مذكرات

(4) استجداد وتعرّي !.. أحمد سيف حاشد

مذكراتي .. بعض من تفاصيل حياتي

(4)

استجداد وتعرّي!

أحمد سيف حاشد

كانت فترة (الإستجداد) خمسة وأربعين يوما، يبدأ احتسابها من يوم الالتحاق بالكلية، وهي فترة ثقيلة وشديدة على الطالب، ويعطي عبورها مؤشرا أوليا على قدرة الطالب، واستعداده اللاحق على تجاوز ما بعدها من مراحل.. كان عدد غير قليل من الطلاب، يتسربون أو يهربون خلال فترة الاستجداد، عندما لا يستطيعون اتمامها بسبب شدّتها وغلظتها وضغوطها..

 

كان يتم قبول عدد أكبر مما يتعين قبوله في الدفعة، أو بالأحرى على نحو يزيد عمّا هو مطلوب، ثم تتم التصفية ويتناقص العدد حتى يصل إلى العدد المطلوب.. كانت نظرية البقاء للأقوى فاعلة خلال مرحلة الاستجداد، وكانت تلك المرحلة هي الأصعب خلال العامين الدراسيين، وكان السؤال المُلح أمام الطالب خلال فترة الاستجداد هو: هل أستطيع اكمال فترة الـ 45 يوما أم لا ؟؟

 

كانت فترة الاستجداد علينا عصيبة ومرهقة جدا.. مثقلة بالحزم والشدة والصرامة.. عقوبات شديدة لأبسط وأتفه سبب أو خطأ ترتكبه، بل أحيانا يصل إلى الحد الذي لا تستطع أن تدرك ما بدر منك من خطاء.. كنت أشعر أن من يتخذون تلك العقوبات يقصدون التطفيش لا أكثر، وأحيانا أظن وكأنهم يمارسون الانتقام والتشفي في آن، وفي أحايين أخرى أشعر أن من يتخذوا بعض تلك العقوبات علينا، مرضى بالسادية وعُقد النقص الثقيلة على أنفسهم وعلى غيرهم..

 

فترة الإستجداد في الكلية هي المرحلة الأكثر صعوبة وتستدعي من الطالب كثيرا من الانضباط والجلَد.. وهي الخطوة الأولى التي تنقلك من رجل مدني إلى رجل عسكري مختلف الطباع.. مرحلة الاستجداد هي محك حقيقي واختبار مضن يتحول خلالها الطالب من الحياة المدنية إلى الحياة العسكرية بصرامتها وضوابطها.. مرحلة “الضبط والربط العسكري”.

***

 

كنت أحس أن الملابس العسكرية النظامية ثقيلة جداً، وتضايقني عند التدريب خاصة مع فصل الصيف الطويل والشاق.. وبعد فترة الاستجداد كان يتاح لنا الخروج يوماً واحداً في الأسبوع ..

 

كنت أشعر وأنا أخرج من حرم الكلية بملابسي المدنية بحرية كبيرة لا تضاهى كشعور أسير تحرر من قيوده الثقيلة التي ظلت قدماه ترسفا بها طويلاً.. أحس أنني خفيف الوزن كعصفور.. أشعر بلياقة ورشاقة وخفة وزن لم أكن أشعر بها من قبل.. أخرج من عالم ضاغط إلى عالم حر ومريح.. خروجي من الكلية إلى المدينة والناس، يجلب لي الشعور بالسعادة الغامرة.

 

كنّا إذا خلعنا ملابسنا الثقيلة بعد ساعات طوال في الكلية نلبس ثياب الرياضة الخفيفة بقية اليوم وهي عبارة عن (فنله) بيضاء وسروال قصير أزرق.. كنت أشعر إن ذلك اللباس القصير عورة ولا يليق، ولكن مع مضي الأيام اعتدتُ عليه، وكنت أحبذها على الملابس الثقيلة التي أُلزم على ارتداءها لساعات طوال في أوقات النهار.

 

كنت بطبيعتي منزوٍ وخجول.. وكانت أكثر الأوقات إحراجاً لي هي تلك الفترة الصباحية التي نغتسل فيها فجر كل يوم، وأحيانا نكررها عند الظهيرة أيضا، خصوصا في فصل الصيف.. كانت حمامات سكن الطلاب مصممة دون أبواب وزائد على ذلك كانت متقابلة، وكل شخص يغتسل يشاهد الآخر عاريا أمامه، وكان هذا الحال يضايقني كثيرا، وأشعر أنه يخدش حيائي بسكين، ويسبب لي كثيراً من الخجل الذي كان يبدو لي لا يُحتمل..

 

أنا وصديقي الطيب في مدرسة البروليتاريا وثبنا يوما من سطح أحد أبنية القسم الداخلي التي كانت لاتزال غير مأهولة وجاهزة.. بدأ صديقي بالقفز، وأثناء القفز رفع الريح سترته، فبانت عورته.. كان الإحراج عليه شديدا، وحمرة الخجل الأشد على وجهه كان يخالطها السواد، وتحتاج لمرور بعض الوقت لتتلاشى، وربما ظلت الصورة عالقة في الذهن رغما عنّا بعض الوقت، ونحن نحاول أن نتجاوزها ولا نريد تذكّرها.. ربما يوما هاجس جاس في مخيلتي، وجعلني أتخيل غسلي بعد موتي من قبل غاسل الموتى.. شعرتُ بالعيب وعار العورة، وغصتُ بالحياء رغم افتراض أنني ميت لا وعي لديّ ولا إحساس..

 

ونحن بهذه الدرجة من وعي العيب كنت أسأل: كيف يمكن أن نغتسل وكل العورة بادية للعيان؟! كنت أرى الأمر عقبة كأداء أغالبها بصعوبة جمة وحياء كثيف.. إنها أكبر من تجربة معاينة وفحص الطبيب التي مررتُ بها..

 

ولكن ما أمر به صرتُ فيه كحال ذلك الذي ورد في قول المتنبي: “انا الغريق فما خوفي من البلل” انعدام الخيار وتكرار الفعل وتعوده جعل الأمر عاديا ومعتادا، واكتشفت معه أن العورة تسكن الوعي أكثر من أي مكان آخر..

 

تعايشنا مع الأمر الواقع، وصرنا معتادين الحال، بعد أن كنت أراه مستحيلا، أو أخاله أكبر من المستحيل.. ومن هذا عرفتُ مليا أن المرء على بيئته ووسطه وما يعتاد عليه.. بإمكانه الانتقال والتكيف مع الوسط الذي يعيش فيه.

 

***

يتبع..

 

موقع يمنات الاخباري

موقع برلماني يمني

صفحة أحمد سيف حاشد على تويتر

صفحة أحمد سيف حاشد على تويتر 2

حساب أحمد سيف حاشد على الفيسبوك

صفحة أحمد سيف حاشد على الفيسبوك

قناة أحمد سيف حاشد على التليجرام

مجموعة أحمد سيف حاشد على التليجرام

أحمد سيف حاشد هاشم

 

“Yemenat” news site

MP Ahmed Seif Hashed’s websit

Ahmed Seif Hashed “Twitter”

Ahmed Seif Hashed “Twitter”

Ahmed Seif Hashed “Facebook”

Ahmed Seif Hashed’s Facebook page

Ahmed Seif Hashed

Ahmed Seif Hashed channel on telegram

Ahmed Seif Hashed group on telegram

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى