مذكرات

(4) أنا ابن الدبّاغ .. الإنسان .. أحمد سيف حاشد

مذكراتي .. من تفاصيل حياتي .. أنا ابن الدبّاغ .. الإنسان

(4)

أنا ابن الدبّاغ .. الإنسان

أحمد سيف حاشد



بعد ما قاله لي صديقي حسين، وما كشفه لي رفيقي عبدالوهاب قطران عن معنى انتمائي وأمثالي في الثقافة والمخيال الشعبي، لدى بعض قبائل ومناطق اليمن، أو بعض المجتمعات المحلية فيها، وما يلحق صاحبها من الانتقاص والنظرة الدّونيّة، لم أخجلْ ولم أتخفِ ولم أحاول جبر ما بدا مكسورا، أو ستر ما انكشف، بل على العكس، دافعت عمّا أعتقد باعتزاز يليق، ولم أخشَ من معايرة، ولم أتحرّجْ من عمل والدي، أو من المهن التي ارتادها خلال تاريخ حياته، بل اعتززت بنفسي كثيرا، وبأبي الذي حفر في الصخر من أجلنا لنعيش بكرامة، واعتززت بانتمائي الذي استطاع أن يحجز له مكانا في الصخر الصّلد، وبتحدٍ مضاعف، ليكون وأكون كما يجب..

 

غيرَ أنَّ الأهم أنَّني لم أنجرْ إلى البحث عن عصبيةٍ صغيرةٍ مقابلة، تقتل أو تشوّه الإنسانَ الكبيرَ الَّذي يملاني، ويسكن وعيي، ويدأب إلى تحصيني من أي هشاشة تعتريني، ولم أتنازلْ عن الضابط الاخلاقي المنسجم مع هذا الإنسان الذي يسكنني، والإنسان الذي أبحث عنه خارجي، وخارج انتمائي..

 

لا يعني هذا أنَّني لا أقاوم، ولا أهاجم الاستصغار الذي يحيط بي، أو يحاول أن ينال منّا كشرائح وفئات مجتمعية من حقها أن تحظى بحقوقها كاملة، وأولها حق المواطنة.. ولم أبحث – يوما- عن انتماء آخر لا يليق بي كإنسان أولا..

 

أنا لست ابن السَّماء.. أنا ابن الدبَّاغ الّذي يثور على واقعه كلّ يوم دون أن يكلَّ أو يملّ أو يستسلم لغلبة.. ابن الدبَّاغ الذي لا يستسلم لأقداره، ولا ينوخ، وإن كانت البلايا بثقل الجبال الثقال.. ابن الدباغ المجالد الذي يعترك مع ما يبتليه، ويقاوم حتى النَّزعِ الأخير..

 

ابن الدبَّاغ الَّذي يتمرّد على مجتمعٍ لازال يقدَّس مستبديه.. ويقاوم سلطة لا تستحي عندما تدّعي.. سلطة تدعي العدل، وطغيانها أكبر من محيط… تتعالى بمنخريها على الوطن الكبير.. سلطة تخصخص المواطنة، وتوزع صكوك الغفران كما تريد، وتغيّب المساواة، وتنشر الفقر كالظلام الكثيف، وتحبس الحرية في محبس من حديد..

 

أنا أُجرّم القتل ولا استسهله، ولا أشرب الدم ولا أسفِكه، ولكنّي متهما بشرب الكحول.. أنا ابن لأبٍ لا يبيع الموت ولا يهديه، ولا يجعله مقاسا للرجولة أو معبرا للبطولة..

 

أبي صانعً الحلوى وبائعها، يأكل من كدِّه ومن عرق الجبين.. ينشر الفرح والطعم اللذيذ، ويرفض الحرب ونشر الخرائب..

 

   أنا ابن أبي، لم أبنِ مجدا على أكوام الجماجم، ولم أحتفِ يوما أو أفاخر باتساع المقابر، أو بطوابير النعوش الطويلة، ولم أطرب لركام الضحايا، ولم أضُخْ الكراهيَّة، وغلائلَ الحقدِ الدّفين..

 

***

 

أنا ابن أبي المُثقل بأحمال ثقال.. نكدُّ حد العي ونشقى.. من غبش إلى عشيّة.. لم نقِم الحزنَ يوما في مبيتٍ، أو نبيع وهما للضحية.. زيفوا الوعي بآلاف الخطب.. وأثقلوه بألف دس وفريّة..

 

روجّوا للدجل من أعلى المآذن.. أشعلوا النار ألف ونيف.. وأثقلوا الأرض بأحزان المياتم.. أطمعوهم بحور العين وأنهار من عسل وخمر.. وخبوا المكر تحت المعاطف واللحى.. وخبوا تحت العمائم ألف جلاد وليل.. نحن إن شربنا الكيف خلسة.. تسفح العين لألي.. وإلى الله نسافر..

 

أنا لا أفاخر بهندِ، ولا بمن تأكل الأكباد.. ولا أفاخر بنسبٍ أو قبيلة أو بقاتل.. لا أتسول التاريخ زادي، ولا أدّعي سلطانا وميراثا.. ولا أدعي حقا من قبل آدم وحواء، أو ما قبل الثريا..

 

أنا لست من ماءِ السَّماء، ولا أفاخر أني سليلٍ لعلي أو فاطمة.. أنا أبي الدباغ والفلاح، وبائع الحلوى أنشر البهجة والفرح.. أبي كابد الدهر وعانا، واقتات من عرق الجبين..

أنا لستُ الأنا المثقلةَ بذاتها وذواتها.. أنا أقذف الأنا في وجهِ المستبد غيرُ نادم، وأناضل لإزاحة الظُّلمِ الّذي أثقل كلًّ كاهل.. أنا الأنا الّتي تعتز وتفاخر، إنّها ليست من ماء السماء، وتقاوم من يراها، إنها جاءت من روث الحمير..

أنا الحالمُ ابن الأحبة.. أنتمي للحُلم الكبيرِ كبَر المجرَّة، بل كبَر هذا الكونِ الفسيح، الّذي يكسر المحابس ويسافر للبعيد، دون حدود أو منتهى.

 

يتبع..

***

موقع يمنات الاخباري

موقع برلماني يمني

صفحة احمد سيف حاشد على تويتر

صفحة احمد سيف حاشد على تويتر 2

حساب احمد سيف حاشد على الفيسبوك

صفحة احمد سيف حاشد على الفيسبوك

قناة احمد سيف حاشد على التليجرام

مجموعة احمد سيف حاشد على التليجرام

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى