فساد ونهب وموت

برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
عصبيات تستنهض شراستها، وقبائل تقتلنا وتقتل بعض.. حروب عبثية.. برك من دم وولائم ثأر.. قتل باذخ.. سطو.. نهب.. ثيران تساق إلى ساحات الإعدام تجبر ضرراً لم تأتيه.. جُرم لم ترتكبه.. خطايا وأخطأ الغير.. كلفة موت ندفعها دون جريمة.. كمد يعترش القلب المسكون بالألم الذابح.. موت يكتظ في مدن باتت أطلالاً ويباباً وخرائب.
…
كل يوم يتوعدنا الموت.. يترصدنا النهب.. كل الأطراف تقتل فينا حيناً، وتنهبنا أحياناً أخرى.. بتنا اليوم في حكم غنيمة صائل.. نتسربل بالدم.. نُنهب.. نتوعك.. نتلوّى بألم من نار.. نحن الشهداء.. نحن الجرحى المعطوبون.. نحن الضحايا المنهوبين.
…
قادتنا الأطراف رغما عنا إلى أتون حرب فادحة الكلفة.. نُنخس ونُباع في سوق الحرب حراج وبلاش.. نهدر عمر بلقمة عيش لا تكفي ليوم.. نحن البسطاء مهدورين الدم.. حروب تشوينا وأخرى تصلينا.. حروب تأكلنا بشراهة جوع ضباع.. نعيش الجور الفادح ووزر الحال.. الغلبة سلطة جور وحشية تسحقنا في ممشاها ذهابا وإيابا.. حياة باتت بطعم الملح.. شربنا البحر المالح، وهم شربوا دمنا نبيذاً، وما ثملوا ولا سكروا ولا قالوا كفاية.
…
حياة أشقاها وجود عابث.. حقوق يتلهّى بها عربيد أعبث من عابث.. العبث بات هو الحاكم في قصر السلطان.. بات قصر الحاكم مسكوناً بالجور وبالطغيان.. كان الجور ربيبا فصار رباً للقصر ورباً للسلطان.
…
ما عاد العز بعز.. ما عاد كديداً يجني كداً او شيئاً ذو بال.. آل الكد إلى بدد ووبال.. الامل بات حطاماً، وحقوقاً كانت ثمرة عمر نضال باتت تتلاشى كهلام.. بقايا أحلام باتت في قبضة ريح صرصار يذروها في قفر أجرد.
…
بتنا غنيمة لفساد جم.. بتنا غنائم حرب.. صرنا فرائس تأكلها ضباع جوعا ولا تشبع.. شعب بات ممنوعاً من أن يفرح، أو يأمل أو يحلم.. شعب منكوب مسلوب مقهور.. عقد الماضي وعاهات الزمن الغابر تحتشد وتثأر من رجل يلبس بنطال أو مازر .. تثأر من حذاء مهترئ ورأس أثقله الهم، ونزيف سيال لا يتوقف حتى الموت.. كيف يُهجا وكيف يُلام..؟!! الجوع كافر وصانعه هو الكفر بكله.. الشعب يجوع.. الشعب يموت مجاعة.. الشعب مهروس حتى العظم.
…
يعايرني بسروال لا أملك غيره، وأنا ما عايرت يوما قاتل بلباسه.. تعلمنا أن لا ننهب حين نجوع، بل نحفر بالصخر حتّى نقتات أو نشرب من وجه الصخر.. تعلّمنا أن لا نأخذ حقاً للغير ولا نغتصب حقاً رغماً عن صاحبه، ولا نقتات حاجة محتاج.. تعلّمنا أن لا نتجاوز نفراً في الطابور، ولا نقطع شجرة.. تعلمنا أن لا نعتاش على نهب الناس.. لازلنا ننحت في الصخر بأظافرنا، فيما الاحقاد العمياء لازالت تهاجمنا.. تنهبنا.. تستولي على ما بقي منا، وما بقي لنا من حق لازال يقاوم.
…
الفقر عري كامل.. الفقر غارق في الكفر، وصانعه هو الأولى باللوم.. صاحبه رب الكفر بذاته.. قطار الجوع يمر ثقيلاً فوق بطون الفقراء.. بطون عجفاء.. خاوية تأكل بعضاً.. تتضور جوعاً.. بات الجوع يأكل نفسه.. جوع ومظالم وشتات.. أرواح نزفت واعمار أزفت وذوت حتّى باتت كالخشب المحروق.. اطلال بعد رحيل وحزن يشتد وحسرات تتوالى وتتكاثر في القلب وفي العين.
…
بتنا نتصحر.. نقتات القيض.. نتكوم كالملح.. نلاحق سراب في هجير الصحراء.. الحال خراب ومقابر.. أثقلنا حق تم مصادرته بالغلبة وطغيان القهر.. بات النهب جريئاً والقتل أكثر جُرأة، ويتم تحت عين الشمس اللاهب، في رابعة نهار يدججه القتلة.
…
أصاب التمزيق وطن مثقل بالنكبات.. أصاب التفتيت بقايانا.. اصاب الوطن وهن قاتل.. هزال ومرض عضال.. خنقتنا عصبيات ما قبل الدولة.. أناخ الكمد بكلكله فوق الأنفاس.. أقام فينا الحزن كيانه.. صار بعض منّا.. لا فرق يميزنا عنه. والعدل بات بلا ايدي ولا سيقان.. من يحمله في هذا الزمن المعطوب بالجوع وبالبؤس؟!! نحن رعايا في وطن منهوب.. يسحقنا العوز.. نحن ضحايا ودماء تلطخ تاريخ سلطات الغلبة.
***