تغاريد غير مشفرة

نحن الصامدون لا أنتم .. أحمد سيف حاشد

لا لتزييف الوعي .. تغاريد غير مشفرة

نحن الصامدون لا أنتم

أحمد سيف حاشد

يمني برلماني:

الصامد هو من جاع ونام طوى، أو أقتصر مأكله على وجبه أو وجبتين من نصف وجبة في اليوم، وليس من تنعم وأكل ما طاب واشتهى من حقوق الناس، ومظالم حياتهم وأقوات عيشهم..

 

الصامد من أصابه الفزع والجزع حالما رأى خبزه يتضاءل وزنا وحجما حتى لا يكاد يراه، وقد أجحظ الجوع عينيه، لا من يعيش في الدسم والعسل، وقد ضرب الشبع كرشه وجنبيه..

 

الصامد من لم يستطع دفع إيجار السكن الذي يعيش فيه.. من تشرد وتجعجع معاناة في إقامته ومأواه ومأكله ومشربه.. لا من أعتاش الرغد وتطاول بالبنيان في ظل حرب ضروس، وعهد ثقيل، وزمن عبوس..

 

الصامدون نحن الذين نهبتهم اللصوصية الجشعة في حرب قذرة أعتاشت على دمنا ودموعنا وجوعنا.. حرب حصادها مُر تحتاج لنتعافى من أوارها وآثارها أكثر من ألف عام، فيما نحن لازلنا إلى اليوم نعيش ونكرّس حروب أجدادنا الأوائل التي عاشوها في الجمل وصفين.. لازال الماضي يعجن الحاضر خارج وداخل.. متى سنتعافى من حروبنا ومن ماضينا وحاضرنا الملطخ بالدم والمآسي العراض..؟!!

 

***

 

الصامد اليوم من أثقلت كاهله معاناة زيادة سعر دبة الغاز التي تناقص وزنها، وسارب من أجلها ليال وأيام، لا من تربّح بفحش منها.. الصامد هو من يحتفل بدبة الغاز عندما يجدها، ويدفع قيمتها من دم قلبه ونزيف روحه، لا من يدير شؤون الناس بالأزمات، ويثري منها بغير حساب.

 

الصامد من لا يجد قوت يومه أو قوت غده.. من يحسب حساب أجرة الباص كمن أعتل وبلغ فيه الألم مبلغه وصار يحصي ويغالب أيامه الباقيات.. أو ذلك الذي يأثر ذرع الطريق بقدميه ليوفر أجرة الباص ليسد بها رمقه، أو بعض من قيمة لقمة عيشه وأهله.. من أهتد حيله وتلاشت حيلته.. صامد حتّى وإن صار الموت طوق نجاة..

 

لسنا من أشعل الحرب أو كنّا سبب في إشعالها.. نحن الضحايا الذين نخسر في رحى الحرب كل شيء.. نحن الضحايا الذين قذفت بهم الحرب إلى جحيمها.. لم يعد لنا في الصبر مكانا أو متسع.. حرب نعيش نارها وأوارها ولا نعلم إلى أي عهد ستمتد تبعاتها في وجه مستقبل من سيأتي، وعلى أي جيل ستضع نهاية لأثارها.. حصاد مرعب وعبث مجنون وحلم مُحترق وغياب موحش وفقدان وطن.. نحن الضحايا الصامدون الذين كتب عليهم العذاب والنهايات المؤلمة..

 

نحن الصامدون الذين نقتات بقايانا لا أنتم الذين تأكلون قلوبنا وأكبادنا وترفلون بالنعيم وتركبون الفخامة.. ليس الصامدون من باتت خزائنهم عامرة بالمال و”الإيمان” من حرب ودم وجوع ودموع، ومعاناة شعب بمن تسلّط عليه بالحديد والنار.. حقوقنا يغتصبها فاسدوكم، وأنتم تثقلوننا معاناة بأوزان الجبال الثقال..

 

***

 

الصامد هو من لم يستطع دفع فواتير الماء والكهرباء التي أثقلتموها بالجُرع الثقال.. نحن الذين نعيش ظلمكم وظلامكم ولا نملك سداد فواتيركم حتّى بمشقة النفس وبلوغ القلوب الحناجر.. ليس بصامد من يطفئ الفرح والنور في عيوننا ليفرح على نواحنا وآلامنا، وجشع لا يشبعه مُلك، ولا تكفيه كنوز قارون..

 

الصامد ليس من قطع رواتب الموظفين، وأعتاش على الحرب، وتورم بالمال، وعاش على فساد طغى حتى أغرق شعبنا بعوز أمتص دمه، وفقر مدقع استنزف روحه، وتربّح بالحرب والمآسي العراض حتى كاد ينبجس وينفجر فحشا وتورما بدمنا وأقواتنا وما بقي فينا من حياة..

 

ليس الصامد من أنبعج وفرة، واكتظت خزائنه في زمن الحرب والسنين العجاف.. ليس الصامد من قطع أرزاق الناس وأستولى على دخل ضئيل كان في حده الأعلى يبقي موظفيه على قيد الحياة بعد أن تقطعت بهم السبل.. ليس الصامد من أستولى على رواتب المعلمين، وأذلهم بفتات لا نراه حتّى بالمجاهر، وحولهم إلى أسرى وعبيد بعد أن أبتزهم بسنوات خدماتهم وبعمر كديد أهدره..

 

فساد تغوّل حتى بات من الضخامة بمكان، وسلطة فساد تقوّي الفساد وترعيه.. وشهادة تقول: “أعرف خمسة أشخاص على الاقل من الصالحين تم اقالتهم، وعشرات من الفاسدين تم تعيينهم واعادة تدويرهم” الحال مختل، والرأس معتل، والهلاك عميم، وسلطة ترعي الفساد وتحميه.. فساد مهول حتى الأعمى يراه..

 

***

 

من الصامد سبع سنوات طوال.. الشبعان  أم الجائع ؟! النزيه الذي يأكل نفسه ولا يجد قوت يومه، أم الفاسد الذي رأسه ببحر العسل والدسم، ويعمد إلى إفقار شعبه كل يوم بإصرار وإمعان، ويتعمد على شعبه تطبيق المثل اللزج “جوع كلبك يتبعك”؟!

 

هل الصامد الذي يذرع الطريق كل يوم بقدميه إلى مقر عمله دون فطور ولا راتب، أم الذي يركب الفخامة والمحاط بالمرافقين ويصرف المال دون حساب..؟! الصامد هو المعلم الذي بدون راتب لا الفاسد والمتسلط الذي يقتات أقوات المعلمين والمنكوبين بالحرب وأوزارها.. جئنا عليها: “مصائب قوم عند قوم فوائد”..

 

نحن الصامدون لا أنتم.. أنتم تعينون علينا الحرب والجوع والفساد المهول.. تتملكون أملاكنا وما تقادمت عليه العهود  والسنون وإرداح الزمان.. تسترزقون من كل شاردة وواردة، وفي كل مصيبة تصيبنا تنتفخ أوداجكم.. حتّى صمودنا وجوعنا تتسولون به الأمم لأجلكم لا لأجلنا، رغم ما لديكم من ووفرة وفحش واكتظاظ مال.. ستصيبكم وتمحقكم عيوننا لا محالة..

 

نحن نموت جوعا وكمدا، وأنتم تعيشون أفراحكم واحتفالاتكم، وتكاثرون المال وتكنزونه في الخزائن والمخازن.. تعترشون الفساد وتفرشون المساجد من جوعنا وعيوننا وأقواتنا لتستولوا على دار الدنيا ودار الآخرة.. كل شيء تسرقونه منّا مرتين دنيا ودين، والأهم أنكم لا تستحون..

 

***

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقع يمنات الاخباري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى