(8)
مراهقتي .. وتجربتي الأولى في الحلم
أحمد سيف حاشد
كبت يشتد ويحتد.. حرمان يفجِّرني ويتبركن في أغواري، ويشعل حرائقه في أقصي مداي.. مهوسا بفراغي الجنسي.. مهوسا طوال اليوم.. مهوسا في الصحو وفي النوم.. التحريم يمارس طغيانه، لا يترك للحب مكان.. العشق محرّم والحب حرام.. مجتمعي يفجّر جمجمتي.. يفتش ما أخبئ فيها، وعمّا تخفيه خائنة الأعين..
مجتمعي مبلي بوهم العفة، ويعاني من حَوَل العين.. يُصيب عين النملة، ويخطئ حجم الفيل.. لا يرى الخشبة في عينه ويرى القذى في عين أخيه.. يترك القضايا الكبرى، ويلاحق عاشق ليل.. مشغول بأنفاس المرأة، على حساب ألف قضية..
مجتمعي مولع تجريم.. معوق ومعاق الذهن.. عاهاته أكبر منه.. مجتمعي تحكمه الغلبة.. الدم رخيص جدا، ومع الفقر جاري التطبيع.. الفقر سنّة في هذه الدنيا.. الموت باذخ جدا، والعصبية قدر مألوف.. البوح جُرم وحرام.. تربية من عهد الوأد.. اسم الأم عار بين الصبية.. مجتمعي محكوم بالعيب.. مجتمعي محكوم بالنار..
المنع يزيد الرغبة.. شبقي يبحث عن لذة.. قدري يحاصره الضيق، محصورا أعيته الحيلة.. ناري تتلظى في شراييني، وخيول العشق تصهل في مجرى الدم.. تائه في التيه الأول، أركض خلف لهاث الريح، أبحث عن امرأة تطفي الأوار..
تحت جلدي ألف رقيب.. العيب يتربص أنفاس اللهفة.. يُلجم جموح الرغبة.. القمع القادم من عصر الوأد الغابر، يريد وأدي في مدرستي المنفية في صحراء جرداء، تتلظى قيضا وهجيرا وشواء.. وسؤال يكبر بين ضلوعي الملتاعة، يلسعني بسوط من نار: أين أفرغ أحمال الشهوة؟!
***
حمتُ حول الحِمى مرات عده.. حمتُ لأقع فيه.. أريد كسر المزلاج، وقلع الشمع الأحمر في بلاد يثقلها المنع، ويحاصرها الممنوع.. فضولي يدعوني لسبر الأغوار، واستكشاف العمق الأبعد.. وطن الأنثى عميق جدا.. صوت الأنثى ينادني: اليوم لحوح، لا تتردد، لا تتأخر.. ادرك مبغاك، فالغيب غدا، وغدا في ظهر الغيب لا يضمنه أحد..
تقتُ لأن أبحر في الذات، وسبر غموض الأغوار، وكشف خارطة الأنثى، وتفاصيل ممارسة الجنس.. شُهد يستدعي الشهوة، أشهى من عسل النحل، وأطيب من أجاج الجنة.. هكذا قال الشيطان، ودعاني لأسافر في فضاء اللذة، وسماوات العشق العليا.. أصعد كالضوء أو كالنجم دون براق أو معراج..
هي مغامرتي الأولى، لأكتشف فيها نفسي، وأكتشف الجنس الآخر، صلّيت صلاة الحلاج.. صليتُ صلاة الروح لأستخير بها ما أفعل! صليتُ صلاة الاستسقاء.. دعيت الغيث للأرض البور.. أخترت عبور الكشف، لأجيب على أسئلة الحيرة.. أردتُ أن أعرف نفسي، لأجيب على أسئلة تتحفز وتجوس.. أسئلة تذرع عقلي الباطن، كالأسد في أقفاص محابسها.. اسئلة تشتعل في عمق الوعي، لتضيء مجاهيل النفس وردهات الظلمة..
***
ناداني صوت الحسناء: أنت يا هذا تعال.. خض التجربة الأولى.. جرّب مرّة.. أرتحل في جسد المرأة.. بوح بسرك.. ماذا تفعل بالسيف المُغمد.. أنت لست خزنة آثار.. أنت لست متحفا أو صالة عرض.. هيّا أمشقه في وجه الشمس.. أصقله وأشحذه في النار.. أنفخه حتى الآخر ..
أنفخه حتى ينتشر ويحمر.. أغرسه في اللحم الحي.. هيا افعل يا هذا.. ستشعر لأول مرة أنك كائن حي، مغمورا بسعادة تتفجر فرحا.. سيغمرك الإحساس أنك لم تحيا من قبل.. لا تترك الأرض البور دون أن تمطرها بالقطر وبالنور، ولا تترك الأرض تبور.. فالأرض لمن أحياها، وأسأل محيي الموتى..
قال الشيطان: يا هذا رفقا بالحال.. عمرك يمضي هدرا.. لا تترك حاضرك يذوي حُزنا كالشمعة في ليل بارد.. لا تدع سنين العمر الآتي نهبا للريح.. حتى لا تبكي ماض فات، وشباب أهدره الجهلة.. حاضرك عض عليه، بنواجذك والناب.. امسكه بكلتي يديك.. اجترح مأثرة كبرى، وأعترش مملكة الأنثى، حتى لا تندم، وتبكي في الغد شباب ضاع..
قالت الحسناء: أنت يا هذا.. اكشف السر المغلق.. اكسر أصفاد التقية.. ثر على الوهم المثقل، واكسر حصار العزلة.. اكسر أقفال السر وأرقام الشفرة.. الجنس ألذ في عهد الكبت، والحرية أمتع بعد القمع، والرغبة أكثر ولعا وجموحا في عهد الممنوع..
قال الشيطان: التقية حبس ونفاق.. التقية زيف وقناع.. اهدم محبسك، وزح قناع الزيف؛ لترى الدنيا من آخرها.. التقية حكم بالموت.. التقية لا تتصالح مع روح تواقة للحرية.. الحرية تخنقها الجدران، والتقية جدار تقتلنا في اليوم كذا مرة.. التقية خيانة للروح.. العري يتصالح مع أصحابه، والقبح الأبشع أن تلبس ألف قناع..
قالت الحسناء: لا تحتزم الموت، ولا تفجّر نفسك من أجل الجنة وبنات الحور.. اغتنم حاضرك حتى تثمل.. احيي الأرض ولا تقتل إنسان، والله رحيم غفّار.. يا هذا تمرد واستكشف خارطة المرأة لأول مرة.. ستكتشف إن الله بعين الأنثى يغفر، وفي نبض النهد ستسمع كل الأسماء الحسناء، وفي محراب العشق سبّح في ملكوت الله.. الله رحمان ورحيم يرحم.. غفار وغفور يغفر..
***
تهيج اللذة في أوصالي.. أغالب ناري.. يغلبني الحال.. نار الشهوة تتمطى جسدي المنحول.. أول مرة في حياتي أرى امرأة تتعرى.. أول مرة أرى تفاصيل امرأة تتكثف تحت جسدي المجمر.. أول مرة أغوص في تضاريس امرأة تمنح خبرة.. آهات الأنثى في ذروة لذتها قيامة.. تمنحك نشوة .. تشعرك أنك ملك الكون..
قال الشيطان: أمطرها شوقا، امطرها قبلا وحنينا لتلتذ.. اكتشف كل الأبعاد.. اكتشف كل الأكوان.. اكتب وشمك على ذاكرة الأنثى.. على أبواب العشق، وشرفات النور.. طف على النهدين حتى تدوخ.. بح بالسر في محراب العشق الملتاع..
قبّل عنقا عبقا بالعطر الساحر، العنق يطول مع التقبيل، ويصير بطول النخلة.. ما أروع أن تتسلق نخله لتذوق عذق يقطر شهدا، وسعادة تملأ الكون.. عنقا مشتاقا لدون العشرين، أطلق شبقك في الحرث، وشق قناة الوصل من أول ضربه..
سفنك مثقلة يا هذا بأحمال الشهوة.. أفرغ سفنك من حمل طال.. لا تتمالك أعصابك وهي تتأوه متعة.. أكسر أقفال البوح.. تختلط أنفاس فرسان العشق بصهيل خيول الرغبة والبوح الملتاع.. نهود تهتز بالعشق المتأجج ثورة، ورعشات تطلق عنان الشهوة في أرض الله، وجنان يلتذ.. مطر يهمي، ورضاء يغشاك، وسكينة بعد قضاء الوطر..
دونها صار المُلك، وتهاوت شماريخي من أعلى البرزخ.. هويت كشهيد؛ وأنا أسأل: هل تتزوجني هذه الأنثى.. أني أحبك يا هذه.. أبحث عنك حد التيه.. طار عقل الأنثى.. دهشتها كانت أكبر .. صمتت برهة؛ ثم قالت: “أنت يا هذا تختلف عن كل الناس”..
لعنتُ الشيطان بسري، ولذت إليه مرّات عدة، لأعيد الكرّة، وهو يقول: استمتع واعطي العمر حقوقه.. أنت لم تقتل.. أنت لم تفسد.. أنت لا تظلم ..أنت تعشق وتصلي للرب صلاة الحب اللاعج، واعلم أن غفران الله أكبر من هذا الكون.
كانت غفوة مترعة اللذة، استيقظت من عمق الغفوة، وأنا أتوب وأستغفر عمّا رُفعت عنه الأقلام ورُفع عنه اللوم..
***
يتبع..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صفحة أحمد سيف حاشد على تويتر 2
حساب أحمد سيف حاشد على الفيسبوك
صفحة أحمد سيف حاشد على الفيسبوك