مذكرات
الكلية العسكرية (1) العورة والفحص الطبي للأعضاء التناسلية .. أحمد سيف حاشد
مذكراتي .. بعض من تفاصيل حياتي
الكلية العسكرية
(1)
العورة والعيب والفحص الطبي
أحمد سيف حاشد
موقع برلماني يمني:
أتممت الثانوية العامة عام 1981وكان عليّ أن أحسن اختيار الجواب على سؤال: ماذا بعد؟؟! كنت أشــعر أن الجواب مهم، وعليّ أن أحسن الاختيار؛ لأن مستقبلي سيكون محكوما به.. وجدتُ أن الأمر يحتاج لبعض من التريث والاستغراق، وربما شعرت في بعض الأحايين حيال ذلك بالحيرة والأرق..
وجدتُ نفسي على مفترق طرق، وأنني سأدفع ثمن أي خطأ في الاختيار، وربما ترافقني الخيبة ما بقي من العمر إن لم أحسن اختياري، أو أسيء التقديري فيه.
تمنيت أن أحصل على منحة دراسية بعد الثانوية العامة في الخارج شأني شأن عدد غير قليل من أقراني، ومن هم دون مستواي؛ حيث كانت محصلة نتيجتي في الثانوية العامة جيد جداً.. كنت أريد أن أحصل على منحة دراسة في الإعلام أو الآداب أو العلاقات الدولية أو العلوم السياسية أو الفلسفة أو علم الاجتماع أو نحو ذلك.. لكن على ما يبدو كنت عاثر الحظ، وقليل الحيلة، ولم أتلقِ دعم من أي جهة أو شخصية حتى في حدود ما يسمح لي بالوصول إلى المنافسة التي تتيح لي فرصة السباق والمفاضلة للفوز بمنحة دراسية..
وبعد هذا الإخفاق لا بأس من الالتحاق بالكلية العسكرية.. هذا الاختيار كان يعني أنني سأختصر الطريق.. إنه اختصار من عمر لا أريد أن أبدد منه سنتين في الخدمة العسكرية، وفيما بعدها سيكون المجهول في انتظاري.. سألت نفسي: لماذا لا ألتحق بالكلية العسكرية طالما يمكنني الالتحاق بها، وأتقاضى منها راتبا شهرياً، وأتخرج منها برتبة ملازم ثاني؟!
بدا لي هذا الاختيار متاحا وممكنا ولاسيما أنه يختصر مشوار السنتين التي يقف المجهول عند نهايتها، ودون أن تضيف شيئا إلى مستقبل انشده.. في الكلية العسكرية سأتزود بمعارف عسكرية ربما أحتاجها في نضالي القادم في شمال الوطن..
كما أن أخي علي سيف حاشد كان هو الآخر خريجاً من الكلية الحربية بصنعاء في مطلع الستينات، وكان له دور نضالي في حماية الجمهورية، وكسر حصار السبعين يوم على صنعاء مع زملائه الأفذاذ، عبد الرقيب عبد الوهاب والوحش وصالح سرحان وغيرهم..
لقد كنت بالفعل فخورا بما أنجزه أخي في الحياة العسكرية دفاعاً عن الثورة والنظام الجمهوري.. أردت أن أكون مثله أو أكثر منه إن استطعت رغم تغير الظروف وتبدل الأحوال..
كان أخي علي شجاعا ومقداما ومحبوبا ويحمل صفات قيادية كثيرة ومتعددة.. كنت أريد أن أسلك مسلكاً يحاكي تجربته في الحياة، أو على الأقل أختط خطاً مقارباً له.. كان ضابطا مشهوداً له بالشجاعة والبسالة.. كان يسارياً ثورياً ومنتمي تنظيميا للحزب الديمقراطي الثوري، ومتمرداً وثائرا على النظام في الشمال، ويرى في قضايا الناس والتقدم قضيته الأولى.
***
كان يتوقف قبولي في الكلية العسكرية على اجتياز الفحص الطبي.. ظننت أن القبول يتوقف فقط على اللياقة البدنية، وربما فحص طبي، ولكن لم يتبادر إلى ذهني أنه سيشمل فحص الأعضاء التناسلية..
قبل المعاينة الطبية كنت أشعر بالخجل من معاينة الطبيب لأعضائي التناسلية.. أسأل نفسي: كيف يتجرأ الطبيب أن يفعل هذا؟! وأين سأدس وجهي من الخجل حين يفعل؟! وكيف سيكون هذا الفعل؟!
ما حدث لم أكن أتوقعه قبل أن أقرر انضمامي للكلية العسكرية، ولو كنت أعلم هذا ما كنت أختار هذا الانضمام؟! لم أتصور أن شيئا من هذا القبيل سيحدث في هذا العبور الذي فاجئني ولم يكن بحسباني، وقد شعرتُ عند المعاينة أن الخجل يبلعني من قمة رأسي إلى أخمس قدماي..
غالبت نفسي، وقمعتُ عقد الممانعة، واجتزت الفحص الطبي بنجاح، وكذا اللياقة البدنية، وكانت خشيتي كبيرة ألا أجتاز الفحص الطبي بسبب وجود دوالي خفيفة في الخصيتين، غير أن الأمر كان بسيطا أو غير ملحوظ، ولم يشكل أي مانع من الالتحاق بالكلية العسكرية..
***
تذكرت “علوان” في قريتنا.. الرجل الحساس والخجول والقبيلي المعتز بقيم العيب ومفهوم الرجولة المطبوعة في تصوره الأخلاقي، والذي لم يفرط باقلّها هونا، حتى وإن قتل نفسه، بل وقد آثر الانتحار على أن يُمس بعيب حتى من قبل الطبيب.. لم يساوم فيما يراه من عيب وإن بات ما يعانيه خطرا يتهدد حياته..
“علوان” الذي آثر الموت على معاينة الطبيب للباسور الذي كان على ما يبدو قد بلغ حد لا يحتمل من التضخم والنزيف والألم البالغ، وهو ما أدّى به إلى اتخاذ قرار الانتحار، وتنفيذ هذا القرار؛ للخلاص من الألم الذي يعذبه بكتمان، والعيب الذي يثقل كاهله، وتفضيل الموت المروع دون أن يرى الطبيب عورته.. كم نحن مثقلين بالعيب والحياء والخجل إلى حد ربما يفوق التصور في بعض الأحيان!!
كيف لنا أن نفكك تلك العاهات التي تنشّأنا عليها منذ سنوات الحضانة، وتجذرت في سنوات الطفولة الأولى، ثم السنوات التي تليها، وما بعدها؟! ما أحوجنا أن نعيد صياغة الوعي المعطوب، أو المشوه بالعيب الشائه.. كم هي الحاجة ملحة لتفكيك العُقد المستحكمة والمتحكمة في حياتنا ومستقبلنا، والتي تظل تلازمنا من الحضانة حتى أزيف العمر؟
ما أحوجنا أن نبدد الظلام الكثيف الذي أستولي على براءة طفولتنا الأولى، ويريد أن يثقل كواهلنا حتى آخر العمر بالتصورات المختلّة للأخلاق، والقيم المشوِّهة للوعي والتربية..!! كم نحن بحاجة أن نتصالح مع أنفسنا لنتعايش مع حقيقتنا دون أقنعة، ودون تزييف أو تزوير..!!
حاجتنا ماسة لأن نتعلم التصالح مع أنفسنا في الطفولة ومقتبل العمر لنقبل على الحياة متعافين بسوية، وحياة خالية من العاهات والعقد والتشوهات الأخرى التي تدمر الوعي أو تعطبه، أو تجعله كسيحا ومثقلا بالإعاقة والكلفة البالغة وفادح قد يصل حد انتزاع الروح..
***
ومن زاوية أخرى فـ “العيب” ليس ثابتا وجامدا لا يتزحزح، أو أنه لا يقبل متغيرا أو تبدلا فيه، حتى وإن بدا لنا في بعض وجوهه شديد الرتابة والمحافظة، وثقيلا أو عصيا على التغيير، ولكنه في النهاية نجده يتزحزح ويتغير من عهد إلى أخر، ومن مجتمع إلى مجتمع، كسائر الحالات والظواهر الاجتماعية..
ليس للعيب معايير واحدة، وليس لمفهومه ثبات دائم أو نظرة واحدة، بل هو محكوم أو مرهون بتطور المجتمعات وتخلفها، ويخضع لتبدل المفاهيم وتغير الأنظمة الاجتماعية.. مقاس المجتمعات ومعاييرها في تقدير العيب يتفاوت ويختلف، فما كان عيب في الماضي أو حتّى تعداه إلى التحريم والتجريم، ربما وجدناه في الحاضر أو المستقبل مسموح به ومتاح، إن لم يكن محل اختيار وتفضيل..
ما رأيناه في الأمس عيبا باذخا ربما لا يكون اليوم كذلك، وما هو عيب غشوم اليوم ربما لا يكون غدا كذلك، ونظرة المجتمعات للعيب تتعدد وتتفاوت، بل ويحدث هذا حتّى في المجتمع الواحد، فالحجاب أو النقاب ربما يراه البعض احتشام، ويراه آخرون جهل وتخلف.. لباس المرأة بمجمله ربما يخضع للجدل نفسه.. العورة والفعل الفاضح وشعر رأس الرجل والمرأة وغير هذا كثير يخضع أيضا لمثل هذا التعدد والجدل..
مفهوم العيب له تطوره وسياقه التاريخي، ويخضع لقانون صراع الأضداد بين القديم والجديد في المجتمعات، وسنجد هنا أو هناك من يشهر سيف العيب فيما لا يخلوا من الاستخدام العصبوي أو السلطوي، أو المتعمد لأسباب ثقافية أو موروثة للنيل من الحقوق والحريات، وتكريس الاضطهاد من بعض المجتمع على بعضه، مثل اضطهاد المرأة، والأقليات، والمهمشين، وفي هذا السياق نجد الصراع قائما على نحو أو آخر، بين البالي والمتخلّف من جهةـ والجديد والمتقدم من جهة ثانية..
ما نجده عيب في مجتمع ما، قد لا يكون كذلك لدى نفس المجتمع في مرحلة تاريخية أخرى.. وما يراه مجتمع ما عيبا، ليس بالضرورة أن يكون عيبا في مجتمع آخر، بل ربما يكون محل طلب واختيار واستحسان، وما هو مستحسن هنا ربما نجده في مجتمع آخر شائن وقبيح..
ولا يخلو مفهوم العيب من الطبقية والانحياز، فالسلطات الحاكمة في المجتمع العبودي مثلا ، كانت تسمي العبد المتمرد على سيده أو الهارب منه بالعبد الآبق.. كان عيب السادة يزدري العبيد، ويحرّم ويجرّم تمردهم وخروجهم عن طاعة أسيادهم..
في مرحلة العبودية كانت سلطة من يسود تفرض مفاهيمها وقيمها وقوانينها على من المجتمع . كان هروب العبد من سيده وتمرده عن طاعته من المحرمات الكبيرة، وقد قيل: ” إذا أبق العبد فقد كفر” وفي رواية زاد فيها “حتى يرجع إليهم”. وفي ثالثة (إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة) وفي صيغة “فقد برأت منه الذمة”.. إنه حال وواقع كان مكرسا بالسلطة ووسائل قمعها، وما يأتيه العبد هنا لا يعد فقط مخالفا للقيم والعادات والتقاليد السائدة، بل وفيه خروج عن فسطاط المسلمين، وجريمة ربما بمصطلح اليوم تشبه جريمة “الخيانة العُظمى”.
والسؤال الذي لازال عالقا في الذهن: ما ذنب ذلك الإنسان الذي ولد أو وقع دون إرادة تحت نير العبودية ليتم إثقاله بأحكام لا نعلم صحيحها من كذبها.. لقد تبدّلت النظرة لهذا العبد الذي نراه اليوم بمقام المتمرد والثائر على العبودية والاستعباد..
عمل المرأة كان عيبا، ولم يعد اليوم كذلك لدى كثير من المجتمعات.. لبس المرأة القصير أو حتى المشدود ينطبق عليه أيضا مثل هذا التبدل والتغيير.. ومثله يقال عن الحجاب والاختلاط والتبرج والاحتفال بعيد الحب..
اليوم هناك من يحاول تدجين المجتمع أو التسلّط عليه بمفاهيمه البالية، ويحاول فرض ما يروقه من المفاهيم التي تلائم أو توأم مصالحه، فيفرض علينا عيب ما يعيبه، ويوجب علينا ما يوجبه أو يستحسنه..
اليوم الإسلام السياسي لا يرجع فشله إلى الأسباب الحقيقية، ومنها فساده واستبداده وتسلطه وتخلفه، وقبل ذلك فشله الاقتصادي والسياسي البالغ، وإنما يرجع الأسباب إلى البعد عن الله، وبالتالي يحمّل الوزر كلّه أو جلّه، ويعزوه إلى الاختلاط، والتخلّي عن الحجاب، ورباط خصر عباءة المرأة، وتبرجها، وسفور وجهها، وانتشار الصور عارية الرأس والأطراف على الملابس والمحلات، ويعتبر كل تلك الأمور مندرجة في إطار الحرب الناعمة الذي يشنها ضده عدوه..
ولهذا رأينا العديد من الحملات المرعبة في تخلفها وهي تستهدف المتاجر والمطاعم ومحلات الكوافير والإنترنت والحريات الشخصية وغيرها، وتحملها المسؤولية كاملة بتأخير النصر، وابتلاء البلاد والعباد بالنكبات والمصائب.. إنه تبرير فشل عارم بفشل أفضع منه، وأكثر وقاحة وصفاقة.. إفلاس فادح يجتاح عقل الإسلام السياسي وحوامله السياسية والفكرية والثقافية..
***
وعودة إلى موضوعنا الأساسي وختاما له.. فقد تجاوزت الفحص الطبي، واستكملت مؤهلات ووثائق القبول، وحصلت على مقعد من المقاعد المخصصة لما كانت تُعرف بالجبهة الوطنية الديمقراطية (جودي) التي تم تخصيص حوالي 12 مقعداً لها في تلك الدفعة وهي الدفعة العاشرة، وكانت هنالك مقاعد أخرى تمنح أيضا لما يعرف بحركة التحرر الوطني، مخصصة لفلسطينيين وعمانيين وأكراد وشيوعيين عراقيين..
***
يتبع ..