كتبوا عنه

غاب الكل في أحلك الأوقات.. أحمد سيف حاشد وصراع المرض

برلماني يمني

محمد المخلافي

في قرية شرار، بمديرية القبيطة في محافظة لحج اليمنية، وُلد أحمد سيف حاشد في مطلع ستينيات القرن الماضي. منذ صغره، عاش حياة قاسية مليئة بالعمل الشاق، حيث كان يساعد والدته في كل ما تعجز عنه.

كان يكنس البيت ويرعى الأغنام ويعمل في الأرض لتأمين لقمة العيش. ومع كل جهد، كانت صحته تتأثر، إذ أصيب بمرض الربو الذي كاد أن يسلبه حياته مرتين.

كان يقطع يوميًا مسافة تزيد عن عشرة كيلومترات إلى المدرسة، ويعود بنفس الطريق، وكأن كل خطوة يخطوها كانت اختبارًا لإرادته وصبره.

كانت تجربته في الدراسة في القسم الداخلي في عدن قاسية، حيث عانى من الجوع والعوز وسوء التغذية، مما زاد من صعوبة حياته.

لم يكن والده رحيمًا، بل كان يضربه كثيرًا، مما أضاف عبئًا إضافيًا على كاهله. كانت أيامه مليئة بالعمل الشاق، بدءًا من الفجر وحتى المساء، وأحيانًا حتى ساعات متأخرة من الليل. ومع ذلك، لم يستسلم لهذه الظروف، بل تمرد عليها، مقاومًا الظلم الذي كان يشعر به.

على الرغم من الصعوبات التي واجهها، استمر في كفاحه حتى تمكن من إنهاء دراسته الثانوية في عام 1979. أكمل دبلومًا في العلوم العسكرية من الكلية العسكرية في عدن، التي التحق بها من 1981 إلى 1983، مما يعكس تنوع اهتماماته وقدرته على التكيف مع مختلف المجالات.
حصل على درجة البكالوريوس في القانون من جامعة عدن، ليتوج مسيرته الأكاديمية بهذا الإنجاز المهم.

لم يتوقف عند هذا الحد، بل التحق بالمعهد العالي للقضاء، حيث قضى ثلاث سنوات في دراسة شاملة أهلته لمواجهة تحديات الحياة العملية.

بين عامي 1991 و1992، حصل على دبلوم دراسات عليا في السياسة الدولية من كلية التجارة بجامعة صنعاء، مما أضاف بعدًا جديدًا إلى معرفته القانونية.

تولى منصب رئيس المحكمة الابتدائية من 23 يوليو 1997 وحتى فبراير 2003، حيث ساهم في تحقيق العدالة في مجتمعه. منذ عام 2003، أصبح عضوًا في البرلمان، مما يعكس الثقة التي حظي بها من قبل المجتمع، ويعزز دوره كفاعل أساسي في الحياة السياسية.

عمل كمقرر للكتلة المستقلة، بالإضافة إلى كونه عضوًا في لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان، مما يدل على التزامه العميق بالقضايا الاجتماعية والسياسية.

تجسد مسيرته نموذجًا ملهمًا للإرادة والتصميم. فهو لم يقتصر على تحقيق طموحاته الأكاديمية فحسب، بل سعى أيضًا إلى ترك أثر إيجابي في مجتمعه من خلال الأدوار التي شغلها. إن كفاحه المستمر يعكس روحًا لا تعرف الاستسلام، ويحفز الآخرين على مواجهة التحديات بعزم وثبات.

ترأس ائتلاف “المستقلون من أجل التغيير” خلال الانتخابات الرئاسية والمحلية في عام 2006، حيث كان له دور فعال في تعزيز صوت المستقلين والمساهمة في خلق مناخ سياسي أكثر انفتاحًا. لم يقتصر نشاطه على الساحة السياسية فحسب، بل شارك أيضًا بنشاط في العديد من المبادرات الخاصة بحقوق الإنسان، وشارك في الفعاليات العامة التي شملت الاحتجاجات في صنعاء وتعز والضالع ولحج وعدن.

عبر زياراته الميدانية إلى السجون ومراكز الاحتجاز في عدة محافظات يمنية، سعى حاشد إلى كشف الجرائم والانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات.

كانت تقاريره التي قدمها إلى السلطات الرسمية مرآة تعكس معاناة السجناء، حيث وثق شهاداتهم في أماكن الاحتجاز غير القانونية. إن هذه الجهود لا تعكس فقط شجاعته، بل أيضًا التزامه الراسخ بتحقيق العدالة والمساءلة.

أسس وملك صحيفة “المستقلة” ودار “المستقلة” للطباعة والنشر، وناشر موقع “يمنات” الإخباري وصحيفة “يمنات” المطبوعة.

ألف كتابًا بعنوان “مجانين اليمن” الذي يضم حوارات شعبية تعكس تجارب وآراء المجتمع. كما أنجز دراسة موثقة بعنوان “الصراع السياسي في الإسلام المبكر”، والتي نشرت عام 1996. إضافةً إلى ذلك، ساهم في العديد من الدراسات والكتابات، سواء المنشورة أو غير المنشورة، وشارك في عدة ندوات وورش عمل، مما يعكس التزامه العميق بالبحث والمعرفة.

شغل منصب رئيس تحرير النشرة الإعلامية “القبيطة”، التي صدرت عن جمعية التعاون الخيري، من ديسمبر 2000 حتى إغلاقها من قبل وزارة الإعلام في أكتوبر 2004، بعد نشر 49 عددًا. خلال هذه الفترة، أظهر قدرته في إيصال صوت المجتمع المحلي والمساهمة في الحوار العام.

مؤخراً، ألّف كتاب “فضاء لا يتسع لطائر”، الذي يتألف من 689 صفحة، صدر عن الدار اليمنية للكتب والتراث في القاهرة عام 2024، وهو سيرة ذاتية وسرديات تحكي عن تفاصيل حياته.

في عام 2008، واجه دعوى قضائية من 11 عضوًا برلمانيًا، مما دفعه للسعي للحصول على حق اللجوء السياسي في سويسرا، حيث أقام لمدة ثمانية أشهر قبل أن يسحب طلبه ويعود إلى بلاده.

لم يكن هذا التحدي عائقًا، بل زاد من إصراره على المشاركة في الاحتجاجات الشعبية منذ 16 يناير 2011. وفي 6 مارس 2013، حصل على “درع التضحية” من المنظمة اليمنية لتعزيز النزاهة، وتم تكريمه من قبل الكونغرس الإسلامي الأمريكي تقديرًا لتضحياته في الدفاع عن الحقوق والحريات.

تُعكس إنجازاته مكانته المرموقة، حيث حصل على وسام التميز كواحد من أكثر الشخصيات تأثيرًا في مجال السلام من قبل المجلس الدولي لحقوق الإنسان في عام 2013. تم اختياره كسفير للنوايا الحسنة من بين أفضل 20 سفيرًا، تقديرًا لجهوده الإنسانية ومساهماته في تعزيز الشفافية والنزاهة.

كما حصل على المركز الثاني بين الشخصيات الوطنية الأكثر تأثيرًا في مكافحة الفساد وفقًا لاستطلاع أجرته منظمة أوتاد، وتم تسليط الضوء عليه في فيلم وثائقي من إنتاج منظمة الشفافية الدولية بعنوان “ثورة معلومات يقودها مشرّع يمني”، الذي يبرز دوره في الدفاع عن جرحى الثورة والمطالبة بحق المعلومات.

تُظهر مسيرته أنه ليس مجرد ناشط سياسي، بل هو رمز للجسارة والإصرار. حصل في عام 2007 على لقب “شخصية العام” من قبل صحيفة “اليمن تايمز”، وتُوّج بميدالية بيت الشعر من الدرجة الأولى من قبل بيت الشعر اليمني في 20 مارس 2013.

كما شارك في تأسيس “التحالف المدني من أجل ثورة الشباب” في 21 مارس 2011، وأسس “جبهة إنقاذ الثورة السلمية” في ديسمبر 2011. في الفترة من 2012 إلى 2013، دافع عن قضايا الجرحى من الاحتجاجات السلمية، وأسس حركة 20 مايو في عام 2017، حيث قادها في مواجهة القمع والاضطهاد من قبل سلطات الحوثيين في صنعاء من 2017 حتى 2024.

تعكس التحديات التي واجهها أهمية المثابرة في سبيل تحقيق العدالة والحرية. هو نموذج حي للناشط الذي يسعى إلى إحداث تغيير حقيقي في مجتمعه، مما يسلط الضوء على دور الأفراد في النضال من أجل حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

على مدار اثنين وعشرين عامًا، أصبح حاشد قدوة يُحتذى بها في الدفاع عن حقوق الشعب وحرياته. فهو رجل غيور على مصلحة وطنه، بعيدًا عن الصورة النمطية للنائب التقليدي. كان شعلة تمرد على الظلم والزيف، وسندًا للمظلومين. في مجلس النواب اليمني، وقف كقلب نابض بالحقيقة، لا يخشى قولها، ومضى في درب محفوف بالأشواك متمسكًا بمبادئه مهما كلفه الأمر.
بعد هذه الرحلة الطويلة، خرج من العمل والنضال بلا أرصدة أو ممتلكات، وتعيش عائلته اليوم في شقة إيجار.

ومع ذلك، يحتفظ بكرامته، لأنه اختار أن يظل وفيًا لقيمه ومبادئه. لكن قلبه المليء بالحب والنضال من أجل الحرية والحياة الكريمة لم يتحمل كل هذا الظلم المحيط بالوطن، مما أدى إلى إصابته بجلطة قلبية.

خضع لعملية جراحية في صنعاء، ثم نُقل على إثرها إلى القاهرة لاستكمال العلاج، إلا أن مرضه تفاقم بشكل حرج. اليوم، لا ينام إلا بجهاز تنفس اصطناعي، وهو بحاجة إلى عملية جراحية مكلفة في الخارج.

حاول بشتى الوسائل وطرق كل الأبواب من أجل الحصول على تأشيرة سفر للعلاج في الخارج، لكن لا جدوى من ذلك.

ما يثير الدهشة هو تجاهل الحكومة لحالة هذا المناضل، حتى وصل الأمر إلى تنظيم حملة تبرع من قبل رفيق دربه القاضي الشهم عبد الوهاب قطران لإنقاذ حياته. ومع ذلك، رفض حاشد فكرة تنظيم حملة التبرع، متشبثًا بمبادئه، مما يعكس عمق التزامه بالقضية التي ناضل من أجلها.

هذا المناضل الفذ، مستقل لا ينتمي إلى أي طرف، قدم تضحيات من أجل الصالح العام، واليوم يحتاج إلى مساعدة لإعادة صحته وقدرته على مواصلة نضاله من أجل الحرية والحياة الكريمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى