طيران بلا اجنحة .. “شرار” الذي نعشق لعنته..! “محدثة”
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
قريتنا كغيرها من القرى في وادي اسمه “شَرار”، بالقبيطة التي كانت مساحتها أكبر وأوسع مما هي عليه اليوم، وقضائها “الحجرية”، وهو وحدة إدارية تابعة لمحافظة تعز، تترامى في مدٍ كنّا نجهله.. مناطقنا كانت بعضها تتباين عن بعض لحناً ولهجة، ربما لانطوائها، ومحدودية التواصل والحركة بين أبناءها، وظروف أخرى لسنا بصدد معرفتها أو تفسيرها.
قرانا في شرار على عهد طفولتي كانت تمضغ فقرها كلّ يومٍ نهار وليل. الخبزُ الجاف مع الشاي، والحليب إن كثر.. العصيد و”الوَزِف” هي أهم وجباتنا التي اعتادت عليها بطوننا.. نهلك من سوء التغذية، فيما وجبة كتلك ربما هي من أبقتنا على قيدِ الحياة.. “الوزف” بروتين عالي الفائدة، له علينا جميل ومعروف كبير لا ينكره منّا إلّا من جَحَد.. كثيرون هم المدانون له بالبقاء والحياة!!
“شرار” ربما هو وادٍ أو محلّة أو قُرى متعبة على ضفتي الوادي المجرّف، والبيوت متناثرة على تخوم وظهور الجبال.. أجدادنا في جلّهم بنوا بيوتهم فيما ناسب وأعتلى على ظهر الجبال، ربما لأمان كان مفقود، وبيت الأبناء والأحفاد دونه، وبعضهم مال إلى حفاف الوادي أو قريبا منه.. في شرار مدرّجات تعتمد على المطر.. “شرار” دون جداول أو غيول، وربما بين حين وآخر يداهمه اليباس.. مدرجاتنا لطالما خذلها المطر في مواسم عديدة، وأحياناً يصيبها خذلان على خذلان.
“شرار” عندما ينقطع عليه المطر، تتم جباية المال من الحاجة والعوز لـ “صرّاف المطر”.. “شرار” لطالما خذلته المواسم وقلبت له الأقدار المجن. لكم خانه الحظ، وعاوده النكد، وتلاشى الرجاء بدد؛ فاستغاث بإعانة “نامة” مطر، من جبل “نامة” في محافظة “إب”، بعد يأس ويباس.
ربما هو وادٍ شَقِيّ كشقاء أبنائه.. يبحث عن مجدٍ وسطَ الحزنِ والسياسةِ، والخراب.. مملوءٌ بالفقر وأنفاس التمرد.. (شرار) كالشَّرق الّذي يبحث عن شروق، ومازال الشروق عنه محالاً أو بعيدا.. لا أدري لماذا كان اسم الوادي (شرار)، هل من شرشرة الوادي، أم من شرار النار، أم من بؤس حظ معجون بالتعاسة؟!
ثمّة حكاية تُروَى أنّه عاثرُ الحظّ وكثيرُ القنوع.. كم أنا من “شرار”!!
حكايته تقول: عندما قسَّم الله البساتين والحدائق على الوديان سأل (وادي شَرار) عمّا إذا كان يريد بستاناً أو حديقة، فأجابه إجابة قنوعة: (إن زاد وإلا ما أشتيش) فلم يزِدْ لوادي شرار بستان أو حديقة، أو هكذا جاء في الحكاية التي تم نقلها رداً على سؤال: لماذا شرار حظه جفاف من الغيول والبساتين..؟!
“شرار” لطالما عانى ضيقاً وحرماناً، وافتقر لحديقة أو بستان يستحق الذكر، وضاعف النزاف محنته وخيبته، وربما هو ليس بكل ذلك السوء، فإذا هطل المطر أخضر وأزهر وأزدهر.
(شرار) القَنُوع الذي يرى البعضُ أنّه خَذلَ رجاءنا قبل مجيئنا، ومازال قنوعاً إلى اليوم، ومازلنا نحن مسكونين بلعنة قناعته الّتي عشقناها، ولم نترك عشقها حتى وإن طوانا الجوع وبرئ عظمنا وسَقُم الجسد.. زهاد وعصاميون حتى الموت.
مازلنا بالقناعة نعتزُّ ونفتخر، ولم تجفُلْ هي عنّا ولم تنتهِ، وما زلنا مسكونين بالمثل: “القناعة كنز لا يفنى” القناعة كنزٌ يدوم.. “شرار” وادٍ وقرى، ومسقط رأسي الذي بتُّ لا أقوى على حمله، أو المساعدة في التخفيف عنه. “شرار” يشبهني أو أشبهه أو بعض من هذا وذاك.
***