مذكرات

(7) موسكو مدينة عظيمة.. أحمد سيف حاشد

مذكراتي .. من تفاصيل حياتي .. النهر والمترو

(7)

 موسكو مدينة عظيمة

أحمد سيف حاشد

موقع برلماني يمني:

موسكو التي كانت عاصمة للاتحاد السوفيتي، صارت اليوم عاصمة للاتحاد الروسي.. مدينة عريقة يقارب عمرها الألف العام.. يا له من مجد مؤثل بجلالة المهاب الضارب في القرون، والعابر للألفية.. لا نملك في حضورها إلا الانحناء لعظمتها وجمالها وجلالة قدرها.. موسكو عظيمة جغرافيا وتاريخ وحضارة.. أكبر مدينه في اوروبا كلها.. كيف لا ننحني لعاصمة ومدينة تصنع التاريخ والحضارة.. موسكو الولادة لعظماء كبار..!

أول مرة أشاهد مدينة يجتمع فيها إرث عمراني يمتد بتاريخ ألف عام، ويلتقي بما هو جديد معاصر وحديث؛ ليجمع حلة من الأصالة والمعاصرة والخلود.. ثم يجتمع هذا وذاك مع نهر جاري وعميق، يضفي عليهما جمالا مضاعفا، ليغدو الجمال في ذروته، باذخا يأسر الروح والوجدان والذاكرة.. روعة على روعة، وجمال على جمال، واستمتاع في مداه الذي لا ينتهي..

سفن وبواخر وعبّارات.. وسائل نقل متنوعة وسياحة نهرية نشطة، ومن النهر تأسرك ضفتيه منذ الوهلة الأولى.. تمنيت حينها أن أعبر طولا ذلك النهر؛ لأرى المدينة ذات اليمين وذات الشمال؛ ولأستمتع في جمال لا يُنسى مهما تقادم عليك الزمن، وقد تملكتك الدهشة بعمق بلا قرار، واقتحمت زحام الجمال وغمرته.. ولكن كان الأسف أكبر.. برنامج الرحلة المزدحم حرمنا من متعة كهذه، وشعرنا بالحزن لهذا السهو أو الإغفال من قبل واضعوا برنامج الزيارة..

كل يوم تمضي في موسكو تكتشف ما هو جليل وعظيم.. كثافة لا تستطيع عبورها في عجالة أو أيام قليلة.. لقد كان لنهر “موسكوفا” الفضل الأول في تأسيس “موسكو” المدينة على ضفتيه، حتى أنها سميت باسمه..  إنه نهر “موسكوفا” الذي يجري بطول يصل إلى500 كيلومتر تقريبا..

***

كل يوم يمضي ترى في موسكو ما يذهلك.. وما تحت المدينة ألف معجزة ودهشة عن تللك التي فوقها.. عالم خرافي أشاهده لأول مرة.. أذهلتني شبكة أنفاق “المترو” والمواصلات السريعة تحت الأرض.. شبكة أنفاق ربما كان طولها في ذلك العهد بحدود الـ 200 كيلو متر، واليوم صارت تفوق 300 كيلو متر.. هذه الشبكة وجدت بعمق يزيد عن الـ 70 متر، وربما يصل بعضها اليوم إلى عمق 300 متر.. عدد من يرتادها يوميا كان يصل إلى الأربعة مليون راكب، أما اليوم فيقارب السبعة مليون أو يزيد..

هنا تداهمك الأسئلة: من صنع كل هذا؟! وكيف حدث؟! وكيف تم التحايل على الماء تحت طبقات الأرض العليا، والممتد بذلك العمق؟!! ولماذا ماء النهر العميق لا يتسرب إلى شبكة الأنفاق؟! بل كيف تم صناعة كل هذا العجب الذي تشعر وأنت في غمرته بذهول يستقر في عمق وعيك، ويمتد بتذكاره ما يستغرق عمرك كله؟! كل ما هو تحت المدينة لا يعني لي إلا معجزة من معجزات الزمن، صنعها شعب عظيم..

كل الرحلة كانت نفقاتها مغطاة.. ولدينا أيضا مصروف جيب 300 دولار لكل منّا.. هذا المبلغ في ذلك العهد بدا لنا كبيرا جدا، لاسيما عندما تم تحويلة من الدولار إلى العملة الروسية “الروبل” في السوق السوداء.. كما أن الأسعار في موسكو كانت رخيصة أو رخيصة جدا، وكثير من السلع والضروريات الرئيسية مدعومة من قبل الدولة.. أما المواصلات في “المترو” فرخيصة جدا.. وما علمناه أن موسكو كانت في تلك الحقبة من العواصم القليلة الأكثر رخصا في العالم..

***

اشتريت وآخرين بعض الهدايا لبعض العاملات في الفندق.. موظفات الفندق مسكونات بالبراءة والطيبة، ومغمورات بالبساطة ويحتفن بالغريب، ويبدين نحوه كثير مع الود والاهتمام، ويعمدان إلى تبديد وحشته.. تستطيع أن ترى الفرح يشع من وجوهن، وأنت تهديهن ما تواضع، ولكنه في عيونهن كان كثير..

إنها عيون أعادتني إلى عهد المرحلة الثانوية وأنا أدرس قصيدة الناقد والروائي والشاعر الفرنسي “لويس أرجوان” التي يتغزل فيها بعيون زوجته وحبيبه وملهمته الروسية التي اسمها “إلزا” والتي اطلق اسمها على ديوانه الشعري، وفيه قصيدة بعنوان الديوان “عيون إلزا” جاء فيها:

عيناك من شدة عمقهما رأيت فيهما وأنا أنحني لأشرب

كل الشموس تنعكس

كل اليائسين يلقون فيها بأنفسهم حتى الموت

عيناك من شدة عمقهما.. أني أضعت فيهما ذاكرتي

ثم يقول:

“قليلة جداً رقعة السماوات لملايين النجوم

كانت تلزمهما عيناك وسحرهما التوأمان”

غير أن المفاجأة بالنسبة لي أن أحدى موظفات الفندق ورفيقتها لا يعرفن شيئا عن اليمن، بل ولا يعرفن شيئا حتى على موقع اليمن في الخارطة لا جنوبه ولا شماله.. شيئا بالنسبة لي كان محل ذهول.. لماذا نحن نتابع كثير من تفاصيل العالم بما فيها تفاصيلهم، فيما هم أقل اكتراثا وأقل اهتماما بنا..

لقد كنت أتابع كثير من الأخبار والأحداث في كل العالم، وعمري لم يتجاوز بعد 18 عاما.. كما كنت أتابع تفاصيل أخبار التضامن الأممي، والمنظومة الاشتراكية، والعالم الرأسمالي، وقبل ذلك حركة التحرر الوطني، في أسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية..

وأكثر من هذا درسنا في الكلية العسكرية تاريخ الحركة العمالية العالمية.. كما قرأت شيئا عن الأدباء الروس الكبار دستويفسكي وغوركي وتولستوي وتشيخوف.. ومنظرين روس مثل لينين وبوخارين وتروتسكي ؛ وبقي السؤال: لماذا لا يعرفن شيئا هنّ عن بلدنا؟! هل الأمر مقتصر على المرأتين أم هناك الكثير..!!

على إثر ذلك اللقاء خلت في أول الأمر أن الجميع يجهلون كل شيء عن اليمن، ولكن تبدد ذلك أو بعضه أثناء بعض اللقاءات التي كانت تتم بشكل رسمي مع بعض المسؤولين الروس، أو بالكلمات التي كانت تتم ونحن محلقين في فضاء من مشاعر الود والصداقة بعد وجبات العشاء..

كانوا يتحدثون عن اليمن الديمقراطية بود كبير وتقدير بالغ، ويتحدثون أكثر عن صداقة اليمن الديمقراطية بالاتحاد السوفيتي، وعن التضامن الأممي.. وكنّا نحن أيضا نتحدث عن إعجابنا بالاتحاد السوفيتي وبالصداقة وبالمساعدة والمساندة التي يقدمها لليمن الديمقراطية، ونتحدث عن صداقة الشعوب والنظام الاشتراكي والتضامن الأممي، ودمامة النظام الرأسمالي والرجعية المتخلفة المساندة له..

 

***

يتبع ..

موقع يمنات الاخباري

موقع برلماني يمني

صفحة أحمد سيف حاشد على تويتر

صفحة أحمد سيف حاشد على تويتر 2

حساب أحمد سيف حاشد على الفيسبوك

صفحة أحمد سيف حاشد على الفيسبوك

قناة أحمد سيف حاشد على التليجرام

مجموعة أحمد سيف حاشد على التليجرام

أحمد سيف حاشد هاشم

 

“Yemenat” news site

MP Ahmed Seif Hashed’s websit

Ahmed Seif Hashed “Twitter”

Ahmed Seif Hashed “Twitter”

Ahmed Seif Hashed “Facebook”

Ahmed Seif Hashed’s Facebook page

Ahmed Seif Hashed

Ahmed Seif Hashed channel on telegram

Ahmed Seif Hashed group on telegram

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى