فكرة ترشحي للبرلمان
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
يحدث أن غيري يطرح لدي فكرة، ويحدث أيضاً أن الفكرة ربما تبدأ تجوس في عقلي ووجداني، ولو بعد حين قد يطول وقد يكون قصير.. ربما تكبر تلك الفكرة وتتنامى حتى تستحوذ على جل تفكيري قبل أن ابدا في تنفيذها، ومن المحتمل أيضاً أن تتلاشى كالسراب عندما أقترب منها، وقد لا أشرع في التفكير فيها أصلاً، لأنني أمقتها ابتداءً، أو أجدها لا تروقني او تتعارض في جلّها مع قيمي ومبادئي فأطردها من الوهلة الأولى.
الحقيقة أن فكرة الترشح للبرلمان لم تكن فكرتي في الأساس، بل كانت يومها فكرة تفوق تصوري.. ربما استقرت لاحقا في الذهن، ومنعني خجلي أن أبوح بها.. فكرتُ وأمعنتُ فيها لاحقاً، وأعدت تقدير واقعيتها وصوابها مرات عديدة، حتىّ بدت لي فكرة تستحق المغامرة.
بذرة فكرة الترشيح لعضوية البرلمان، كانت في الأصل فكرة صديقي مجيد الشعبي، ومعه أحمد محمد سيف، و القاضي نبيل الشعبي، الذين كانت تربطني بهم أواصر صداقة حميمية ومتميزة في ذلك الوقت. وجميعهم كانوا جنوبيين، فيما أنا كنتُ وفقا للتقسيم الجغرافي القديم شمالي.
وفي المقابل كان لأستاذي القدير محمد عبد الرب ناجي رئيس جمعية التعاون الخيرية لمديرية القبيطة دوراً لاحقاً ومهماً في دفع الفكرة إلى الواقع، ولا انسى دور الشيخ محمد هزاع الذي كان مجيد الشعبي يعلق عليه املاً كبيراً في دفع الفكرة إلى الامام، وهو ما حدث لاحقاً في ظل حظ خدمني أو ربما كان ينقذني في ظل ظروف كانت تقف على الضد في مواجهة أي نجاح يمكن أن أحرزه.
كان اصراري الأهم وعلى نحو مستمر ان اترشح مستقل.. شرط لم اقبل التنازل عنه، ولم امانع من دعم أي حزب، بل سعيت الى مثل هذا الدعم، دون تنازل عن فكرة الاستقلال في العضوية.
الحقيقة حتى فكرة أن أكون أميناً عاماً لجمعية التعاون الخيرية لمديرية القبيطة، هي فكرتهم أيضاً، و كنتُ في بادئ الأمر مستبعد الفكرة تماماً.. إنها فكرتهم في الأساس، وكان صديقي محمد هزاع داعماً للفكرة، و ربما له دوراً في تحقيقها، وربما ترسخت أكثر في ذهني وتمسكت بها بعد كشف وافشال عملية التزوير في انتخابات الجمعية، وإعلان حصولي على المرتبة الثانية من أصوات الناخبين في الجمعية العمومية.
ربما يبدو الأمر مخططاً، و لكن على الأقل بالنسبة لي ليس كذلك، ربما أصدقائي كانت لديهم تلك الوجهة، وهي الوجهة التي تقول: “أولاً الجمعية، ثم البرلمان”، ولكن الأكيد أيضاً لم تكن من البداية هي وجهتي.. إنها مخطط أصدقائي إن كان يوجد ثمة تخطيط، وأظن تقييم ذلك الرجل (الغامض) فيه مقاربة حين أفصح أنني رجل تنفيذي وعملي لا رجل تخطيط واستراتيجيات.. وإن كان الحال كذلك فأظن أن صديقي مجيد الشعبي هو رجل التخطيط الأول، إن وجد ثمة تخطيط.
عزمت لرحلة شاقة دون ماء ولا زاد، ولا مقاربة تنهض بفرصتي، في لجة تنافس محموم، لن تكون لصالحي، فيما خجلي يمارس طغيانه، ويمنعني من طلب المال حتى تلميحاً، وطلب الدعم المالي من أي جهة له ثمنه، وللداعم شروطه، وأنا اجد نفسي قليل الحيلة، ولا أجيد المناورة والتكتيك، ولن أقبل بهذا أو ذاك.
التفكير بالترشح لعضوية مجلس النواب اليمني دون أن يكون لديك مركزاً مالياً، أو داعما لا يملي عليك شروطه، هو ضرب من الجنون المغامر، بل والمستحيل، لاسيما إن أخذتُ الأمر من البداية على محمل الجد أنك ستمضي إلى النهاية فوزاً أو خيبة، مهماً كانت الظروف والمعوقات، وليس بغرض البيع أو المساومة أو الابتزاز أو التكتيك الانتخابي الذي يرمي لتشتيت الأصوات لصالح مرشحاً آخر، بمقابل مال أو مزية أو وظيفة أو ترقية أو نحو ذلك من المصالح.
***
نعم .. الحقيقة وقبل البداية، لم تكن فكرة الترشح لعضوية البرلمان واردة البتة حتى في حدود الوسوسة، بل كنت أستبعدها تماما، بنفس قدر ذلك الجنون حيال ذلك المستحيل الذي تشبثت بتحقيقه بعد الإعلان عنه، حتى صيرته بمساندة رفقتي ومن إليهم ممكن التحقيق، ثم واقعاً تشهده العيون.
إن تحويل المستحيل إلى ممكن، ثم إلى واقع، هو النجاح الحقيقي الأكثر لذاذة ومتعة ويستحق الفرح والزهو والاحتفال.. هذا ما أحسسته يوم إعلان نتيجة الفوز.. ولكنني لم احتفل به حتى في حدود أقل ما يجب، بل لا أذكر أنني احتفلت أصلاً إلا في حدود الشكر والاعراب عن الامتنان، أثناء زيارتي للناخبين في مناطقهم بعد إعلان نتيجة الفوز.
لستُ ممن يميلون للتوكل، ولكنني عزمتُ على المغامرة وأعلنتُ أنني سأترشح للبرلمان.. وعندما أعلن الشيء لا أعود عنه ولا أتراجع إلى الوراء، بل أمضي فيه إلى النهاية بكل طاقتي، إنه أشبه بذلك القائد الذي يركب البحر نحو هدفه ويحرق أشرعته وسفنه حتى لا ينازعه هاجس العودة.
في قضايا شتّى أحرص على المضي فيما عزمتُ عليه، دون أن أخل في حال اكتشافي ارتكاب ثمة خطأ وخيماً أو جسيماً، أو يؤدّي إلى كلفة باهظة، لا تستحقها النتيجة المرجوة، فتلزمني المراجعة فأما أن أتركها دون ندم، أو ألحق بها بعد تردد، أو أدركها بعد حين، قبل فوات الأوان، ودون أن أسمح لإرادتي بالانكسار، بل أظل أنا وإرادتي نجالد ونقوى ونكبر قدر ما في الجهد والوسع والاحتمال.
المال كان هو المستحيل الأكبر، وكانت البداية عندما بادر عبد الرحيم حسن سعيد، نائب مدير بنك اليمن الدولي، ومجموعة من شخصيات ووجاهات المديرية، إلى اللقاء في مقيل تم في منزله، حضره رئيس الجمعية محمد عبد الرب ناجي، ومنير عبده ثابت وعبدالباقي ناشر وعبدالله عبدالإله ومحمد سعد القباطي وعلى فضل طه وحسن على راجح وعبده فريد حاشد وآخرون، وتم في هذا المجلس أول تبرع لصالح دعمي في الانتخابات.. بلغ التبرع يومها أكثر من الثمانمائة ألف ريال تقريباً.. وكنتُ يومها أرى هذا المبلغ كبيراً ومشجعاً إلى حد بعيد، رغم أنه لا يكفي لخوض معركة ما زالت تحتاج إلى الكثير من المال، إلا أن أهميته بالنسبة لي في كونه البداية لعملية يجري فيها تحويل الفكرة إلى ممكن تنفيذه في الواقع.
***
يتبع..