مذكرات

طيران بلا اجنحة .. أجددانا من حضرموت “محدثة”

برلماني يمني

أحمد سيف حاشد

قُرانا متناثرةٌ حولَ الوديان وعلى ظهور الجبال العالية.. البعض حاول يعتلي أكثر، وبعضهم مال إلى الاقتراب من الأودية.. قُرانا مُتعِبةٌ مثلَ رجالها، ونسائها وأطفالها.. كيف جئنا إلى هنا؟! ومن أين جئنا؟! وكيف وصلها أجدادنا، قبل مئات السنين؟!

قالوا إنّ جدَّنا جاء من حضرموت إلى هذه المناطق من “القبيطة” قبلَ أكثرِ من ثلاثمائة عام، ويدعونه بـ “الشَّيخ حِيى”، وبرفقته عمّه “الشَّيخ أحمد” ومعهما عبداً أو أكثر، ولا ندري إن وُجِد في صحبتهم رجالٌ آخرون، ولا نعلم إن كان لحوّاء معهم وجود، أو كانت هي من ضمن الوافدين.

اقترن الاسمان بلقبِ الشّيخ، ويبدو أنَّ سببه يرجع إلى المكانة الاجتماعية، والدّينية الخاصتين بهما.. كانت أمّي تنتسب إلى “الشيخ حيى”، فيما أبي ينتسب إلى الشيخ أحمد.. الملاحظ أنّ الاهتمام بمزار “الشيخ حيى” أكثر من الاهتمام بمزار “الشيخ أحمد” وقد لفَحْتُ بأمر أمي وتشجيعها من تراب قبر جدِّها، ولم ألفَحْ من تراب قبر جدّي من أبي.، ولنا في المقام لاحقٌ وتفصيل.

غير أنّ السؤال: ما الذي دفع أولئك الأجداد أن يتركوا عِزَّ حضرموت وأهلها الطيبين، ويأتون إلى هذه المنطقة النائية البعيدة، صعبة المراس، أو التي لا تخلو من وعُورةٍ باديةٍ للعيان، وربّما أيضاً خالية أو قليلة السكان؟! كيف يتركون حضرموت، ويتجاوزون مئات الأمكنة، في طريق يمتدُّ قُرابة الألف ميل، ليستقرَّ بهم الحال والترحال في منطقة نائية قصيّة ومجهولة، ليس فيها ما يجذب أو يُغري، أو يستحقُّ المغامرة..؟!

ما الّذي دفع أولئك الأجداد أن يتركوا حضرموت أرضاً وبحراً، وسهولاً وشواطئ، وسكاناً، ويعبرون في رحلتهم الطويلة تنوعات بيئيَّةٍ وسكانية كثيرة ومتعددة بعضها جاذب أكثر من هذه المناطق التي حطوا الرِّحال فيها؟! كيف عبروا مسافة ربما قطعها على الراحلة شهوراً طويلة، لينتهي بهم المطاف في مناطق نائية بعيدة جداً عن أهلهم وذويهم، وتكون هي المستقرُّ الّذي حطوا رحالهم فيه، وبنوا مساكنهم على ظهور جبالها العالية ثم مالوا للانخفاض؟!

سألتُ أمي يوماً عن السبب! فأجابتني بسماعها أنهم جاءوا من حضرموت إلى هذه المنطقة، يبحثون عن فتوى!! فزادني قولها عجباً!! مناطقنا ليس فيها شيوخ، ولم تشتهر بعلم أو بفتوى، وليس فيها كثيرٌ من النَّاس في تلك الأيام، بل ربما أنّ قرودها كانوا أكثر من ناسها، أو الساكنين فيها.. هل أتوا ليعلموا أبناء تلك المناطق التي قدموا إليها على قلتهم بعض العلوم من شرع وفقه ومواريث؟!!

هل هناك أسبابٌ سياسيّة واجتماعية، أو أعمالُ قمعٍ وملاحقة سلطات، أو وجود اضطرابات وعدم استقرار، أو ما شابه ذلك من الأسباب التي حملتهم على مغادرة حضرموت، والتوجُّه بعيداً عنها إلى مناطق قصيّةٍ وحصينة، أو عصيّة على من كان يفكِّر بالملاحقة أو فرض سلطته عليهم؟!! هل كان وراء اختيار هذه المناطق؛ لتكون موطناً للقادمين إليها، لما توفَّره لهم من أمن وسلام، وحماية؟!! أم أنّ مناطقنا كانت قبل 300 عام مروجاً خضراء وأحراشاً، وغيولاً، وماءً وفيراً جذبت الباحثين عن عيش وحياة أفضل في اختيار من حطوا الرِّحال فيها..؟!!

إنها أسئلة تحتاج إلى بحث للوصول إلى الحقيقة أو إلى الإجابة أو مقاربة لما حدث.

***

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى