مذكرات

نجاح مقطوع بتلفون

برلماني يمني

أحمد سيف حاشد

في مطلع العام 2001 توليتُ رئاسة تحرير نشرة “القبيطة” وحتى أكتوبر 2004 كانت بمقام صحيفة تصدر شهرياً وتتطلع إلى أن تكون مجلة، لاسيما بعد أن وصلت صفحاتها إلى 40 صفحة، غير أن الحلم لم يكتمل في واقع شديد البؤس وثقيل الوطأة، ومع ذلك لا أبئس وأثقل مما نعيشه اليوم إن لم يكن لا مجال للمقارنة.

لم تتوقف هذه النشرة بسبب فشل في التمويل أو تراجع بالأداء أو انعدام القدرة، ولكن تم ايقافها بتوجيه تلفوني من جهة عليا إلى وزارة الإعلام.. تم إيقاف “القبيطة” النشرة “الصحيفة” في شهر أكتوبر 2004 بعد صدور 49 عدد منها.. كانت منتظمة في صدورها الشهري خلال عمرها الذي دام.. لم يحدث أن تخلفت عن الإصدار خلال تلك الفترة من عمرها غير مرة واحدة.

بدأت طبعتها الأولى بألف نسخة، ثم تجاوزت الثمانية الألف، ثم الثمانية عشر ألف نسخة، لتبلغ في آخر عدد منها، وهو العدد (49) 28 ألف نسخة، ثم أردنا طبعة إضافية عشرة ألف نسخة أخرى من نفس العدد، غير أننا تفاجئنا بتوجيهات مباشرة من وزارة الإعلام بإيقافها، حيث أبلغت وزارة الإعلام مطبعة سيف بن ذي يزن ومالكها عبده الغنامي التي طلبنا منها الطبعة الاضافيةـ بإيقاف طباعة “القبيطة”، وتحميل إدارة المطبعة المسؤولية في حال عدم الالتزام بالتوجيه.

أحسستُ يومها بقهر ساحق.. بظلم ثقيل وشديد.. بحلم كبير يتبدد.. شعرتُ آنذاك أن السلطة تعادي النجاح وتستهدفه، لاسيما إن كان هذا النجاح في الجانب الإعلامي المستقل، والغير مرتهن لها وأدواتها.. كل مراهنات السلطة على افشال الدعم المالي فشل، وصبرها نفد، وحيلتها ومن والاها في افشالها قد خاب، ولم يبق إلا المجاهرة بالاعتساف، وإيقافها حتى دون السماع لنا، ورفض أي التماس، وقطع أي طريق أو محاولة لإعادتها أو السماح لأي مراجعة بشأنها.. قالوا: “رفعت الأقلام وجفت الصحف”.

***

كانت “القبيطة” النشرة ـ الصحيفة ـ تؤسس دون دراية لنموذج جديد أو مدرسة جديدة في الصحافة اليمنية.. صحيفة شعبية عرفنا فيما بعد أنها تنتمي إلى صحافة واسعة الانتشار موجودة في دول أخرى متقدمة، فيما آخرون رأوا أنها تنتمي إلى صحافة المجتمعات المحلية.

في ذلك الوقت الباكر أسسنا موقع للجمعية على شبكة الإنترنت، وكان يتم قراءة الصحيفة أيضا على شبكة (الانترنت) ونتلقى رسائل وملاحظات من غير اليمنيين، حتى ان مكتبة جامعة أمريكية طلبت نسخ من اعدادها، وارسلنا لها نسخة من كل إصدار، وزارنا إلى مقر الجمعية في صنعاء مسئول المكتبة، واندهشنا لهذا القدر من اهتمامهم وتوثيقهم لنشرة جمعية بدت لنا يومها إنها بالنسبة لهم هامشية، وبعيده عنهم في أقاصي الأرض.

كنّا نبحثُ عن النجاح على نحو حثيث ومستمر.. نتابع التفاصيل، ونستمع إلى رجع الصدى سلباً وإيجاباً لكل عدد يصدر منها.. نعيد النظر والتقييم بين الحين والآخر، على ضوء ما نتلقى من النقد والملاحظات.

نتابع توزيعها، ونحرص على وصولها إلى كل ما أمكن من المدن والأرياف والأطراف.. نبعث بأعداد منها إلى بعض أهلنا وداعمي الجمعية في الغربة.. نوزع أعداد مجانية لبعض الجمعيات والمنظمات والسفارات والوزارات والشخصيات والوجاهات الاجتماعية وبعض المرافق والمؤسسات العامة والخاصة.

أستحدثنا في بعض أعدادها صفحات باللغة الإنجليزية.. نشرنا استبيانات عدة على صفحاتها نستطلع فيها أراء القراء في كل صفحة فيها.. نكلّف من يقوم بأخذ عينات عشوائية، في إطار دراسة ميدانية لاستطلاع أراء الناس حولها.. نهتم بما نتلقى من أراء القراء بشأنها.. نسمح بانتقادها وابدأ الرأي المخالف فيها.. ندأب إلى سد الثغرات، ونعمل على تجاوز الأخطاء والهنّات، التي تظهر بين الحين والآخر هنا أو هناك.

في عام 2002 تقدم مشير عبد القوي العثماني بدراسة بحثية إلى جامعة صنعاء، أشرف عليها الدكتور طه الفسيل، نشرنا موجزها في العدد (20) مايو 2002 خلصت نتائجها على ضوء عينات البحث في نطاق أبناء المديرية أن 93.75% ممن شملهم البحث يعرفون الجمعية، وأن “القبيطة” ـ الصحيفة ـ يقرأها 81% فيما 5% يسمعون بها، وعن تقييمهم لها راء 54% أنها ممتازة، 34% جيدة جداً، 12% جيدة، و45% يعجبهم الإخراج، 51% تعجبهم المواضيع وتنوعها، 4% تجذبهم الصحيفة من كل الجوانب. فيما 67% عرفوا الجمعية عن طريق صحيفتها، وهو مؤشر كما قالت الدراسة على أهمية النشاط الإعلامي الناجح للجمعية من خلال صحيفتها. فيما 33% عرفوا الجمعية عبر توزيع التمور وملابس العيد في القرى.

اعتمدنا على الشفافية في نشر التبرعات والاشتراكات والمداخيل والمصرفات الخاصة بالصحيفة والجمعية.. الشفافية حمتنا إلى حد كبير من النيل بالتشكيك والادعاء.. نزاهة القائمين على الصحيفة والجمعية كانت سلاحنا الامضاء في مواجهة كل الاشاعات المغرضة، والتقولات التي كانت سرعان ما يتم تبدديها بنشر ما يكذبها.

جعلنا من صحيفة الجمعية أو نشرتها غير مقتصرة على حال الجمعية أو أعضاءها أو أبناء مديريتها، بل عمدنا إلى أن تكون لسان حال الخير ومنبره في اليمن.. عمدنا إلى نشر أخبار الجمعيات الخيرية وما يأتي منها من أخبار وأنشطه، ونعلن لنشراتها الخاصة، ونغطي ما استطعنا من أخبار عامة، وما نراه لافتا أو هاما في الشأن العام.

***

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى