تغاريد غير مشفرة .. تخادم وأشياء أخرى
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
(1)
قال لي: اكتب لنا قصتك لما شجعت الحوثيين يسقطوا الجرعة.
قلت له: لقد كتبتها، وكتبت عن لصوص ومختطفي الثورات، وعن تسليم المعسكرات، وعن الصفقات التي تمت أثناء الحرب، وعن التسول والتربح بوطن دمروه.
أما قصص الحب التي أنشرها فهي محاولة لأنسنتكم، ومحاولة لتذكيركم أن في هذا العالم يوجد شيئاً أخر أيضاً اسمه الحب.
(2)
عندما تعدم سلطة صنعاء الأديب والكاتب سليم المسجد، وكان لايزال عمره عند ارتكاب الجريمة محل جدل، وقضي 14 سنة في السجن، وتعلم ونبغ فيه، وكتب أكثر من تسعة مؤلفات بين رواية وشعر وقصص ومعرفة، ثم يتم إعدامه؛ اعلم أن هذه السلطة بائسة جداً، وليس لها علاقة بالمعرفة والثقافة والأدب والإبداع، وأن هذه البلد تعيش بؤسها البالغ، وبيئتها المتصحرة، وأزماتها الشاملة، وأن الجهل هو من يحكمها ويسوسها.
(3)
سياسة ممنهجة لتدمير التعليم في اليمن
تدمير المعلم
قصف المدرسة
تخريب المنهج
هذا ما حدث ويحدث وبرعاية سلطوية في بعض منه
وبرعاية إقليمية ودولية في البعض الأخر .
(4)
عندما تغير مناهج التعليم، وتؤسس لنظام تعليمي مؤدلج، وفيه ما هو طائفي بل وفئوي أيضا، فهذا يعني أنك تقدم التبرير والتسويغ الكامل للأطراف الأخرى أن تفعل ما تفعله أنت، وكل هذا يتم على حساب وحدة شعبنا ومستقبله، فتكون الخلاصة أن جميعكم يخدم الأجندات والأطماع والمصالح الخارجية، ويحقق مناها في يمن ممزق وضعيف ومرتهن.
(5)
عندما تصدر قوانينك غير الدستورية، وتصدر مدونة جعلتَ منها انقلاب ثان متكامل الأركان على الدستور والقوانين، بل وصيّرتها إعلان دستوري ثاني غير معلن، وجعلتها في تراتبية مصادرك التشريعية بعد مصادر حركتك وأيديولوجيتك، فأعلم أنك تؤسس لكيان انفصالي، وأنك تسوغ للأطراف الأخرى أن تفعل ما تفعله أنت، وأن جميعكم تؤسسون لكيانات انفصالية على حساب وحدة اليمن..
هذا هو الواقع، ولا يوجد ما يشيء غير ذلك.
وأن كثير مما يحدث، يصب في إطار تخادم أطراف الحرب والصراع في اليمن.
(6)
كل التشريعات التي أصدرتها في صنعاء واستباحت فيها الدستور، إنما قدمت خدمة وتسويغ للأطراف الأخرى أن تفعل ما فعلته أنت، وجميعكم فعلتم ما تريدوه بالمصادمة بل والاستباحة للدستور والقوانين.
هكذا تتخادم أطراف الحرب والصراع في اليمن، وتدعم بعضها على حساب دستور الجمهورية اليمنية، وعلى حساب مصالح ووحدة ومستقبل شعبنا، وتشي إلى تعمد تمزيقه.
(7)
مثلما تخوِّن توقيع اتفاقية وزير دفاع سلطة الأمر الواقع في عدن، مع وزير العدل الإمارتي، كون تلك الاتفاقية تتصادم مع الدستور اليمني، وتعتبرها خيانة فجة وصارخة بحق اليمن وشعبها استنادا للدستور اليمني، وكونها أبرمت بعيدا عن أي إجراءات دستورية وقانونية، وبعيداً عن مجلس النواب اليمني، وأنه تم توقيعها من قبل سلطة غير شرعية، فأنك ومدونتك في المقابل فعلت ما هو أكبر، وهو انقلاب كامل على الدستور، وعلى القوانين، وعلى الحقوق، وعلى مكتسبات شعبنا خلال ستين عام مضت.
وهكذا يبدو أن الجميع يمارس الخيانة، والاستباحة الكاملة للدستور، ولمصالح شعبنا ووحدته ومستقبله.
(8)
الحرب التي عشناها كشفت لنا مدى قباحة سلطات الأمر الواقع هنا وهناك، وما بلغته من فساد مهول، وعدم مبالاة بلا حدود، واستهتار بالغ حيال الإنسان، وحيال العقل والمنطق والاقتصاد والاختصاص، بل وبديهيات العلم، وأبجديات المعرفة.. ما حدث لا نظائر له في العالم أجمع من أقصاه إلى أدناه.
ما حدث ويحدث لا توصيف له غير أكثر وأكبر من الفضائح التي لا نظير لها:
1 – اعطاء منح دراسية لدراسة اللغة العربية في دولة الهند التي لا تتحدث العربية.
