تغاريد غير مشفرة

من يومياتي في أمريكا .. أيام عشتها .. البحث عن مأوى

برلماني يمني

أحمد سيف حاشد

نيويورك مركز رأس المال.. شريان اقتصاد العالم.. معقل البورصات وعقد الصفقات.. شواهق غيمات وناطحات سحاب، وأنا فيها غريب أبحث عن مرقد.. الإيجار اشد سعيرا من نار جهنم.. الغرفة العرطة تحت القاع بإيجار يفوق خيال مرابينا، وانا عرطوط أعيتني الحيلة.

إن جد البحث وضرب الحظ معي وتم سداد الثلث؛ كيف أقضي الثلثين، وكيف أنجو من باقي الشهر؟! كيف أفعل بالثاني والثالث ومازال علاجي يحتاج لأشهر؟؟ لا مد ولا مدد ولا قرش أبيض.. أيامي سوداء ولا يوجد فيها من “يكلعني” أو يقضي عني الدين.

نيويورك لا يصطرف فيها أمثالي، ولا تقبل منهم “شاشقي وشندي” أو “بكره وبعدين”.. نحن شعب منكوب.. غنيمة حرب.. جهل ساد وفساد باذخ.. ضحايا حرب قذرة.. نحن من بلاد غنية تنهب ببشاعة.. يسكنها الفقراء.. جئنا منها وهي تموت مجاعة.. أنا مثل بلادي تنزف وتموت وحيدة.

في المثل الشعبي “كم الديك وكم مرقه”، وأنا كل “اللآت” في وجهي رصاص تفتت جمجمتي.. لا مرق ولا ديك ولا بيضة.. لم يبق لدي غير وجع ونزيف.. ماذا بقي لأعيش..؟؟ ماذا بقي لآكل؟؟

في نيويورك الثلثان أكلا ما بقي مني، والحسابة بتحسب.. أحدهم كتب يعايرني بحبات الرز، والآخر اتصل بي ولأني لم أتذكر اسمه قال ليذكرني بشخصه؛ أنا من كان يسوق اللحمة إلى حدرتك في عرس الأمس، فقطعت رجلاي من الورك حتى لا أحضر أفراح أو أعراس.

طفح الكيل وبلغ السيل زباه.. أفكار سوداء تناوشني.. تنهش رأسي المتعب.. مكر يستدرجني إلى أشراك وفخاخ.. حقول ألغام تشق طريقي بهمة ونشاط وتناديني لآتي، وتفرش لي سجاد أحمر لأعبر.

***

فكرت حتى ضاق التفكير بوجودي.. فكرت باستيفاء أجل واستعجال رحيل.. برقت فكرة في وجه الموت وهي البحث عن صديق ينقذني.. لذت بصديق يساوي ألف صديق، أسأله عن مأوى يأويني، وبعض كرامة أبحث عنها في بلاد الغربة.

صديقي هذا استثنائي بمعنى الكلمة.. قرأ طفحي ورسالة وجعي ومرارة حرفي.. صديقي هذا إنسان وصاحب نجدة.. زوجته بجانبه تحثه بهلع بالغ: “إلحقه”.. أدركه قبل أن يسبق سيف عذله.. قبل أن يرتكب حماقة.. قبل أن يقتل نفسه.

كم هي إنسانه هذه الزوجة.. هي لا تعرفني ولكنها قرأت ما بين سطوري.. ما أحوجنا في الضيق لإحساس يقرأ ما يجوس في الذهن ويجيش في النفس بلحظة فرق حرجة.. إنقاذ من رحيل موجع.. فاجعة في مخيال حس مرهف..لو كانت كل الزيجات تشبهها لكان العالم ينعم بخير وافر.

تصرخ في وجه صديقي: الحقه لا تتأخر.. لعل الموت يراوده هذه الساعة.. لعل الموت يدركه قبل النجدة.. اتصل صديقي يبشرني: طلبك موجود جاهز.. تعال من الآن.

صديقي هذا لا أجروا حتى الأن أن أكتب أسمه، خوفا عليه وخوف على علاقة يفسدها الأشرار وشهود الزور.. هدام غلب بناة مدينة، و “مخرب غلب ألف عمار”.

***

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى