طيران بلا اجنحة .. الله في مخيال طفولتي “محدث”
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
كان الله في مخيالي وأنا طفل، رجل فيه كثير مما هو فينا. وأستطيع تخيله بحسب الحال الذي هو فيه من غضب وفرح ومسرّة، ولكنه رجلا ضخما، وأحيانا أتخيله ضخما جدا جدا على نحو ربما يشوش وضوح تخيلي، ويزيد من ضبابية الصورة في خيالي، لاسيما عندما أطلق ضخامته طولا وعرضا في الأقاص، بل أصل إلى حد يستعصي علي تخيله.
كنت أسأل عن الله، وأحاول أتخيله كرجل ضخم، وأحيانا بطول السماء مستريحا على أريكة ضخمة، أو مستلقيا على بطنه، فوق سماء ملساء أشبه بمرآة، ورأسه متدليا إلينا، يتابع أفعالنا ويراقبنا من مكانه، وأحياناً أتخيله مستريحاً على سرير عظيم أو قاعدا على كرسي مهاب، أو جالسا على محفة عظيمة، وثمانية من الملائكة العظام يحملونه، أو هكذا قيل لي.
كنت أيضا وبحسب الحال وجواب السؤال أتخيل الله يغضب من أسئلتي ويتوعدني بالعقاب والنار، وهو يراني في كل حال، ويتعقب خطاي، ويراقبني على الدوام ، ومعه ملكين أتخيلهم بحجم رجلين يلازماني في كل وقت، أحداهم في يميني يكتب حسناتي والثاني في يساري يكتب سيئاتي حتى يأتي موعد الحساب في القبر.
كنت أسأل أمي وأسأل الله أسئلة أشعر أنها تغضبه. أتساءل بتلقائية أو بفضول معرفي، واحتار مع كل سؤال يتفجر داخلي، ولا يجد له جواباً، أو أجد له جواباً، ولكنني أتشكك في صحته، أو يميل ظني إلى أنه جوابٌ كذوب، بعد تصديق.
كانت أمي تارة تتجاهل سؤالي، وأحياناً تجيب على نحو لا أتصوره، وفي بعض الأسئلة الصادمة، كنت أرى وجه أمي مصعوقاً بالخوف والهلع.
كانت بعض الأسئلة كبيرة، وربما صغيرة، ولكنها كانت تدق أبواباً كبيرة، وإن غرق بعضها ببعض التفاصيل التي لا تأتي على بال الكبار.
بعض الأسئلة كانت تلقم فاه أمي عجزاً بحجم جبل، فيلبسها الخوف والهلع، وتسارع بتحذيري الشديد، وبما هو مرعب ومهول، وتقمع سؤالي بشدة وصرامة.
لم يكن قمع الاسئلة منحصراً في البيت، بل كنت أجد مثله حتى في المدرسة.
وفي المدرسة قالوا إن الله موجود في كل مكان، وأن ليس مثله شيء، وهو ما جعل خيالي عاجز عن تخيله.. وعندما ألح أحد الطلبة لتقريب الأمر وتمثيله، علق الأستاذ في جوابه “إن الله أخضر ويابس”.. وظل هذا الجواب محل نكتة وتندر، ولم أعد بعدها قادرا على أن أتخيل الله وكينونته، بل صار الله فوق خيالي.