2 – عندما يناط لمدرس لغة عربية مهمة إدارة ملف اقتصادي شائك لعشرين مليون إنسان. ومتى؟! في ظل حرب ضروس تعددت وجوهها.. وكانت الجبهة الاقتصادية هي الأخطر حتى من العسكرية..
الفشل هنا كان كلفته فادحة، وهي أضعاف مضاعفة ما كان يفترض دفعه، وقد دفعها شعبنا المفقر من قوته ودم قلبه، فيما تربحت بالحرب سلطات الأمر الواقع هنا وهناك، وعلى نحو غير مسبوق في أي حرب.
من الكارثة أن يكون ضحية هذه الحرب ثلاثين مليون إنسان، وأن تتولَّى أمورهم سلطات كتلك.
حتى وإن كنّا فئران تجارب، كان يجب أن لا يحدث ما حدث.
وحتى لو كان الفساد محيط كان يجب أن لا تتم أو تمر تلك المهازل والمآسي، وعلى ذلك النحو التي مرت ولا زالت تمر به.
ما يحدث من قبل سلطات الأمر الواقع هنا وهناك تنم وبتأكيد عن جهل مطبق، وفساد مطلق، وعبث لا حدود له، وفضائح فوق الوصف، بل ليس لها مثيلا أو نظائر في العالم أجمع.
(9)
مثل مقلب اتفاق ظهران الجنوب
تم مقلب أخر يتضمن موافقة السعودية أو استعدادها الضمني على صرف المرتبات وإعادة الإعمار..
خازوق أخر مثل خازوق اتفاق ظهران الجنوب
إنهم لا يتعلمون..!!
يحصدون الوهم من السعودية، ويتركون شعبنا يعيش مرارة الواقع..
الشعب يتضور جوعاً ويعيش معاناة غير مسبوقة، واليمن يتلاشى، ويفقد حتى اسمه في ظل سلطات الأمر الواقع التي تحكمه.
(10)
سالت لعابهم أنهاراً وجداولاً فيما كانوا ينتظرون حصاده من المملكة..
أوهمتهم المملكة أن ما يتمنوه قد صار على مد اليد وأن القطاف قد بات وشيك..
حسبوا عمولتهم من الرأس..
ثم أضافوا ما سيستولون عليه من المرتبات التي تخص الموظفين الذين تحت سلطتهم وسيطرتهم..
ثم أضافوا ما سيحصلون عليه من تعويضات وإعادة الإعمار الخاص بالمناطق التي تحت ولايتهم..
حلموا كثيرا وبدرجة مفرطة، ولكنهم وجدوها في النهاية كوابيس وأضغاث أحلام.
بل كان خازوق أخر، ومكرر، ولدغ من جحر مرتين.
(11)
اعتقدوا أن المملكة ستكون سهلة ولعلها تكون أيضا غنيمة حرب أخرى، ولكن بدون حرب..
بدأوا بالعد لاستحقاقاتهم من المائة مليار إلى الترليون.
استعدوا بمدونة السلوك الوظيفي..
جهزوا الكشوفات والاستحقاقات والفوارق، وما إليها..
تهيؤوا لإحلال وظيفي شبه كامل محل الموظفين القدماء الذين سيتم كنسهم إلى الشارع مقابل فتات أو صدقة..
تمايلوا بين خيار كبير وخيار أكبر..
ولكن في النهاية اتضح لهم إن الأمور بح.. بح..
اكتشفوا أنهم يحرثون في بحر، وأن الحصاد المرتقب مجرد وهم على وهم..
أتضح لهم أن وعود المملكة عرقوبية، وأن شروطها واستحقاقاتها فادح جداً..
قالوا إذاً العودة إلى الحرب.
(12)
في الحرب التي تم إيقافها بالهدن وبدون هدن خسر الوطن 80% من الأرض.
ولا نعلم كم سيخسرون من الباقي الـ 20%
الأكيد أن اليمن إلى الأن خسرت سيادتها وسلامة أراضيها واستقلالها وجمهوريتها وثرواتها وموانيها وجزرها وبحرها وقرارها السياسي..
والسؤال الأهم: ما هو الباقي؟!
(13)
سبق أن أجرينا استطلاعا على “تويتر” صوّت فيه 522 صوتاً على أربعة احتمالات، ووجدنا أعلاها نسبة 34% وهي تلك التي توقّعت توجه قيادة الجماعة إلى التقارب مع المملكة، وهي سياسة برجماتية يحكيها تاريخ الجماعة، وتعاطيها مع جل القضايا التي تواجهها من نشأتها حتى وصولها للسلطة وما زالت إلى اليوم.
ومن أكثر مؤيدات هذه السياسة البرجماتية نهجها وتكتيكاتها حالما كانت مستضعفة، ثم انقلابها ووصولها للسلطة، ثم الخطوات التي أتبعتها في مسار التمكين بعد توليها السلطة.
ويؤيد ذلك أيضا ما سبق أن كشفته الجماعة بوضوح أثناء الحرب، فيما سمي اتفاق “ظهران الجنوب”، والذي جرى بين أطرف يمنية تحت رعاية سعودية، وقبول الجماعة بهذه الرعاية التي كانت صادمة لكثير من الحلفاء والمراقبين والمتابعين.
وما تبع هذا الاتفاق من انسحاب الجماعة من بعض المواقع التي أحتلتها، بل ونزعها لحقول الألغام التي زرعتها في تلك المناطق، وكان هذا قد جاء تحت عنوان “حسن النوايا” من طرف الجماعة، والإثبات للمملكة أنها صاحبة القرار على الأرض، وليس حليفها صالح وحزب المؤتمر.
وأنتهى الأمر بنجاح هذا الفخ الذي نصبته المملكة للجماعة، بعد أن عرفت ما هو ممكن تحقيقه من نجاح في أي عملية تفاوضية قادمة، وبأي شروط، وأي سقف تفاوضي تتمسك به الجماعة.
(14)
أرادت الجماعة طمأنت المملكة، وتقديم نفسها على نحو مغاير يبدد الانطباع القائم لديها، وبالتالي تعزيز ماليتها، ودعم خزائنها، واخضاع خصومها في الداخل، وتمكينها من ترسيخ كيانها في مناطق سيطرتها، وحتى خارجها إن أمكن.
غير أن المملكة حاولت أن تستفيد من “اتفاق ظهران الجنوب” في المبادرات والحلول المقترحة التي جاءت لاحقة في الكويت وعمان، وتنصلت عن أي التزامات أو تبعات، واستمرت بالحرب بدعوى عدم تحقيق أهداف حربها وتدخلها.
(15)
اليوم تحاول المملكة مهادنة الجماعة ونهب أكبر قدر ممكن من الوقت حتى تمر الظروف التي يعيشها العالم اليوم وما قد يتبعها من تداعيات يمكنها أن تعرض المملكة لمخاطر جمة في حال عادة الحرب مع الجماعة في ظل هذه الظروف مع وعيها التام بخطورة أن يكون في جوارها كيان سياسي تحكمه جماعة إيديولوجية.
تفاهمات الجماعة مع السعودية ربما تحتاجها السعودية في ظل وضع دولي متغير وخطير، ووجود فرز عالمي، وتداعيات أخطر على المملكة، والتي ربما تُستهدف في ظروف أزمة الطاقة التي يعيشها العالم، ويمكن استخدام الجماعة من قبل أي طرف للنيل من السعودية وابتزازها ونيل التنازلات الكبيرة منها.
غير أن تحالف الصين مع السعودية، وتحالف روسيا مع طهران، وقدرة جميع الأطراف على الضغط المباشر والقوي والأكيد على الأنصار، بات أمراً وارداً جداً، وبما لا يتيح عودة الحرب والمغامرة مرة أخرى، إلا في حال تغيرت مواقف هذه الدول وتحالفاتها، أو تم إعادة النظر في التحالفات الدولية، وتبدلت موقف هذه الدول.
(16)
أبو بكر السقاف.. كان مثلي الأعلى هو ويوسف الشحاري، وعبدالحبيب سالم، وعمر الجاوي، وعلي صالح عباد مقبل وآخرين..
كتبت بحثاً وأهديته لهؤلاء العمالقة والنجوم، وهو بحث لم ينشر بعد، وكان قد أعطيته نسخة منه وقام بقراءته، وظل يسألني عنه كلما وجدته، بل وأشار إليه في أكثر من مقال.
حثني على بعض الإضافات فيه، وعندما أعربت له عن مخاوفي وتبعات ذلك قال لي:
قضايا الفكر تحتاج جرأة وإقدام واقتحام.
وهذا بعض مما تعلمته منه.
(17)
أبو بكر السقاف شاهدته في إحدى الندوات الفلسفية في مصر، حضرها كبار الفلاسفة والمفكرين العرب..
أذهلني وهو يتحدث..
حديثه كان غزيرا ينساب كنهر متدفق..
لم أكن أعرف أن في اليمن رجلا كهذا..
كان بحراً يموج في الفلسفة والفكر والتاريخ وغيره..
كان حضوره طاغيا على الندوة، وبدا موسوعة مترامية الأطراف..
إننا نعيش عهد رحيل العمالقة الكبار..
الكبار يرحلون، وفراغهم الذي يتركوه يكبر ويتسع.
(18)
أبو بكر السقاف .. زرته في إحدى الأيام وعدد من الزملاء منهم الصديق عبدالباري طاهر إلى البيت التي يقيم فيها بحده..
كان البيت متواضعا جدا..
الغرفة التي أستقبلنا فيها كانت مشبعة بفوضوية ما تحتويه .. كتب وكتيبات وجرائد وما إلى ذلك متناثرة هنا وهناك..
لم أربط بين هذا المشهد ووحدته التي يعيش معها في السكن، بل أرجعت ذلك إلى بعض ما يحدث مع بعض العباقرة.
ومهما يكون من أمر فقد كانت تلك الغرفة تجمع بين بساطة من يقيم فيها، وعظمته ومهابته..
لقد كان عظيما بغزارة فكره وشجاعته ومواقفه.. بل كان عظيماً في كل شيء تقريباً..