رد سريع ومستعجل بشأن شرعنة ماهو غير دستوري
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
لست مضطراً للحديث في صنعاء عن الدستور والقانون، كون من يحكما فيها سلطة أمر واقع، ولكن فقط أريد أن أرد على أولئك الذين يدافعون عنها باعتبارها سلطة دستور وقانون ونظام، أو أنها ملتزمة بمعايير المفاهيم التي تتعاطى معها الدول والأنظمة السياسية.
1- حكومة صنعاء إذا كانت افتراضاً مقالة من جهة مخولة لها بالإقالة، فإن تكليفها بتصريف الأعمال يجب أن يمنعها من تقديم أو مناقشة مشروع تعديلات قانونية أمام البرلمان، وأكثر منه الطلب من البرلمان تمرير نصوص قانونية تمنح لوزير المالية في الحكومة اقتراح تعديل نصوص قانونية في القوانين المالية الضريبية والجمركية، فضلا عن صلاحية “الرئيس” في إصدارها، وهذا الأمر يفوق من حيث الأهمية العزل والتعيين.
الأسوأ أن ما تم تقديمه وتمريره عبر مجلس نواب صنعاء، يمنح صلاحيات غير دستورية وغير قانونية، من حكومة مقالة إلى حكومة قادمة هي المعنية بتقديم مشاريع القوانين، أو تعديل بعض النصوص القانونية النافذة.. لا تفويض الصلاحيات التشريعية كما حدث.
ما حدث هنا هو أن مجلس نواب صنعاء وهيئة رئاسته المؤتلفة مؤتمر وأنصار، قد وقعت في هاوية من السقوط الدستوري والقانوني، إن لم يكن ما حدث نتيجة صفقة مشبوهة بينهما، وبرعاية عليا من سلطة الأمر الواقع، التي عودت من يأتمر بأمرها على انتهاكات شتى للقواعد الدستورية والقانونية، وما قانون منع التعاملات الربوية إلا مثال واحد وصارخ تم فيه استباحة الدستور، ومعه 14 قانون. ولن أتحدث عن “مكافأة” أعضاء المجلس في تمرير هذا القانون الكارثة. عليك وضع كلمة “مكافاة” هنا بين قوسين.
2- موسوعة ويكيبيديا تشير إلى أن حكومة تصريف الأعمال أو حكومة تسيير الأعمال هي حكومة لا يحق لها البت بالأمور المهمة..
والسؤال المطروح هنا:
ما هو الأهم من أهمية المبادرة التشريعية، والتشريع في أعمال الحكومات والبرلمانات في العالم، وكل حسب اختصاصه وصلاحياته.. الأكيد أن الأهم هو ما يتعلق بالتشريع لا دونه.
ثم تأتي أنت ومعك أحد الوزراء خلافاً لما يقوله العالم كله في هذا الصدد، لتقولا أن الممنوع فقط في حكومة تصريف الأعمال يقتصر على العزل والتعيين، فيما أنت تمرر وترتكب ما هو أهم، ويدخل في المنع من باب أولى.
3- المصادر تحصر حدود صلاحيات حكومة تصريف الأعمال في إطار ضيّق، لا تتعدّى إمكانية منحها بعض الصلاحيات التصريفية، أو تصريفها للأعمال الإدارية والروتينية للإدارات العامة، كي لا تصاب البلاد بالشلل التام، أو تجنباً للفراغ المميت في حياة الإدارة والمجتمع.
فيما الذي حدث لديك أنت هو الدفاع والشرعنة لصلاحيات متعلقة بمستقبل حكومة قادمة، من قبل حكومة قيد الإقالة.. أنها فعلة أكثر من تقديم العربة على الحصان، بل هي حمل الحصان على عربة لا يجرها أي حصان.
ولذلك نصت بعض القوانين العربية في إطار هذا المفهوم قولها: “لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال”.
فيما الذي حدث لدينا؛ هي إقالة لا استقالة، والتشدد حيال الحكومة المقالة يجب أن تكون أكثر من الاستقالة، وقد تم وصف وضعها بالمزري، رغم علمنا إن الحكومة كانت في جلها لا تحكم، وإنما التي تحكم هي السلطة الخفية.. فكيف لبرلمان وحكومة أن يجمعان السوء كله؟!
4- إذا كان تصريف الأعمال هي للحيلولة دون الإضرار بمصالح الجمهور، وأن لا يكون لتصرف الحكومة المستقيلة آثار مالية أو قانونية، وأن لا تحدث أعباء وآثار مالية وإدارية وتنظيمية جديدة..
فما بال المجلس والحكومة يذهبان إلى التشريع لحكومة مقالة، وفيه آثار مالية محضة، بل وصلاحيات تتعلق بالجباية، ومنح صلاحيات للسلطة التنفيذية غير دستورية، وتعديل نصوص قانونية مالية على رأسها الضرائب والجمارك لصالح وزير في السلطة التنفيذية.
5- أنت أيها النائب وصاحبك الوزير بهكذا تشريع تكونا قد هدمتا بإمعان المبدأ الدستوري الأول والأهم، وهو مبدأ الفصل بين السلطات، ومنحتَ باعتبارك برلماني للسلطة التنفيذية صلاحيات هي من صميم اختصاصات وصلاحيات مجلس النواب.. هذا لا يحدث إلا في صنعاء؟؟..
أنت في خلاصة موقفك غير مؤتمن، بل ونكثت يميناً وضعت على القرآن كف يدك،وحلفت عليه وقسمت أمام الأشهاد.. لا يوجد نواب أو نائب عن الشعب يمنح اختصاصاته وصلاحيات برلمان الشعب للحكومة الذي يفترض أن يراقبها، لا أن تتخلى عن اختصاصك وصلاحياتك أنت والبرلمان للحكومة فيما قسمك كان الحفاظ على الدستور..
هكذا حال، وهكذا فعل، لا يفعله إلا نواب سلطة صنعاء!!! لا يوجد برلمان يفعل مثل هذا إلا في صنعاء..!!
6- يشير الدكتور علي مهدي أنه لا يحق لحكومة تصريف الأعمال البت في الأمور ذات الطبيعة المستقبلية والمصيرية، ويقتصر عملها في العاجل من شؤون الحكومة، واختصاصاتها محدودة، فلا يحق لها القيام بمبادرات وأعمال ذات نتائج سياسية، وأبرز مهامها تصريف امور الوزارات المختلفة بالحد الأدنى من الاستمرارية الإدارية، وتسيير مصالح المواطنين.
فيما ذهبت أنت إلى كل محظور لتفعله، وأكثر منه لتدافع عما صنعته وتصنعه، ويؤدي إلى نكثك لليمين الذي شهدناه، وأنت تقسمه بوضع كفك الثقيل على القرآن الكريم.
7- يقول علي التميني، ومصادر أخرى أن المقصود بتصريف الأعمال هي الأعمال العادية والإدارية الروتينية، وأن الرقابة على حكومة تصريف الأعمال اليومية يكون من القضاء الإداري، حيث يمكن الطعن بقراراتها امامه، مؤكدين أنه لا يحق لحكومة تصريف الأعمال اليومية ان تقترح تعديل الدستور أو تشريع القوانين ولا عقد الاتفاقيات أو الدخول فيها، أو باختصار كل عمل يحتاج لرقابة البرلمان، فهي حكومة منتهية.
أما أنت فلم تتهيب دستور ولا قانون، بل وأكثر منه استبحتهما، ودافعت عن الباطل بقضك وقضيضك، وكل ما لديك من حيلة وقوة.
8- خلي برنامج الانعقاد الأخير لمجلس نواب صنعاء، من أسئلة النواب، بمبرر أن الحكومة مقالة، وتأجيل جواب الأسئلة للحكومة القادمة.. فكيف تبرر فعلك على ما هو أهم وأكبر، والذي أدى إلى تشريع فيه اعتداء على مبدأ الفصل بين السلطات، وتمرير وتشريع ما هو غير دستوري لتفرضه كقانون.
9- لماذا تم منعي من الكلام في مشروع التعديلات القانونية إجمالا، وفي يومين متتالين، وبطريقة تنم عن حيلة وحذلقة إن لم يكن أكثر، لماذا لا تعترض أو تقول رأيك بشأن مصادرة حق زميلك في الكلام تحت قبة البرلمان، اليوم أنا وغداً أنت.. لاسيما وأن الأمر يتعلق برفض أن أقول رأيي أو نقطة نظامي، وموقفي من انتهاك يجري بحق الدستور والقانون واللائحة تحت قبة المجلس.
10- البعض يعرّف تصريف الاعمال، بتلك الاعمال الملحة الضاغطة التي لا تحتمل التأجيل او الارجاء لحين تأليف الحكومة الجديدة، والتي بسبب سرعتها تستوجب اتخاذ قرارات فورية او تلك التي تكون مقتصرة على تنفيذ الادارة اليومية من دون ان تنطوي على اية صعوبة خاصة، او على أي خيار دقيق، وتبقى الوزارة المستقيلة مكلفة بها الى حين تشكيل الوزارة الجديدة، واستلام كل عضو من اعضائها مهام وزارته من سلفه.
إن انتهاك نصوص الدستور أو استباحته، أو قوننة ما هو غير دستوري، أمر ممنوع ليس كون البرلمان ينعقد دون نصاب فقط، وليس لأن الحكومة المقالة مقتصرة عملها على تصريف الأعمال، بل ممنوع ومحضور أن تذهب إليه الحكومة في ظل شرعيتها إن افترضنا صحة شرعيتها، فما بال هذا يحدث في ظل حكومة مقالة أو مستقيلة؟!!!