تغاريد غير مشفرة

تغاريد غير مشفّرة .. شعب مسحوق ومخلوس بالفساد والغلبة

برلماني يمني

أحمد سيف حاشد

(1)

ما المانع أن يعلم شعبنا سعر تكلفة المشتقات النفطية ليحكم إن كانت تتوفر في سلطة صنعاء صفة النزاهة والعدالة في تعاطيها مع المواطن المنكوب بكل ما هو ثقيل وفادح..؟!!

لماذا يتم الإصرار على تغييب الشفافية، بل ورفضها على نحو غير مسبوق، والحيلولة دون أن يقع دليلاً لفساد مهول، أو يفضح من خلالها للعيان كشف الفارق الكبير بين سعر التكلفة، والسعر الذي تباع فيه المشتقات النفطية للمواطن المنكوب بالأسعار التي تفترسه كل يوم، والمؤسف أن هذا الحال لم يتغير كنّا في حرب أو هدنة أو سلم؟!

(2)

في الحرب لطالما تم استخدام الحصار والغرامات “الدمرج” وغير ذلك، وبتعويل كامل في التبرير من قبل سلطات الأمر الواقع في صنعاء، وتحميل كامل المسؤولية على “العدوان” وعمّا وصلت إليه أسعار المشتقات النفطية في السوق المحلية.

وعندما طالبنا نحن وبعض أعضاء مجلس نواب صنعاء، الجهات المعنية أو ذات الصلة بسلطة الأمر الواقع في صنعاء ما تيسر من أدلة ووثائق وتفاصيل، وذلك بقصد حماية شعبنا من “هوامير” ومحتكري استيراد المشتقات النفطية، ومن الجشع الذي بلغ مبلغه، وتمكّن من مواطنينا، لم نجد ما طلبناه حتى اليوم.

هذا لا يعني بحال من الأحوال اخلاء مسؤولية “العدوان” الذي مارس ومازال يمارس إلى اليوم ساديته على شعبنا المنكوب، والذي ظل يبحث عن انفراجه أو أمل في معيشته طوال ثمان سنوات طوال؛ فلا يجد في كل مرّة إلا ما هو أشد وألعن.

وهذا أيضاً لا يعني أن سلطة الأمر الواقع في صنعاء لا تتحمل مسؤولية جسيمة حيال ما ساد ويسود من فساد وفشل، والتنصل عن مسؤوليتها حيال مواطنيها في زمن الحرب، وحمايتهم من الجشع والاستغلال والجبايات، بل هي قد صارت بعض منه.

(3)

المؤلم أكثر أن شعبنا شهد حرباً مروعة جرى فيها استهداف وتدمير مصانعنا ومنتجاتنا، والبنى التحتية بمختلف مسمياتها، ثم جرى وما زال يجري إلى اليوم تحويل شعبنا وبلادنا إلى سوقاً لمنتجاتهم وبضائعهم، بل ووسيط أيضاً لغيرهم، لنتحول نحن ووطنا الذي مزقوه إلى سوق استهلاكية دون صناعة أو زراعة أو مستقبل.

ظلت أسواقنا أسواقا لبضائعهم؛ ومتى؟! في زمن الحرب، والأسوأ أن الحال ما زال على حاله إلى اليوم ، بل بات أكثر إغراقا واتساعا واحتكارا..

كل هذا تم ويتم على حساب ما بقي لدينا من بقية باقية، كتب لها النجاة، ولكن يجري اليوم استكمال تعطيلها أو تفليسها وتدميرها بالجبايات الثقيلة، وخلق شروط جديدة، وبيئة طاردة للرأسمال الوطني، أو بالأحرى ما بقي منه.. وتركت لنا سلطات الأمر الواقع هنا وهناك تتولى استكمال تلك المهمة القذرة.

والأشد أيلاماً أن تذهب تلك الدول نحو مستقبلها، وقد خلّفت لنا كل هذا الدمار والخراب، وتركت لنا سلطات أمر واقع بأحقادها وتخلفها وماضيها وكراهيتها، لتعيث في الأرض فساداً واستبداداً وفوضى، وأنشأت لنا مليشيات مناطقية وجهوية وطائفية، ومذهبية، وأمراء حرب يأتمرون بأمرها، وأوضاع اقتصادية مأسوية، وأكثر من مزريه.

(4)

لطالما تحدثت سلطة صنعاء عن سعر البورصة العالمي، ونذكِّرها هنا؛ عندما هبطت أسعار النفط لأول مرة في تاريخ أسعاره، ووصول هذا الهبوط إلى دولاراً واحداً أو بضعة دولارات لبرميل النفط في سعر البورصة العالمي، حتى قالوا: “بات السعر لا يفي بكلفة إنتاجه”؛ ظلت لدينا أسعار المّشتقات النفطية في أعاليها، تشتعل وتعشق القمم العالية، فيما شعبنا يرزح تحت وطأة جشع مهول وأسعار مازالت تبلغ عنانها دون نكوص أو رجوع في ظل جشع الهوامير وسلطة أمر واقع كجهنم تقول: هل من مزيد؟

انتظرنا في أسواقنا ومحطاتنا من يقول لنا: “يا حراجاه يا بلاشاه عبده مرّوح”؛ ولكن للأسف اكتشفنا أن هذا لا يحدث في أسعار المشتقات النفطية، وتحديداً في بلادنا.. خيبة عريضة لمواطن لا يوجد من يحميه من الجشع.

أغلى أسعار المشتقات النفطية في العالم خلال السبع سنوات حرب، وما بعدها، وإلى اليوم لا يشتريه إلا المواطن اليمني. يحدث هذا فقط في ظل سلطات الأمر الواقع لدينا فقط، ربما لأنه لا يوجد حامل يعبر عن هذا الشعب، ولا يوجد من يرحم هذا الشعب، أو يحاول التخفيف عنه، لا داخلياً ولا خارجيا.

ظل المواطن اليمني وحده ينزف، ويدفع دم قلبه ليشتري مشتقات النفط التي تباع في أسواقه المحلية بأغلى سعر في العالم أجمع.

(5)

لطالما طالبنا وطالبت لجنة التنمية والنفط في مجلس نواب صنعاء، وطالب المجلس بموافاته بعقود الاستيراد، ومحاضر الاتفاقات التي يتم بموجبها شراء واستيراد المشتقات النفطية، “بترول وديزل وغاز”.. طالبنا بسعر التكلفة، وقائمة احتساب قيمة شراء بيع المشتقات النفطية، ولكن ما من استجابة لمسناها من قبل الجهات المعنية، إلى الحد الذي أحسسنا على نحو كثيف، إن أمر كهذا بات كالمنطقة المحظورة، ممنوعا علينا تجاوز سيجاها، أو الاقتراب منها.

حدث ويحدث هذا للحيلولة دون معرفة الحقيقة المُرّة التي يعيشها شعبنا، وقد تم ولسنوات طوال تحويل المواطن اليمني المغلوب على أمره إلى غنيمة حرب، ثم غنيمة هدن لا ندري مداها وإلى متى ستستمر..!!

اليوم يعيش شعبنا السنة التاسعة حياة الفاقة والجوع والعوز، وعلى نحو مستمر ومتزايد، ودون وجود أي أفق أو أمل أو ما يشي بوقف إفقاره، أو وقف المزيد من سحقه وتعذيبه.

(6)

طالبنا وطالبت لجنة التنمية والنفط، ومعنا مجلس نواب صنعاء بموفاتنا لأوجه صرف المبالغ المستقطعة ضمن قيمة المشتقات النفطية لصالح مزعوم إنشاء محطة كهرباء بالفحم الحجري، وإنشاء ميناء نفطي بمحافظة الحديدة، ولكن للأسف لم تتم موافاة المجلس بشيء من ذلك رغم تكرار المطالبة..!!

وكانت لجنة التنمية والنفط في المجلس قد أشارت في أحد تقاريرها إلى أن تلك المبالغ التي تم جبايتها واستقطاعها باسم تلك المشاريع مهولة، غير أنه لم ينفذ شيئاً منها، ودون معرفة أوجه صرف تلك المبالغ المهولة..!!

إنها جبايات تم دفعها وما زال يدفعها المواطن إلى اليوم، وكل يوم ومنذ سنوات طوال، ودون أن نعلم ويعلم شعبنا إلى أين تذهب تلك المبالغ، ومن يستفيد منها.. لقد أمن الجباة من أي رقابة أو مساءلة أو عقاب.

كل هذه الجبايات لا نعرف أي ثقب أسود يشفطها، ومن أين لنا أن نعلم أصلا طالما لم يتم موافاة المجلس ومنذ سنوات، لا بموازنات ولا بحسابات ختامية للحكومة.

‏(7)

وتمر السنون مزرية تباعاً دون فسحة أو استراحة، وفيها يتم تعطيل رقابة السلطة التشريعية بقصد ودراية واستغراق، ولا ينتهي حال فيها إلى مُساءلة أو سحب ثقة من وزير أو نافذ.. لا حساب ولا عقاب ولا يحزنون.. وأحياناً نجد سياسة “شيّلني وأشيّلك” يتم التعبير عنها ببعض المواقف التي تتسيّد بعض وجوه المشهد المزري الذي نراه..!!

الفساد يكبر ويتغوّل كل يوم حتى وصل إلى ما وصل إليه.. فساد مهول صار بحجم كارثة على وطن يتلاشى، أو بحجم خطيئة تتناسل ولا تُغتفر، لتطول شعباً على مدى أجيال ومستقبل، لا نعلم امتدادها، ومعها وطن يتم تفكيكه بمثابرة ومنهجية وضخ مالي يدعم الكراهية وتمزيق النسيج الاجتماعي الوطني، وتساهم سلطة صنعاء وبرلمانها في هذا التفكيك دون تورع أو مهل.

(8)

خطيئة تتوحش في وجه شعبنا، وتستلب منه حقوقه وأملاكه جهاراً نهاراً، وتستعيد فيها من الماضي الدمامة والدم وما توحش، وتخنق الحاضر بماضيه، وتجهز على المستقبل المثقل بسلطة ثقيلة لا تريد أن تتزحزح منه.

ويجري بإمعان تغييب حقوق الوطن والمواطنة، في ظل تعطيل الأدوات الرقابية للمجلس، وتعطيل الدستور والقانون ولائحة المجلس، بإدارة رئيس المجلس يحيى الراعي، “وكيل” السلطة التنفيذية في السلطة التشريعية، والذي صار ملكياً أكثر من الملك، وينبري بحماس إلى تنفيذ ما يخجلون منه أو يعافون هم من تنفيذه.. ويقبل دون تردد أن يأكل ثوم السلطة بفمه، وبفم هذا المجلس المنحسر، منزوع الدسم والأظافر والمخالب وبمساعدته.

(9)

لطالما طالبنا بموافاة المجلس بموازنات الحكومة وحساباتها الختامية، غير أن هذا الأمر الجوهري لا يكترث له رئيس المجلس، يحيى الراعي، ولا يثير في نفسه وحفيظة حد أدنى من المسؤولية، وللأسف الشديد يكون كل يوم الانحدار أشد من سابقه، فتنقضي السنون المزرية، ويمنح رئيس المجلس مزيد من الثقة والدعم من قبل سلطة صنعاء، وأكثر منه إعادة منحه الثقة لرئاسة المجلس مرتين وثلاث..

والمخجل أكثر أن يتم هذا بطرق بدائية ومتعسفة وعلى نحو تهريجي ومبتذل، وخالي من الحد الأدنى من المسؤولية، والالتزام بالحدود الدنيا من الدستور والقانون.

(10)

ويجري كل هذا بدعم الواقفين على هرم السلطة، ودعم شكلي يمرر تحت عنوان التوافقات والشراكة، التي نعلم مدى صوريتها، ولكن يتم استخدامها لإعادة إنتاج المخلفات المتعفنة والفشل المكرر، ومعها انتاج مزيد من الهشاشة والضعف، دون أن يخلوا ذلك من ابتزاز الأعضاء بقوتهم ومستحقاتهم، أو بمنحهم فتات من العطايا، بل أقل من الفتات الذي يضاعف إذلالهم وتبعيتهم وحسرتهم.

يحيى الراعي رئيس ما يسمى بالسلطة التشريعية، وما يتم من مخادعات التسميات التي لا تمت للواقع بصلة، نجده يهرع مهرولاً لتمرير ما هو غير دستوري وغير قانوني، وعلى نحو يفتقد للحد الأدنى من اللياقة، بل وعلى نحو مصادم للدستور والقانون ولائحة المجلس وبديهيات العمل البرلماني والأعراف البرلمانية المتبعة في كل برلمانات دول العالم الملكية والجمهورية، بما فيها “إسرائيل” التي نلعنها في كل حين.

‏(11)

لطالما طالبنا بتخفيض سعر المشتقات النفطية بما يتناسب مع الانخفاض العالمي والكلفة الحقيقية لأسعار الشراء وإلغاء الجبايات الغير القانونية المضافة على كلفة المشتقات النفطية ومن ضمنها الغاز المنزلي، ولكن من دون جدوى أو فائدة، حيث إن السلطة ظلت بعيدة عن أي تدخل أو ضبط للسعر لصالح المواطن وحمايته من الشريحة الطفيلية المدعومة من السلطة.. هذا المواطن الذي بات يهيم على وجه، وباتت روحه تنزف، وأمنياته تتلاشى كل يوم إلى بدد، وبات تدخلها الفج يصب في صالحها وصالح هواميرها، وعلى الضد من مصالح شعبنا ومصالح مواطنينا المنكوبين بهذه السلطة التي تريد أن تظل مفتوحة فاهها لا تكتفي ولا تشبع.

أما التنزيلات التي تتم بالقطارة أو الخمسمائة ريال، فإنها لا تعدو أكثر من ذر الرماد على العيون، ولا يقدم عليها إلا من لا يخجل ولا يستحي.

(12)

لطالما طالبنا ومعنا لجنة التنمية والنفط في مجلس نواب صنعاء لكسر الاحتكار في استيراد المشتقات النفطية، وفتح أبواب التنافس “غير الصورية” أمام الشركات المحلية والأجنبية، والبيع بأسعار تنافسية بما يخفف من معاناة المواطن الصابر على الباطل ثمان سنوات طوال، ولكن لا حياة لمن تنادي.

وكانت لجنة النفط والتنمية في أخر تقرير لها رفعته إلى المجلس قد أكدت على نحو صريح وواضح في مطلبها وهو كسر احتكار استيراد المشتقات النفطية، حيث قالت وبما نصه: ” استمرار احتكار استيراد المشتقات النفطية والغاز على عدد معين من التجار، ودون فتح باب المنافسة في عملية الاستيراد أمام الشركات المحلية والأجنبية والبيع بأسعار تنافسية”.

(13)

وفي قطاع المعادن أشار تقرير لجنة التنمية والنفط في مجلس نواب صنعاء، إلى أنه تم إنشاء شركة تعدين مغلقة، دون استكمال الإجراءات الدستورية والقانونية، ولم يكشف التقرير إيضاحات أو تفاصيل حول هذا القطاع المجهول في جله، وغموض في الاجمال والتفاصيل منذ سنين، بسبب أن السلطة التنفيذية لم تقدم لمجلس النواب لا موازنة ولا حسابات ختامية، والتي كنا من خلالها نستطيع معرفة الكثير، وإننا أحوج للكثير من المعرفة في هذا الجانب، وعما يحدث في هذا القطاع، وعلى رأسه استخراج الذهب، إن كان في محافظة حجه أو غيرها.. !!

(14)

من العام 2019 يتم إضافة مبلغ مالي على كل أسطوانة غاز منزلية لصالح صيانات أسطوانات الغاز، ولكن نحن رقابة الشعب كيف لنا التأكد من حقيقة إجمالي المبلغ التي تم جبايته خلال هذه السنوات، وتحت هذا العنوان، وصحة إجمالي المبالغ التي تم إنفاقها فيما خصصت له!!

ولذلك ما زالت لجنة التنمية والنفط في مجلس نواب تطالب بأوجه صرف تلك المبالغ والتي تم ويتم استقطاعها لصالح عملية صيانة أسطوانات الغاز المنزلية من العام 2019 وحتى الآن ما زال الحال على حاله.

تظنون متى يمكن الحصول على ما تم طلبه؟! ومتى ستكون المحاسبة؟! وكيف ستتم المحاسبة بدون معرفة أوجه الصرف التي لم تأتِ بعد؟!

(15)

أظن لن يحدث هذا ولا ذاك، لأن المجلس قد صيروه محلل دون حيلة أو ظفر..!! كيف سنعرف هذا وذاك طالما حكومة صنعاء ومعها الهيئات والمصالح الحكومية لا تقدم لمجلس النواب موازنات أو حسابات ختامية منذ سنوات طوال، فيما يدعمم رئيس مجلس نواب سلطة صنعاء يحيى الراعي لمطالبنا الدستورية تلك.

إن من أهم المهام الدستورية والقانونية للمجلس هي مناقشة وإقرار الموازنات والحسابات الختامية للحكومة والرقابة عليها غير أن هذا لم يحدث منذ سنوات..!!

هذا الحال يبدو مناسباً للحكومة والرئاسة وقبلها اللجنة الاقتصادية العليا، ومعهم رئيس مجلس النواب يحيى الراعي الذي يقبل أن يتم أكل الثوم بفم المجلس، ليشرعن ما هو غير دستوري وغير قانوني، وفي المقابل يتخلى عن صلب المهام الدستورية والقانونية للمجلس، ويذهب لتدشين ومباركة مدونة السلوك الوظيفي التي تلغي الدستور والقانون وحقوق الموظفين وتحول المواطنة وعقود العمل إلى صكوك عبودية.

