مذكرات

معاناة في الطفولة.. أحمد سيف حاشد

مذكراتي.. من تفاصيل حياتي قسوة .. وطفولة بطعم التمرد - معاناة في الطفولة (1) أحمد سيف حاشد

قسوة .. وطفولة بطعم التمرد

(1)

معاناة في الطفولة

أحمد سيف حاشد

في طفولتي قمتُ بما لا يقوم به أقراني من الأطفال الذكور.. لطالما كنست الدار، ونظفت كل ملاحقه ومرافقه.. رعيت الغنم، وحملت على رأسي روث البقر.. صربت وحصدت.. ساعدتُ أمي فيما لا تقوى عليه خصوصا عند الحِمل والولادة.. وبسبب الكنس، والدخان، وتجريب الشقاوة، أنقطع النَفَس، وأصبتُ بالربو، وكدت أفارق الحياة مرتين..

في الصف الخامس والسادس كنت أقطع كل يوم أكثر من عشرة كيلومترات حتى أصل إلى المدرسة، وعشرة مثلها عند الإياب.. كما عشتُ لاحقا وانا أدرس في القسم الداخلي، معاناة الجوع والعوز وسوء التغذية..

لازلت أذكر قسوة والدي في مرحلة من حياته، والتي تجاوزت ما كان مألوفا ومعتادا.. تمردت على أبي، وسلطته المفرطة.. قاومت أكثر من ظلم أثقل كاهلي.. كنت أشعر أن الظلم العنيف يفترسني ويهرس عظامي.. رأيت الموت أكثر من مرة، وتحديت الأقدار، وثرت في وجهها بألف سؤال.. في لحظة شديدة الوطأة فكرت باقتحام الموت واستيفاء الأجل، لم أعب بجهنم، وبأقوال أمي إن المنتحر يذهب إلى النار.

بلغ شعوري بالظلم حد أرى فيها الحياة والموت سيان.. حاولت الانتحار احتجاجا على واقع مُر، وكرامة بدت لي مهدرة، غير أن العدول عن هذه الحماقة كان فيه انتصار للحياة والحب والإنسان.. وربما أيضا لغريزة البقاء..

كان لدى أبي سياسة خاطئة في التربية، تختلف عمّا هي موجودة لدى عامة الناس، أو متعارف عليها بينهم.. كانت سياسته تستند إلى الشدة والقسوة والعنف، بل وأعتبرها مجرّبة ونتائجها أكيدة، وغير قابلة للنقاش أو الملاحظة، فضلا عن إعادة النظر، ولاسيما إنه طبق بعض منها على أخي علي ، وكانت النتيجة في تقديره قد أتت كما أراد وأشتهى، فتشرف به، واعتز باسمه وبأنه ابنه..

كان أبي يضربني كثيرا في رحلة مشقة وعذاب وعمل يبدأ مع الفجر إلى المساء، وربما يصل في بعض الأيام إلى التاسعة والعاشرة من الليالي الداجنات.. أن يتم ضربي كثيرا بات أمرا طبيعيا ولا يثير عجب أو سؤال.. ولكن الغير طبيعي والعجب أنه يضربني في يومي أقل من مرتين وثلاث.. إن حدث مثل هذا فهو بالنسبة لي يوم مائز ومختلف.. إنه يوم عيد، لربما لا يعاد إلا في العام الذي يليه.. يوم كهذا كان يستحق مني الاحتفال.

عشت الواقع بكل مراراته وقسوته.. كنت أشعر بإهانة بالغة ومهانة لا تطاق.. رفضت أن أعتاد الأمر أو أتصالح معه، وكنت أعبّر عن رفضي بحالات تمرد كثيرة، بعضها كان عابراً للموت والمجهول، أو يكاد يكون الحال كذلك في بعض الأحيان..

كان هذا الضرب يحدث غالبا أمام مشهد من الناس، وكان بعض هذا الضرب يتم بالحذاء.. كنت أشعر أن الأعين حتى المشفقة منها تأكلني.. كان الصبية من أقراني يعودون إلى بيوتهم فيحكون لأهلهم ما صار لي وما جرى من أبي.. كنت بعض من حديثهم الذي يقتاتون عليه، أو هذا ما أخاله.. كنت أشعر أن الإهانة تسحق عظامي.. كنت أبلع غصصي كأنني أبلع ساطور قصاب.

ولَّدَت هذه التجربة بداخلي خبرة في اختبار ومغالبة القهر، وحساسية شديدة في استبطان أوجاع المقهورين، ألّفت – بمعية تراكمات أخرى- قيمة إيجابية وعيت لها لاحقاً، وهي الانتصار للمقموعين، والتصدي لكل ما ينتجه الظلم والقسوة وعطب الروح.. أدافع عن الضحايا بتفاني، وفي بعضها لو كلفني حياتي مرتين، أو هذا ما أستشعر به عند التحدي أو ما أخاله وأظنه..

***

أحمد سيف حاشد “تويتر”

موقع “يمنات” الاخباري

موقع النائب أحمد سيف حاشد

أحمد سيف حاشد “فيسبوك”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى