشــــترى صوتي ولا يبتاع بــــمال … الـــــــمال مال الله والـــــــــمال الرجـــال
يا بو الشريم اقبل ويا ذاري تعـــــــال … الغرب “حسيــــــــمة” وفي الشرق النصال
أطراف بني “حمد” و”دخيــــــنة” قبــــــال … صوت الشريــــــــــم يعرف بأثمار الغلال
***
هذا “كتــــــــيم” غبش و”أيزوع” مبكرين … يأتوك من نجد “المعــــــــــاين” أجمعـــــين
فأصدق رعاك الله بالقول المبـــــــين … وأعبد وســــــم الله لا تنســــــــــــاه حين
الصدق للصـــــــــادق ذخيرة للسنين … صدق الشريـــــــم والأرض ميراثه متين
الزند “قبيـــــــــــــطة” و”اعبوسك” يمين … والختم صلى الله على الهـــــــادي الأمين
***