من يومياتي في أمريكا .. أنتم خزي وعار وتاريخ اليمن الأكثر قتامة

برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
في مرحلة من أيامي الأكثر سودا ومرارة في نيويورك عشتها في غربة كاملة .. غياب موحش.. نكران لا حدود له.. ظروف ساحقة.. نيل في الصميم.. تشفي أنذال.. عشت قهرا لا حدود له.
راهنت على أحد المسؤولين “الكبار” ليس للمساعدة بل للإنقاذ حالما كنت أختنق.. أخترت هذا المسؤول بالذات لحسن ظني به ولأن مخيالي كان يدخره لضيق وشدة كتلك التي عشتها.
كتبت له بقلب ينزف وروح تموت ما يالي:
معك أحمد سيف حاشد..
أنا في نيويورك..
أموري أكثر من سيئة..
حتى الأكل صرت آكل وجبة واحدة كل 24 ساعة..
يؤسفني أن أنقل لك هذا الوجع البالغ.
اكتب هذا مضطرا بعد أن خاب أملي بالكثيرين أو ربما لم أتنازل لهم ومتوقعا الخذلان وربما الشماته أيضا.
هل ممكن تسعفني بأي مبلغ؟!
أنا على الأرجح اعمل عملية قلب مفتوح قريبا وامر تكلفتها محلول.. لا مشكلة في هذا الجانب.
فقط لم أجد قيمة أكل وهنا العيش غالي جدا ومضى على إقامتي أكثر من شهرين وكل ما استلمته من الجالية 1200 دولار – وللتصحيح 900 دولار فقط – نفذت قبل نصف شهر تقريبا بتقشف بالغ.
عموما احتاج إلى إسعاف وبين مشنقة وأخرى فرج.. الأهم أن ما ستفعله معي جميل لن أنساه ما حييت.. أثق بتعاونك معي..
اشعر بإحراج وخجل يبتلعني..
كن دوما بخير .
***
فماذا كان رد هذا المسؤول؟!
حياكم الله أخي أحمد ..
سأعرض موضوعك على الأخ الرئيس، فهم وحدهم في الرئاسة القادرين على مساعدتك لتغطية تكاليف العملية وترتيب وضعك بصورة دائمة.
رديت عليه وبالنص:
لا احتاج حق عملية.. احتاج حق أكل
حق العملية قد تميتها ببطاقة التأمين الصحي
احتاج اولاً اسعاف.. حق الأكل بصورة عاجلة
فأجاب:
إن شاء الله
عملت رسالتين أسأل عن “إن شاء الله” ولكنه لم يجب.
فآثرت الصمت والوجع والندم المضاعف.
لقد تسرب ما أعيشه قبل أن أكتب عنه وقبل أن يعلم به إلا أقل من القليل بدافع من ضرورة.. قرأت منشور فيه تسريب لواحد من أزلامهم ورد فيه: “يقولوا قبل العيد بأسبوع يشكي ويبكي ما بش معه ما يأكل هههههه.” بعد هذا وذاك لم أعد أبالي بكتمان؛ هم من يفترض عليهم أن يخجلون لا نحن.
أنا واحد من أربعين مليون إنسان.. أنا أردت أن أقول لتجار الحروب وملاك أرصدة الدم والعبث السلطوي وأرباب التفاهة والأبواق المأجورة وجور الجلادين أنتم من سام شعبنا كل عذاب وجوع.. أنتم من يخلس شعبنا ليل نهار.. انتم من يأكل حقوقه ويمتص دمه.
أردت أن أقول لهم انتم من يجب أن تستحوا لا نحن.. أنتم العار كله.. أنتم من يجب أن تموتون خزيا وعارا ونذالة.. انتم الذين تقتاتون أقوات شعبنا وتتاجرون بدمه وأرواح أبنائه وتعيثون فسادا وخرابا في الأرض.. نحن وشعبنا من يستحق الحياة وأنتم من تستحقون الموت ألف مرة.
***
كم هو عار على سلطة تتخلي عن شعب تدعي أنها تمثله.. سلطة طفيلية لا تجيد إلا امتصاص دمه.. أعدمت عملته وانقضت بوحشية على مأكله ومشربه وما بقي فيه من حياة ثم تنبري بزهو تشمت وتتعالى وتخنق ما اتسع، ثم تدعي دون خجل أنها تمثله وتمثل مصالحه.
عندما يتضور برلماني في غربته جوعا فيما زملائه يستلمون شهريا 5500 دولار.. عندما يموت الشرفاء ويتعفنون بالقهر والمرض فيما الوزراء والمسؤولون يجوبون عواصم العالم يشترون العقارات ويستثمرون ويتورمون بالأرصدة فيما الشعب يتضور جوعا ويموت كمدا ويفتقد لكل مقومات الكرامه والحياة كبيرها وصغيرها.
أنهارت القيم وأنقلب عاليها سافلها.. أنهار التعليم رغم تواضعه .. أنهارت الصحة رغم بساطتها.. افتقدنا كل الخدمات.. يزعمون دون خجل أن عدن عاصمة وهي بلا ماء ولا كهرباء ولأنهم لا يستحون يتحدثون عن التحرير.. أي تحرير هذا وأنتم أنفسكم مستباحين من أخمص أقدامكم حتى شعر رؤوسكم..
رواتب الموظفين مقطوعة في صنعاء من عشر سنين وسلطة صنعاء تدعي أنها تدافع عن العزة والكرامة وهي كل يوم تسحل شعبنا جهلا وفقرا ومرضا وإذلالا غير مسبوق.
سلطة عدن تهدر كرامة شعبنا وتصلب الريال كل يوم.. تعدم الراتب أو مابقي منه، وما بقي منه أقل من صدقة يحتاج إلى ولادة متعسرة أو عملية قيصرية شتاء وصيف فيما “الرعاة” يرعون في اليمن الفساد المهول والفشل الذريع ونزيف الدم وتمزيق الممزق ويحولون اليمن إلى غنيمة حرب يتقاسمها الكبار والصغار.. كل هذا يحدث دون ذرة حياء أو خجل.
***
سوف يثور شعبنا الجائع يوما لا محالة.. لسنا من كوكب آخر.. بكل تأكيد ستفعل فعلها قوانين المجتمع وسنن الحياة ونرى فيهم أم العجائب.
ذاكرتنا ثقيل عليها ما تشهده وتشاهده من فساد وإفساد مهول، وفشل لا حدود له، واستفزاز يثير غضب الحجر والشجر.. إن التراكم سيشهد ذات يوم إنفجارا مهولا دون شك حالما يبلغ الظلم مداه ومنتهاه، ودوام الحال من المحال والأيام حبلى بالمفاجاءت الكبار.
اكرر لسنا ذاكرة مثقوبة.. مخزون القهر سيجد يوما منفسا على رؤوسكم، والمفارقة فادحة بين شعب يموت جوعا ومسؤولون يتبعجون مالا وثروة.. حتما سيأتي يوما فيه قيامة وحساب.
***
ملحق:
قبل أقل من عام من اليوم انظروا إلى ما كشفه مدير عام حسابات و موازنة رئاسة الوزراء فتحي منجد عن حجم العبث و الانفاق المالي على قيادات الشرعية بالخارج و الداخل ودفع المرتبات الباهضة بالعملة الصعبة.. نعيد نشره هنا إلى يوم حساب.
منشور رقم ( 1 ):
* 37 وزير يتقاضون راتب 7000 دولار شهريا بكشف الإعاشة بإجمالي 259,000 دولار شهريا تصرف من البنك الاهلي السعودي من عائدات النفط*
منشور رقم ( 2 ) :
* 30 مستشار لرئاسة الوزراء يتقاضون راتب 4500 دولار شهريا بكشف الإعاشة بإجمالي 135,000 دولار شهريا تصرف من البنك الاهلي السعودي من عائدات النفط*
منشور رقم ( 3 ) :
* 220 وكلاء محافظين يتقاضون راتب 4500 دولار شهريا بكشف الإعاشة بإجمالي 990,000 دولار شهريا تصرف من البنك الاهلي السعودي من عائدات النفط*
منشور رقم ( 4 ) :
* 120 عضو مجلس نواب يتقاضون راتب 5500 دولار شهريا بكشف الإعاشة بإجمالي 660,000 دولار شهريا تصرف من البنك الاهلي السعودي من عائدات النفط.
و أتم أنا منشوراته هنا وأقول: مالم يكتب أكثر بكثير إن كان الحال في صنعاء أو عدن أو في هذا الخارج الذي يعبث بنا ويتعامل معنا كأننا موتى في مشرحة.
***
الصورة مقصودة وهي لي وليونس الصناعي مدير مطعم الأمين في نيويورك..
هذا الرجل كان أكبر من كل السلطات في بلادي و أوفاء من كل المسؤولين.. تحية له .. تحية لا حدود لها.. ربّ أخ لم تلده أمك.