تغاريد غير مشفرة .. سلطة ثقب أسود
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
(1)
أكثر من أربع سنوات ونحن في مجلس نواب صنعاء نطالب بصورة من عقود شراء المشتقات النفطية لنراقب مشروعية الأسعار التي تباع بها تلك المشتقات، ولكننا لم نحصل على عقد واحد منها رغم أن دبي تحصل عليها، والتحالف في عرض البحر يحصل عليها، ومخابرات العدوان تحصل عليها.. إلا نحن وشعبنا لا نحصل عليها.
إذا لم تستطيعوا موافاتنا بعقود الشراء بها لأننا مواطنين يمنيين، ونزعم تمثيل الشعب، اعتبرونا عدوان، ووافونا بنسخة من تلك العقود حتى وإن كانت صورية، لنقارنها بأسعار البورصة ونظيف ما لحقها من كلفة، ونزيدكم أرباحكم، لتبيعوه بسعر مقارب ومعقول.. فلماذا تمتنعون عن موافاتنا بما هو حق لشعبنا؟!!!
(2)
لهذا نقول الفساد والجشع يلوذان بالسرية وعدم الشفافية، ومحميين بالسلطة والغلبة، ليستمر شعبنا يدفع دم قلبه لهوامير الفساد والجشع، مصاصي دماء شعبنا المنهك.
للأسف لازلنا ولازال شعبنا غنيمة حرب طوال سبع سنوات حرب، وعام ثامن من الهدن المعلنة وغير المعلنة!!
فإلى متى تريدوننا نبقى غنيمة حرب وقد توقفت الحرب منذ عام؟!!
(3)
حتى المشتقات النفطية التي تُمنح مجاناً وما أكثرها، يتم استخراج عقود صورية، ويعرف بها الجميع إلا نحن.. نحن فقط وشعبنا لا نحصل عليها.. تعمية مقصودة حتى يتم استمرار جلد شعبنا بالجشع والفساد والمعاناة الثقيلة والطويلة.. إلى متى يظل شعبنا يشتوي بالمغالاة والأسعار التي لا مثيل لها في عالم السلام وعالم الحرب؟!!
إلى متى شعبنا يظل يدفع لمن لا يقنع ولا يشبع؟!!
(4)
تقرير برلماني حديث عهد، صادر من لجنة النفط في مجلس نواب صنعاء يقول:
لم تشهد السوق المحلية إنخفاظاً في أسعار المشتقات النفطية بما يتناسب مع الإنخفاض في أسعار البورصة العالمية، وانخفاض سعر الصرف لما من شأنه التخفيف من المعاناة التي يعانيها المواطن في بلادنا.
والسؤال الأهم إلى متى يستمر هذا الحال؟!
إلى متى يستمر شعبنا غنيمة حرب، وقد ولّت الحرب؟!
(5)
ورد في تقرير لجنة النفط في المجلس:
“عدم الشفافية والوضوح في عملية شراء واستيراد المشتقات النفطية، ومادة الغاز المنزلي، والأسس والمعايير والعقود، والاتفاقيات التي يتم بموجبها شراء المشتقات النفطية”
وتدرج اللجنة هذا الأمر في بند الاختلالات، وهو مصطلح يهوّن من جسامة ما يحدث، وهو في الحقيقة مصاب جلل، ووزر عظيم يثقل كاهل شعبنا، ولا يراد له أن يتزحزح أو يزول.
(6)
سلطة النفط ترفض توجيهات القضاء، وهي جريمة كان يجب أن تحال بموجبها للقضاء، حيث وقد تحولت إلى سلطة نهب، فوق ما هي سلطة جشع وجباية، وهو ما كشفته اللجنة في قولها:
عدم صرف ومحاسبة أصحاب المشتقات النفطية المضبوطة، وعدم اطلاق المعدات والآلات التي تم احتجاوها رغم توجيهات النيابة المختصة في هذا الشأن، دون مراعاة للحقوق المكتسبة للمواطنين.
إننا نعيش سلطة غلبة لا تكترث بمدى جريمة ما تفعله من نهب وفساد ولصوصية، ولا وزن للقضاء عند هذه السلطة التي لا تكترث به، بل وتستهتر فيه، وتفرض إرادتها عليه عنوة ومغالبة.
ويكون ضحية ما يحدث هو المواطن المنكوب بالغلبة، وغياب القانون، وتغييب القضاء، ونحر العدالة لصالح هوامير السلطة الخفية..
(7)
ورد في تقرير لجنة النفط في المجلس:
“تم استقطاع وتحصيل مبالغ مالية كبيرة على المشتقات النفطية لصالح إنشاء محطة كهرباء بالفحم الحجري،وكذا إنشأ ميناء نفطي في محافظة الحديدة إلا أن تلك المشاريع لم تنفذ برغم حجم المبالغ التي تم تحصيلها،ودون معرفة أوجه صرفها حتى الأن”
كل شيء ينتهي هنا إلى ثقب أسود!!
وهذا يؤكد المؤكد أن الفساد يلوذ بالسرية وعدم الشفافية، وقد بات اليوم الفساد نفسه سلطة غلبة.. علما أن كل تلك المبالغ يدفعها المواطن المغلوب على أمره، لا أحدا سواه.. وتنتهي تلك المبالغ إلى مآل لا نعرفه، بل إلى ثقب أسود بعيداً عن المساءلة والمحاسبة، وعن القانون والعدالة..
(8)
الفساد والفشل حينما يتعاضدان تكون النتيجة فادحة..
لخصها أحدهم في نموذج بقوله:
“زراعة القطن في تهامة انتهت..
مصنع الغزل في باجل توقف..
بيت هايل أشتروا مصنع في إندونيسيا
والمصنع جاب سبعة مصانع.”
شعب يختنق .. والحسرة قاتلة ..
بيئة طاردة وسلطات مستبدة، ووطن يؤول إلى التلاشي والضياع.
(9)
سلطة لا علاقة لها بالتنمية..
لا علاقة لها بالتخطيط…
سلطة لا تربط بين مخرجات التعليم واحتياجات الشعب، بل توظف التعليم في خدمة تدجين وتجهيل المجتمع، وتسخره في تكريس الأمية بكل صيغها ووجوهها..
سلطة لا تدعم الصناعة ولا تميل لها، ولكنها تدعم الدورات الثقافية بسخاء باذخ.
(10)
سلطة لا تهتم ولا تكترث بالتخفيف من الفقر والبطالة، ولا يوجد في جدول تفكيرها شيء اسمه الصناعة والتنمية والمستقبل، بقدر اهتمامها بالغلبة والحروب واحتياجاتها، وجرف الشباب وحتى الأطفال إلى بؤر الموت، ومحاطب الحرب، ومحارق التشدد والتعصب والأدلجة.
سلطة لاهم لها نحو المجتمع غير إثقاله بالمزيد من الجبايات الثقيلة والمنهكة، وفي الالتزامات والواجبات التي يفترض أن تؤديها نحو المجتمع، تنتهج سياسة “دبر حالك”.
سلطة تفتقد إلى الحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية نحو شعبها.
***