مذكرات

(4) قرآن وخذلان .. أحمد سيف حاشد

مذكراتي .. من تفاصيل حياتي ..

(4)

بردونيات:

” يا سارق اللقمات من افواه أطفال المدينة

يا ناهب الغفوات من اجفان (صنعاء) السجينة

من ذا يكف يديك عن عصر الجراحات الثخينة

من ذا يلبي ، لو دعت هذي المناحات الدفينة “

قرآن وخداع وخذلان

أحمد سيف حاشد

موقع برلماني يمني:

عندما صار دارنا الجديد ثلاث طباق، كنت أنام في الديوان مع أمي وأبي وأخوتي الصغار، وفي ليل شاتي وداجي استيقظت من النوم.. كان الليل حالكا والسواد شديدا، فيما السكون المحيط يُسمعك أنفاس من في الجوار، بل ويكاد يُسمعك دبيب النمل، وأنفاسه أيضا..

 

بعد وقت قصير، صرت اسمع حركة بقرتنا في أسفل الدار، والدجاج في قنوهن الصغير خارجه.. بدأت أسمع وقع خطوات ثقيلة على سقفنا الذي ننام تحته.. فتح الأبواب وغلقها.. صارت لديّ حدة في السمع، أو بالأحرى حدة في وقع الوهم على السمع.. هلوسة سمعية مشوبه برعب وخوف.. ظللت ما أسمعه يشتد ويزداد.. ما كان وقعه خافتا في البداية صار أكثر وضوحا على مسامعي، ومعه بالموازاة يتضاعف خوفي ورعبي كلما أزذاد ذلك الاشتداد الذي أسمعه..

 

بدأت أسمع كلام وأصوات تزداد وتتضح مع مرور الوقت، وذلك كلما استمريت في الترقب والإمعان في السماع.. أمي وأبي يغطون في النوم.. استغربت أنهم لا يسمعوا ما أسمعه، بعد أن صار أكثر وقعا ووضوحا وسماعا..

 

قرأت مع نفسي سورة الفاتحة التي أتعبني حفظها، ولم أحسن قراءتها.. وبقراءتي لها لم يتغير الحال.. ظننت إن عدم فاعلية سورة الفاتحة راجعا إلى كثرة أخطائي في قراءتها..

 

قرأت سور الناس والفلق والإخلاص، وهو كل ما بقي في جعبتي من حيلة ووسيلة، وفيها ما كنت أحفظه من القرآن لأحمي فيه نفسي الخائفة، وأطرد ما قد يعتريني من توهم أو وسوسة.. أريد بالقرآن أن أحرق الجن كما كان المعتقد يسود في ذهني، وهو ما سبق أن سمعته من أمي وأبي ذات يوم، ولكن دون جدوى أو فائدة.. لا صد ولا مانع عمّا أسمعه.. ظل أملي بمنقذ يتلاشى بمرور الوقت الذي كان يمر ثقيلا كسلحفة..

 

الأصوات تزداد وضوحا.. همهمه تتسع.. بكاء طفل.. صوت امرأة تصرخ في وجه بقرتنا الحلوبة.. صرير الأبواب فتحا وإغلاقا.. صرت كأنني في عالم آخر غير ذلك الذي كان قبل قليل مملوء بالسكينة والسكون..

 

بدا لا مجال أمامي لأنقذ نفسي مما أنا فيه غير أن أصرخ بكل صوتي، فصرخت مرعوبا ومذعورا، وشق صوتي الليل والمكان.. قفز أبي وأمي من نومهما العميق حتى كاد عقليهما يطير، وما أن شاهدتُ “تريك” أبي المنتفض يضيء بيده، شعرت بالنجاة وعودة النفَس، فيما كانت أمي تضمّني وتحتضنني بخوف وقلب هلوع..

 

أمي توغل في تعويذاتها من الشيطان الرجيم، وتسألني بقلق عمّا حدث، كانت تعتقد أن حلم مفزع أو كابوس ما قد داهم نومي، فيما أنا اجيبها بتقطع وتوتر عمّا سمعت، أما أبي فقد باشر بقراءة سورة الجن لحرق الجن الذي عجزتُ أنا عن إحراقهم..

 

كنت أرتجف رعبا وهلعا كأرنب صغير في وجه سكين.. أحاول أن أستعيد حالتي الطبيعية تدريجيا.. أحاول أن أخرج من روعي وأنا أسمع أبي يقرأ سورة الجن.. كنت أريد أن أسمع صراخ الجن وهم يتلاشون في حريق أشعلت آواره سورة الجن، ولكني لم أسمع شيئا مما كنت أعتقد!!

 

قامت أمي وأخرجت من صندوقها الحديدي حرز “السبعة العهود” وألبستي إياه.. نلبسه حرزا في الشأن الجلل والعظيم.. شعرت بالسكينة والاطمئنان، ولم ينام أبي وأمي ليلتها إلا بعد أن ولجت في النعاس ثانية بعد وقت أنقضى، ثم رحتُ أغط في نوم عميق..

 

***

 

وعندما كبرتُ قال لي أحد المنتمين أو الزاعمين بالانتماء إلى “القرآن”، تعليقا على تلك القصة التي سردتها:

– لم يخذلك القرآن يا أستاذ أحمد، بل أنت من خذلت نفسك، واعلم إن القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين، أما حرز السبعة العهود فهو شرك وشعوذة، أسأل الله أن يردك إليه ردا جميلا..

فأجبت: ونعم بالله.. “الحرز” أيضا مترعا بذكر ربي، وآيات من الذكر الحكيم، ولن أعيد ما جاء في المثل الشعبي الموثّق عند كبارهم: “اقرأ ياسين وبيدك حجر”، ولكن أقول الذي خذلني وخدعني مسيرة رفعت رايته كما رُفعت المصاحف على أسنة الرماح في معركة “صفين”.. مرّت سنابك خيلها على وردي وأزهاري وأنفاسي النقية.. مرّت أقدام أتباعها على جسدي المنهك، وروحي النازفة يوم خرجنا في 25 مايو 2017 نطالب سلطات الأمر الواقع وحكومات الحرب برواتب مليون ونصف المليون موظف ومتقاعد، تقطّعت بهم السبل، وقُطعت عنهم مصادر العيش الكريم..

واليوم باتت تفترسني بنهم، وشراهة لا تشبع ولا تمتلئ.. تنزع لقمتي من فاهي، وتريد أن تقتات معها لساني وحنجرتي، وما بقي من مرتبي وقوت من أعيل.. يعيشون صراع مرير في معركة البقاء، لأجل حياة نتشبث بها على نحو مستميت، ونحن نمسك بأطرافها نكابد الخطر، ونصطرع مع الموت جوعا، في عهد أوغل فيه الرحيل.. عهد يتعمم الموت، وتزدهر فيه المقابر..

اليوم أنشبت أظافرها الطويلة والمعقوفة كمخالب النسور في معدتي الجائعة التي تحتظر.. تصر على أن تقتاتها مع جوعي وما بقي لي من أيام قلائل.. أنا جائع ومسحوق كهذا الشعب المنكوب والمسحوق بالحرب والجوع والموت..

***

يتبع..

 

موقع يمنات الاخباري

موقع برلماني يمني

صفحة أحمد سيف حاشد على تويتر

صفحة أحمد سيف حاشد على تويتر 2

حساب أحمد سيف حاشد على الفيسبوك

صفحة أحمد سيف حاشد على الفيسبوك

قناة أحمد سيف حاشد على التليجرام

مجموعة أحمد سيف حاشد على التليجرام

“Yemenat” news site

MP Ahmed Seif Hashed’s websit

Ahmed Seif Hashed “Twitter”

Ahmed Seif Hashed “Twitter”

Ahmed Seif Hashed “Facebook”

Ahmed Seif Hashed’s Facebook page

Ahmed Seif Hashed

Ahmed Seif Hashed channel on telegram

Ahmed Seif Hashed group on telegram

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى