مذكرات

طيران بلا اجنحة .. هزّة وخرافة “محدث”

برلماني يمني

أحمد سيف حاشد

في أحد الأيام شعرنا بزلزال بعيد أو هزة أرضية خفيفة استمرت لثوانٍ قليلة، ولكني لم أحس بالهلع إلا بعد أن عرفتُ من أمّي أنه كان من الممكن أن يحدث الأسوأ، ويقع دارنا على بعضه، ويسقط السقف على رؤوسنا.

سألت أمّي: لماذا الله يزلزل الأرض؟!
فتجيب: إن الأرض على قرن ثور، فإن حرك الثور قرنه وقع الزلزال أو الهزّة الأرضية، وربما حلّت في الناس كارثة.

وحالما أسألها على ماذا يقف هذا الثور التي تقف الأرض على قرنه!! لا تجيب، وإن ألححت بالسؤال تجيب أنها لا تعلم..!

تلك الفجوة المعرفية في وعيي لم يردمها عدم الجواب، بل ظلّت عالقة في ذهني تكبر وتتسع، وظل السؤال يبحث عن جواب، وظل خيالي غير قادر على إكمال الصورة التي رسمتها الخرافة.

عندما تعلمتُ وقرأتُ تبددت من وعيي تلك الخرافة، وصارت لديّ محل ازدراء وسخرية، وعرفتُ أن العلم قادر على كشف كثير من الغوامض والأسرار، ولديه القدرة أن يجيب على كثير من الأسئلة، ويبحث في الفرضيات والنظريات، ويراكم المعرفة، وينمي الوعي، ويصل بنا إلى الحقائق التي نبحث عنها.

***

حياتنا حافلة ومثقلة بالخرافات والأوهام، وما هو عار من الصحة.. وعينا مقيّد بيقينيات تجافي ما هو علمي، وتؤدي إلى تشويه الوعي، وتصل بنا إلى نتائج غير صحيحه.. هناك مسلمات كثيرة لا وجود ولا أساس لها في الواقع، وكثير مما نظن ونعتقد يحتاج بحثاً ودراسةً للوصول إلى ما ينفيه أو يؤيده بالأدلة والبراهين، ولا بأس أن تم إرجاء ما هو عصي إلى المستقبل، فما هو مستحيل الكشف عنه اليوم لن يكون كذلك في المستقبل.

أحياناً نجدُ كثيراً من عواطفنا ووجدانياتنا تحتشد أو تُميل بجموحٍ كبيرٍ إلى تصديق ما يستقر لدينا من وهم وخيال، ونعتبره هو الحق، وهو الحقيقة، وفي المقابل نرفض ونخاصم ونطيح بمن يخالفنا أو يمسّنا أو يمسّها بنقدٍ أو جدل.

ندافع بكل ما أوتينا من قوة وعاطفة عمّا هو عار من الصحة، ونتمسك أحياناً بقناعات ليس لها أساس من علم أو معرفة، ولا نقبل إخضاعها للبحث فضلاً عن السؤال.

نحشدُ عواطفنا، ونتخندق مع قناعاتها وعصبوياتنا، ونستميت أو نموت دونها. أما المشككون بها، أو الذين وصلوا ببحثهم وعلمهم إلى قناعات غيرها تتصادم مع ما هو عام وسائد؛ فيمكن أن يودي أو يؤدّي بهؤلاء إلى ما لا يحمد عُقباه.

مخاطر ومحاذير يمكن أن تعرضّك إلى الموت أو الاعتقال والسجن، أو التراجع بإرغام عن تلك القناعات التي قمتَ بتأسيسها على علم ودراية وأدلة.. وتستطيع هنا أن تستعيد ذاكرة التاريخ الأسود للكنيسة في اوروبا مع كثير من العلماء والفلاسفة والمتنورين الذين تصادمت قناعاتهم وأفكارهم مع عقيدة وقناعات وأفكار الكنيسة، والذين أُحرقت كتبهم، وكان مصير كثير منهم الحرق والقتل والنهايات المؤسفة.

إن وعينا منكوب بفجوات معرفية كبيرة وهائلة، ونحتاج إلى وسائل معرفية وعلمية كثيرة ومتعددة للنجاة مما نعيشه من تخلف ورجعية وفقدان وافتقار.. بالعلم والمعرفة نحتاج إلى ردم ما امكن من الفجوات المعرفية القاتلة للمجتمعات والشعوب المتخلفه.

نحتاج إلى ما يمكن ردمه في فجوات هذا الوعي الذي يبتلعنا بفراغه وخزعبلاته.. نحتاج إلى إطلاق عنان العقل، وتحرير الوعي من الزيف والاستلاب والخرافة، والحيلولة دون اغتيال الحقيقة مهما كانت مرارتها.

***

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى