نجاح وفشل مدوّي
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
قبل أن تستوطنني فكرة الترشح لعضوية البرلمان؛ كنتُ أعيش تجاذبات ومحل تنازع بين إقدام وإحجام وقد صرتُ أميل للأولى وتزداد قناعتي بها مع مضي الوقت.
كنت أحدث نفسي:
– ربما تفوت الفرصة من يدي، وتصبح فكرة شاردة وهاربة منّي، وأصير ألهث بعدها، وهي نافرة وكأنني الموت أركض بعدها، وهي تعدو وتسابق الريح، وقد صار لحاقي بها مُستصعباً، بل أكثر من مستحيل.. ربما تضيع منّي دون رجعة، بسبب ترددي إن طال، أو تراخيتُ في التقاط اللحظة التي إن ذهبتَ لن تعود.. يجب التقاطها لأنها لا تأتي إلا بندرة تشبه رؤية ليلة القدر.. الفرصة لن تدق على بابي مرتين.. إن تسرّبت من يدي ضاعت لحظتي التي أهدرتها، وقطعني الوقت الذي قالوا عنه “إن لم تقطعه قطعك”.. ولكنني غير جاهز، بل غير مستعد.. لا زال يلزمني الكثير.. لازال المفقود أكثر.. “الجنون” يحتاج إلى ضمار.. “الجنون” يحتاج إلى ضابط له عندما ينفلت من عقاله، ويشرد في التيه وحيداً.
ولكن الفرصة أيضاً تستحق المغامرة، طالما هي مسنودة بتحدي أخلاقي وحقوقي، بل هي فوق ذلك ممارسة لحق دستوري أصيل.. ماذا سيحدث إن أخفقتُ وأدركني الفشل؟! لا بأس.. حينها يكفيني شرف المحاولة.. حتى خسارتي سأتعلم منها.. من المهم أن أدعم منازعتي مع خجلي بمقولة: “من لا يحلم أن يكون جنرالاً فهو جندياً خاملاً، وأنا بطموح من لا يستسلم للهزيمة، وحتّى الهزيمة يمكن أن تحويلها إلى فرصة، والخيبة يمكن تحويلها من انكسار إلى محاولة في طريق النجاح، ويجب التعلم منها بسرعة حتّى في الانتقال إلى غيرها، ومحاولة إثبات الذات.. الطموح كما قال أوسكار وايلد: “الحل الأخير للتخلص من الفشل” يعجبني طموح المتنبي واعتزازه بنفسه وشعوره بعظمته، وهو المغامر حد بلغ به ادعاء النبوة، وهو القائل أيضاً:
“إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ.. فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ”
حتى وإن كان يقيني متيقناً من الفشل سأمضي دون رجعة.. سأجرب.. سأحاول.. الفشل أيضا قالوا عنه أنه خطوة في طريق النجاح، وقالوا: “ربما يكون خطوة جريئة نحو العظمة” يحضّنا وينصحنا مصطفى السباعي بقوله: “اتخذ من الفشل سُلّما للنجاح، ومن الهزيمة طريقاً الى النصر، ومن الفقر وسيلة الى الكفاح، ومن الآلام باباً الى الخلود، ومن الظلم حافزاً للتحرر، ومن القيد باعثاً على الانطلاق.” واحتمال الفشل كما قال آخر لا يشل إلا إرادة الرجل الضعيف. وأزعم أنّي معجون بالتحدي أو هذا ما يجب أن أكون عليه.
بهذا النفس خُضتُ المغامرة.. عزمتُ وقررتُ ومضيتُ في الطريق وغالبتُ المحبطات والكوابح كلها حتى ظفرتُ بالنجاح وانتصرت بروح وهامة مشرئبه.. سبحتُ ضد التيار ووصلتُ إلى مصب النهر.. ولكن ليس هذا كل شيء.
لقد نلتُ وطعمت لذاذة النجاح وفي المقابل تجرعتُ أيضاً في مناسبات أخرى مرارة الفشل، بل الفشل المضاعف والخيبة المدوية.. أذكر إحداها يوم حصلتُ أثناء ترشحي لنائب رئيس لجنة الحريات وحقوق الإنسان في مجلس النواب، ولم أحصل إلا على صوتي المذبوح دون سواه.. خسرتُ المنصب وكسبتُ نفسي وصرتُ حقوقياً بضمير إنسان، وبإصرار لا يعرف الاستسلام، وكان وما زال خير حصاد.
***