(16)

هذا الحال يبدو مناسباً وآمنا للحكومة والرئاسة وقبلها اللجنة الاقتصادية العليا، ومعهم رئيس مجلس نواب صنعاء البرجماتي يحيى الراعي الذي يقبل أن يشرعن ما هو غير دستوري وغير قانوني، وفي المقابل يتخلى عن صلب المهام الدستورية والقانونية للمجلس.

وفي هذا المقام الف مثال ومثال، ومنها ذلك المزعوم “قانون منع التعاملات الربوية”، وتلك المدونة التي ذهب رئيس مجلس نواب صنعاء لتدشينها ومباركتها والتي لا تصادم الدستور والقانون، بل تلغي ما بقي لنا منه، وتنسف ما بقي للموظفين من حقوق، ومحاولة تحويل عقود العمل إلى صكوك للعبودية في الألفية الثالثة دون خجل أو حياء.

(17)

ورد في تقرير لجنة التنمية والنفط في مجلس نواب صنعاء التالي:
“عدم الشفافية والوضوح في عملية شراء واستيراد المشتقات النفطية (بنزين وديزل وغاز) والأسس والمعايير التي يتم بموجبها شراء المشتقات النفطية ودون موافاة المجلس بنسخ من عقود الشراء والاستيراد لتلك المشتقات ومحاضر الاتفاقيات التي تتم بين الشركة والمستورد رغم تأكيد المجلس عليها في أكثر من توصية”.

وزير النفط يقول في رده: لا يوجد لدى الوزارة وشركة النفط وشركة الغاز أي عقود كونها ليست من تقوم بعملية الشراء.

***

تعجبوا كما شئتم فـ “شر البلية ما يُضحك”.
أقول للوزير هنا وللقائمين على شركة النفط وشركة الغاز أن الشركتين معنيتين ومن باب أولى في زمن الحرب، بالرقابة على أسعار الشراء والتحميل ومتابعة الوصول، وضبط التكاليف، وعملية التوزيع والبيع وفقاً للقانون، وما هو مسنودا لهما من مهام.

– كيف يتسنّى للشركتين وللوزير الادعاء بعدم العلم بعقود الشراء؟!
– كيف لهم احتساب التكاليف دون معرفة لأسعار الشراء وما تليها من تكاليف؟!
– ما هي المعايير التي يجري بموجبها تحديد أسعار البيع للمواطن العرطة والشعب المعروط؟!

والأغرب أن الوزير سبق أن ألتزم بتنفيذ توصيات تقارير سابقة، ومنها تلك التوصية التي نحن بصددها والتي تطلب منه إحضار عقود الشراء للجنة، فما الذي أستجد ليتنصل منها جهارا نهاراً..!!! إنها مخاوف الإنكشاف التي ستطول الظاهر والمستتر..

(18)

ماذا تعني لهؤلاء رقابة شركة النفط وشركة الغاز، دون معرفة قيمة الشراء لتلك المشتقات النفطية، وعلى أي أساس يجري تحديد الأسعار للمواطن الذي ينبغي على السلطة أن تحميه من الجشع في زمن الحرب؟!
إن ما أتى به الوزير من قول فادح لا يقل عن “عذر أقبح من ذنب”، بل هو أفدح منه.

والأهم أن مسؤولينا لم يعودوا يستحون أو يخجلون وإلا لما جاءت أعذارهم على تلك الطريقة وعلى ذلك النحو الصارخ في التنصل والاختلاق والاستسهال في طرحه على بلاطة.. ومتى؟! في زمن الحرب الأحوج فيها المواطن للحماية من جشع يستغل الحرب.

لقد فقدوا ماء وجوههم من ثمان سنوات طوال..
واليوم قد تصحّرت وأجدبت وجوههم، ولم تعد تبالي بخجل أو حياء أو ماء وجه.

(19)

يا معالي الوزير وقبله اللجنة الاقتصادية العليا الراعية لكل ما يحدث.. ألا يكفي ما استنزفتموه من شعبكم طوال سنوات حربكم..؟!

إلى متى ستظلون تستنزفونه وقد بلغت القلوب الحناجر..؟!
ألا يستحق شعبنا الصابر عليكم ثمان سنوات طوال منحه حتى فسحة أو استراحة يستعيد فيها أنفاسه بعد حرب أستمرت سبع سنوات عجاف.

هدنكم مع عدوكم معلنة وغير معلنة نعيش عامها الثاني؛ فلماذا لا تعلنون هدنة واحدة مع شعبكم الصابر لمدة عام أو حتى شهر وقد تحملكم ثمان عجاف؟!

(20)

طلب التقرير البرلماني من وزارة النفط موافاة اللجنة خلال مدة أقصاها أسبوع عقود الاستيراد ومحاضر الاتفاقيات التي يتم بموجبها شراء واستيراد المشتقات النفطية والغاز المنزلي وقائمة تكاليف احتساب قيمة شراء بيع المشتقات النفطية.

فمتى ستصل ما تم طلبه إلينا، وقد سبق أن طالبت به لجنة النفط، ومجلس النواب منزوع الدسم والأظافر، خلال سنوات طوال، ولكن لم نجد مما طلبناه إلا إذن من طين وإذن من عجين، ورد يقول: لم يأتِ ولن يأتي.

(21)

توصيات سبق أن أصدرها المجلس وضمنها تقاريره، وتضمنت تلك التقارير توصياته، وألتزم بها الوزير أمام المجلس بتكرار، ولكن لم يتم تنفيذها إلى اليوم.. التزامات كانت نتيجتها جدب وتصحر مثل وجوههم العارية من الماء والحياء والخجل.
لا نفاد ولا مقاربة ولا يحزنون..!!

انتظرناها سنوات طوال، ولكنها لم تأتِ إلى اليوم ولن تأتي طالما اللجنة الاقتصادية الغير دستورية والغير قانونية هي من تدير المشهد الاقتصادي دون أن تتحمل أي عواقب أو مسؤولية.

نحن نعلم أن كشف شيئاً مما طلبناه سوف يكشف حجم الفساد المهول الذي أثقل كاهل شعبنا ثمان سنوات طوال.
والأهم أنه وإلى يومنا هذا وساعتنا هذه لا يوجد من يقول للفساد قف هنا.. شعبنا لا يحتمل المزيد..
لا يوجد إلى الأن من يقول للفساد “كمل أبو الليم”.

(22)

تقرير لجنة النفط في المجلس يشير صراحة فيما يخص المشتقات النفطية إن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لم يقم بدوره في الرقابة على أداء وأعمال ونشاط الجهات الحكومية والمخالفات والتجاوزات للقوانين واللوائح المنظمة لتلك الجهات، ولا يقدم تقارير دورية بشأنها للمجلس، وعدم اهتمام الحكومة باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة تجاه معالجة الاختلالات والقضايا المتعلقة بقطاعات النفط والغاز والمعادن.

والسؤال الأهم هنا:
من يراقب نفسه؟!
لاسيما وقد صار حاميها هو حراميها.
لن يراقب حاميها حراميها.
إن الحال صار من بعضه.

(23)

لماذا تكذبون ولماذا تتنصلون عن مسؤولياتكم أمام شعبكم؟!
لماذا تستهلون الكذب على مواطنيكم؟!
هل لأنكم أمنتم حساب شعبكم وعقابه بعد أن أنهكتموه كل تلك السنين الطوال؟! فما عدتم تبالون به، وظننتم أو أعتقدتم أنه مات إلى الأبد، وقد ملكتم عليه إذعاناً وغلبة وسطوة لا تُغلب.

ثقوا أن شعبنا يصبر فقط، ولابد من قيامة ستأتي لا محالة، فلا شعب يموت إلى الأبد.. اعلموا هذا وصرّوه في مكين، واحفضوه إلى يوم ستذكروه حتماً حين يداهمكم الحساب والغضب وعظيم الندم.

(24)

لا أرى هنا ومما حدث ويحدث من مروع ومهول إلا يوم قيامة قادم لامحالة طالما ظل هذا التمادي الواثق والمستسهل لغضب شعبنا..

لا أرى إلا موعد حساب يقترب بعد نفاد صبر..
بل أرى احتقانا سينفجر في مدٍ منظور، إن لم يكن وشيك أو قريب، وساعتها “لات ساعة مندم”.

وأختم هنا أن أكثر من تضيع عليه فرص النجاة هو الفاسد المستبد الغارق في جشعه والموغل في أنانيته المفرطة التي لا يمنعها مانع ولا يحدّها جدار.

شعبنا يصبر لموعد حساب يقترب وإن ظن الفاسدون والمستبدون أنهم شلّوا أنفاسه وحركته..!

***

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى