مذكرات

أنا وبعض من بداية

برلماني يمني

أحمد سيف حاشد

حالم إلى درجة الاصطدام بما هو واقع وثقيل، بل وأيضاً مع ما هو مستحيل على التغيير في المدى المنظور أو القريب، أو مستصعبا حتى على المدى البعيد. 

ربما أذهب حد بلوغ الاستغراق في الخيال، والطوباوية الممكنة، أو حتى غير الممكنة المصادمة للواقع، وأكثر من ذلك السباحة التي أعتدتها ضد التيار، مُؤثرا المعاناة والحياة الصعبة والمراغمة على ما أريد، وعلى الضد من السكينة الشخصية والعيش الهنيء، وأحياناً تتسلل الأنانية إلى وجودي، أو تداهم حياتي بعد إنهاك ومكابدة فأجد اقداري التي أرفضها تنقذني من أنانيتي، وفي الحالين أدفع كلفة باهضة حد الإعياء والنزيف.

أنزع أو أميل للإضافة والتجديد والتحديث المستمر.. أنتمي للابتكار وما هو مبدع وخلاق وجديد وقبل ذلك إلى ما هو إنساني.. منحاز للمستقبل الأكثر عدلاً ورحابة وضميراً، مهما كان هذا المستقبل بعيداً، أو مستحيلاً في المدى المنظور أو القريب.

وفي المقابل لا أرتاح، ولا أجد نفسي في الماضي إلا لماماً، بل أجد نفسي أكثر في التصدي والمواجهة له، لاسيما فيما هو رديء ومظلم.. لا أميل ولا أرتاح للجمود والرتابة والتكرار والاعتياد والإغراق في الماضي الثقيل، بل أجد نفسي متخففاً من أثقاله إلى حد بعيد، وربما عشتُ مع نفسي لحظات قد تطول من الصراع المحتدم بين القديم والمعاصر، حتى ينتهي الحال بي إلى الانتصار للجديد والمعاصر، وحالما أجد في المعاصر ما يستلب الوعي، ويغالب إرادتي الحرة، ويتصادم مع ضميري، أحاول أن أتجاوزه إلى ما هو أكثر إشراقاً وإنسانية أو تجدداً وحداثة، أو بالأحرى أكثر ميلاً وانحيازاً للعدالة والضمير والمستقبل الحالم الذي أنشده.  

أثابر على المحاولة لصنع النموذج الأفضل والمختلف، ومحاكات ما هو جديد ومبدع، والحضور الكثيف لضميري القلق، واستلهام الإبداع من الممارسة لا من التنظير الكليل.. أحاول استفيد من عثراتي وإخفاقاتي وأخطائي التي أرتكبها، واعتقد أن لي في حسن النية شفاعة، وفي دأبي لتصحيحها شفاعتين.. أعيد النظر بين الحين والآخر في العمل والأداء والمواقف والأشخاص كلما وجدتُ ذلك ضروريا. 

أما النجاح فلا أصنعه وحدي، بل يكون مردّه في المقام الأول لغيري ممن هم حولي، أو داعمين ومساندين لي، ما كنت لأنجح من دونهم، وهم من لهم الفضل الأول في ممارسة وجودي على النحو الذي أروم أو نروم، وبما نحققه معا من نجاح وإنجاز.

هذا ما استشعرتُ به في محطات مختلفة من حياتي منها على سبيل المثال لا الحصر الجمعية الخيرية التي أنا بصد الحديث عنها، ثم منظمة التغيير للحقوق والحريات، ثم جبهة إنقاذ الثورة، ونحو ذلك، وعندما يخذلني الواقع، أو يكون أكبر مني، أو تكون الظروف شديدة المعاكسة والتعقيد، والحال بائس، والرياح تجري بقوة بعكس ما أريد؛ أغادر أو لا استسلم، وأظل أحاول وأفاضل وأدرس الخيارات المتاحة والبدائل أو البحث عن فرص أخرى، دون أن أسقط أو أرتمي في الوحول أو أغوص في المستنقعات.. أستمر بالمحاولة والتجريب وربّما أبحث عمّن يساعدني أو يأخذ بيدي لانتزاع فرصتي مرة أخرى، أو أطرق باباً متاحاً للنجاح وتحقيق إنجاز ما أروم.

***

جمعية التعاون الخيرية لمديرية “القبيطة” كانت هي الجمعية المتميزة خلال عهد خلى، والتي بدأ لها الإعداد باكراً، ليستغرق قرابة العشرة أشهر قبل التأسيس، حيث بدأت بمشاورات ولقاءات من مستهل شهر مارس 2000 إن لم يكن قبل هذا التاريخ، وحتّى تأسيسها في ديسمبر من نفس العام.

وبحسب تصوري، كانت تلك الجمعية المتميزة هي الأولى التي كَسَرَت النموذج الرتيب والمعتاد في تأسيس الجمعيات الخيرية، وخرجت عما هو قائم من تقليد واعتياد، ولاسيما من حيث التمثيل، والتشكيل، والأسس، والنظام الداخلي والأهداف وجوانب من نشاطها المتسع.. 

لقد أتاح لي وجودي برئاسة لجنة الوثائق من إعداد مشروع النظام الداخلي وبرنامج الجمعية مع آخرين من رفقتي، وبعض المساندين والداعمين للفرصة والنجاح والإنجاز.

كانت تجربة مميزة جداً، حيث كان نظام الجمعية يعتمد على التمثيل بحسب الكثافة السكانية. هيئتها الإدارية تتكون من خمسة عشر عضواً، ستة مقاعد مخصصة لعزلة “اليوسفيين” وأربعة لعزلة “القبيطة”، وثلاثة لعزلة “كرش” واثنين لعزلة الهجر هدلان. إلا أن أصغر عزلة أو مركز فيها من حيث السكان، يمكن لأعضائها أو ممثليها مجتمعين في الهيئة الإدارية أن يستخدموا ما يشبه حق “الفيتو” في قرارات الهيئة الإدارية.

كان مثلاً خروج ممثلي مركز “الهجر” الاثنين أو ممثلي “كرش” الثلاثة من الهيئة الإدارية التي قوامها 15 عضو، استنادا لعقد التأسيس أو وثائق الجمعية، يمكنه أن يضع حد لاستمرارها، وهي ضمانة تمنع استبداد الأكثرية على الأقلية، وتمنع الاستحواذ والسيطرة المناطقية على الجمعية، وتمنع من شعور الأقلية بالغبن، بل وتشعر ابناءها المنتميين لتلك العزل الأقل كثافة سكانية، من خلال ممثليها أنها مشاركة في صنع كل قرارات هيئتها الإدارية، من ألفها إلى ياءها، وأكثر من ذلك وضمانا لعدم الانقلاب على هذه المخرجات تم ربط أي تغيير في النظام الداخلي بأغلبية خاصة ومن خلال الجمعية العمومية لا غيرها.

أظن أني نافحت كثيراً من أجل هذا، والدفاع عنه، قبل التأسيس وبعد التأسيس، وكان لبعض رفقتي وبعض وجاهات المديرية، دوراً في الإقناع قبل التأسيس، وتشريعه عبر الجمعية العمومية أثناء التأسيس، والثبات عليه لاحقاً من خلال وجودنا في الهيئة الإدارية والتنفيذية للجمعية.

***

يتبع ..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى