مذكرات

السلسلة السابعة في طور الباحة.. (1) مدرسة أعزتنا من الجهل.. أحمد سيف حاشد

مذكراتي.. من تفاصيل حياتي.. في طور الباحة.. مدرسة أعزتنا من الجهل

السلسلة السابعة

في طور الباحة

(1)

مدرسة أعزتنا من الجهل

أحمد سيف حاشد

 

عندما انتهيتُ من المرحلة الدراسية الابتدائية كان لابد أن التحق بالمدرسة الاعدادية.. لا توجد مدرسة اعدادية في منطقتنا النائية الواقعة في أقصى الأطراف الجنوبية لسلطة صنعاء، والتي كانت تسمي نفسها دولة، وكنّا نسميها السلطة في الشمال..

 

كانت منطقتنا وقريتنا بعيدة ومحرومة من أبسط الخدمات.. لا مواصلات ولا اتصالات ولا صحة ولا رعاية اجتماعية ولا نجد أدنى اهتمام من قبل تلك السلطة.. لا نجد لها أثرا في حياتنا إلا بما يزيد من وطأة المعاناة التي تثقل كواهل أهلنا مثل (التنافيذ) والملاحقات الأمنية والجبايات الزكوية..

 

خدمات الدولة نحونا لا نلمسها ولا نحس بها، وهي بمثابة صفرا كبيرا بحجم غياب وطن، والنادر والقليل لا يصل، وإن وصل لا يغيّر الحال.. حتى التعليم وبناء الفصول الدراسية الابتدائية كانت تقع نفقات بنائها على كاهل آبائنا.. كانت الدولة في حقيقتها مجرد سلطة ليس عليها واجبا لنا، ولها علينا كل الحقوق والواجبات.. الجهل يعترش حالنا ويتسيد العقول، ونحن نحاول انتزاع ما أمكن انتزاعه من المستحيل.. نحاول شق طريقا للنور وسط ذلك الظلام الكثيف..

لم يكن لنا مناص من جور جهل محتوم، إلا دولة الجنوب حيث كانت توجد مدرسة إعدادية في مركز طور الباحة الذي كنا نرتاد سوقه يوم السبت من كل أسبوع إن دعت الحاجة أو الضرورة.. وتبعد تلك المدرسة عن قريتنا مسافة في حدود العشرين كيلو متر، ولحسن حظنا أنه كان يوجد قسما داخليا ملحقا بالمدرسة، يُوفر فيه لأمثالنا المسكن والغذاء.

كانت (مدرسة الشهيد نجيب) الإعدادية في طور الباحة هي عاصمنا من جهل, وكان كثير من طلاب المناطق المجاورة في الشمال والمهددين بالجهل والضياع أو انقطاع الدراسة يجدون في هذه المدرسة مُنقذا وملاذا من جهل مُحقق..

مدرسة كبيرة مقارنة مع ما مررنا به وما عرفناه حينها من مدارس، فضلا عن كونها نظيفة ومرتّبة ومدرسيها أكفَاء.. غمرتني السعادة وأنا أجد حُجرات دراسية فسيحة، وطريقة هندسية في البناء حديثة وزاهية، ونوافذها من زجاج مميّز، وكراسي تليق بمن هم أرفع منّا مقاما ومستوى.. اجمالا لم أعهد مدرسة مثلها من قبل، وكان قسمها الداخلي جديدا أو حديث بناء..

غمرتنا السعادة ونحن نستلم في أول يوم من التحاقنا بهذه المندرسة أغطية ومفارش جديدة وأدوات أكل نظيفة.. كل شيء مجانا ودون نقائص أو معايب، غير أن التغذية فقط لم تكن تكفينا أو أن شهيتنا للأكل كانت أكثر مما يُقدّم لنا، وإجمالا كان سوء التغذية يلازمني خلال فترة دراستي الإعدادية في هذه المدرسة التي أعزتنا من جهل أكيد..

كانت الحُمَّى كثيرا ما تداهمني وتجتاحني، وكنت أستلذ بالشمس كلما اعترتني عروة الحُمّى.. كان فقر الدم وسوء التغذية ملازمين لي، وثقيلين على صحتي.. أعاني أحيانا من الفاقة والعوز، وكانت أمي أكثر من تساعدني في تجاوز تلك المرحلة..

كان مسموحا لمن أراد منّا أن يغادر ظهر الخميس ويقضي إجازة الجمعة بين أهله، على أن يعود للمدرسة صباح السبت.. السيارات تقلّني إلى (رأس وادي شعب) عند الرواح، وبعدها أكمل العودة إلى القرية مشياً على الأقدام، ومثله في الذهاب..

أحيانا كنت امشي سيرا على الأقدام من البيت حتى (طور الباحة) لأستفيد من مصروف المواصلات التي كان يعطيها لي والدي، وأحيانا أفعلها أيضا عند الإياب.. وعند المشي كنّا نبحث عن الطرق المختصرة مثل “طريق نفاخة” وأحيانا نتسلق في مؤخرة السيارات في وسط الطريق مجاناً، نطلق عليها (تعبيرة)، في إشارة إلى نقلنا بدون مقابل..

يا لنبل وروعة مالكي السيارات الذين كانوا يقدِرون ظروفنا، ولا يأخذون منا أجراً مقابل نقلنا!! يا لنبل “أبو شنب” صاحب السيارة “المكرضح”، الإنسان الذي كان أكثر من يغرقنا بالمعروف والجميل الباقي إلى اليوم.. يا لجمال روح “راجح” الإنسان الفقير الذي ينبجس بغناء النفس، ويتدفق جمالا وإنسانية وعطاء.. وعبدالنور الجميل وصالح سعيد وغيرهم ممن تعلمت منهم أهمية أن يصنع المرء جميلا في حياته مع من يحتاجون إليه.. جميعهم رحلوا ولم ترحل عنّا معانيهم الإنسانية السامية..

***

الصور لبعض زملاء الدراسة في مدرسة الشهيد نجيب في طور الباحة..

يسار الصورة محمد عبد الجبار من الصوالحة أو معبق ومحمد المطري من المضاربة

في الوسط سيف الشعبي وجميل عبدالعزيز وفارق القدسي وناصر الشعبي وجميعهم من منطقة شعب

وفي يمين الصورة أحمد علي بن علي وإدريس من أطراف القبيطة

هذا إن لم تخني الذاكرة..

 

 

يتبع..

 

موقع يمنات الاخباري

موقع برلماني يمني

صفحة احمد سيف حاشد على تويتر

صفحة احمد سيف حاشد على تويتر 2

حساب احمد سيف حاشد على الفيسبوك

صفحة احمد سيف حاشد على الفيسبوك

قناة احمد سيف حاشد على التليجرام

مجموعة احمد سيف حاشد على التليجرام

“Yemenat” news site

MP Ahmed Seif Hashed’s websit

Ahmed Seif Hashed “Twitter”

Ahmed Seif Hashed “Twitter”

Ahmed Seif Hashed “Facebook”

Ahmed Seif Hashed’s Facebook page

Ahmed Seif Hashed

Ahmed Seif Hashed channel on telegram

Ahmed Seif Hashed group on telegram

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى