من يومياتي في أمريكا .. أنا والبلدي*..!

برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
أحمل نعشي على كتف مخذول بحصاد الخيبة.. دروبي اكلت قدماي، ونهايات سوداء لعقود ستة.. السوسة تفسد قنطارا، والثقب يغرق مركب.. الفأر هدم السد والقادر بات يبحث كيف ينجو بجلده.
الغربة معاناة وصعوبات شتى تتلاشى.. بعد عامين وثلاثة يجد الباحث عن وطن وطنا كان يبحث عنه، أما في وطني المسبي يعيش الحر حياته بين جحيم وسياط عذاب.. جهل ومرض ومجاعة.. وطن يسكنك وتسكنه ولا تجده.. تيه حد الفقدان.
في وطني تعبت ساقيي من حملي.. بدلا من أن تحملني بت أنا من يحملها.. خارت قواي تعبا ومشقة.. روحي تنزف وعمري يمضي إلى اللاشيء.. بت اقطر خذلان وطن مسبي يعجز عن إنقاذه ألف نبي، وخيبة لا يقطرها ألف حصان.
جروحي غائرة في مغاور روح تتعذب..أحلامي الكبرى سرقت أو هدرت أو ذهبت أدراج الريح.. أحلامي لم أحصد منها غير وخامة أوجاع ونهايات من خيبة.. الأمال عراض وحصادي موت وخراب.
كنت ابحث عن مستقبل فوجدت ماهو أمض.. ضاع العمر بين ماض تعس، ومستقبل أشد تعاسة.. ماض مترع بالدم، ومستقبل فخخه القتلة لسنين وعقود عدة.. فساد الماضي متعفن، والمستقبل عفن بمهول فساد.. حقبة سوداء والقادم اشد سوادا وقتامة.. الجهل يسود والتفاهة تتسيد مشهدنا والواقع مشبع بالعار.. أين نغرب من هذا العار؟! لا ممكن ولا فسحة نلتقط فيها الأنفاس.
***
دون نوم أو نعسة ذهبت إلى المشفى وما زال الغبش يجر خطاه.. كنت أول مريض يأتي في تلك الساعة الجدباء، ومازال المشفى موصد بابه.. وجب أن انتظر لساعات عدة حتى يفتح.. ممطوط بين باب مغلق وجدار أخرس وقلق يذرعني ذهابا وإيابا.. وجدت نفسي وحيدا بين رهاب الوحشة وجدار أخرس لا يتكلم.
أتيت قبل الموعد بساعات عبثة.. اتيت في حين مازال طبيبي يغط في نومه.. عيوني تتقرح سهد وقهد.. مخارز تصلبني ومسامير تسمل عينيى .. قهر وعذاب.. أنفاسي تنفخ كالكير ثم صرت حبيس الأنفاس.. ضيق على ضيق يضيق ويشتد.
كل ما حولي يضيق.. أنا أختنق حد الموت.. يبلغ الأمر أشده.. يطبق على عنقي بكلتي يديه.. اسمع هريس عظيمات حنجرتي تتحطم.. بعد ساعات وصل طبيبي، وبحشرجة وجع دام شكوت إليه:
صدري يوجعني يادكتور في كل مكان.. قلبي يتلف.. صدري بات أضيق من خرم الإبرة.. دقات قلبي صاخبة كجلبة حرب.. صدري ضاق بقلبي يادكتور.. ماذا أفعل؟! قلبي يتفجر في قفصي الصدري.. الأرض صغيرة جدا والضيق في كل مكان.. أنا مكتئب جدا والضيق موت يقبض روحي.. هل أجد لديك علاجا يخفف عني هذا الحال البالغ وجعه؟؟
أستمع الدكتور لوجعي وقال تحتاج إلى قلب آخر أو قطاع غيار.. تحتاج أوردة وشرايين في القلب..! أحالني على دكتور مختص، والمختص أحالني على جراح ماهر ومستشفى متخصص في أمراض القلب.
في بلدي تتعفن أعضاءك.. تموت وأنت تبحث عن إبرة ودواء.. في بلدي الموت هو الحل.. في وطني رفضوا الحل الناجع وهو أن يرحل من يحكمنا ويعبث في مشهدنا الدامي، وفساد كان في الأمس يحبو ويتسلحف، واليوم بات فرطا صوتيا فوق القدرات.. الأمر يحتاج إلى معجزة كبرى.
رغم اليأس الداهم لن نيأس.. لابد لهذا الشعب يوما أن ينفد صبره.. لابد أن يبلغ لديه الحال سيان بين نجاته ومماته.. ثورة تجتث تلك الأوثان ونرى الأصنام حطام.. قدرة شعب أو قدر يأتي يفرجها بغته بعد أن يستوفي الحال أشده.. من كل بد أن نشهد فرجا، ودوام الحال محال.
***
* ملاحظة مهمة:
العنوان الفاقع مستفز ومقصود بغاية استدراج السفهاء في محاولة لأنسنتهم ولو من باب المحاولة والإستفزاز الحميد.